تقطن نعمة إسماعيل، (50 عاماً)، في محل بالإيجار في قلب العاصمة صنعاء، يفتقد لأدنى مقومات الحياة الإنسانية. وهي أم لثلاثة أيتام صغار، بعد وفاة زوجها عائلهم الوحيد قبل 4 سنوات، ما ضاعف معاناتها وأولادها.
تقول إسماعيل لـ "العربي الجديد" إن الحياة أصبحت صعبة، فعائلتها تعيش على وجبة واحدة في اليوم، وتدهورت حالتهم، خصوصا بعد إيقاف راتب الضمان الاجتماعي، وهو مبلغ ضئيل، 10 آلاف ريال (حوالى 40 دولارا)، وذلك منذ اندلاع الحرب مع جماعة أنصار الله (الحوثيون).
ولم تقتصر معاناة السيدة عند ضيق المنزل وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية والمصاريف الضرورية، بل تفاقمت مشاكلها، مع توقف حصولها على الأدوية مجاناً من المستشفى الجمهوري (حكومي) لعلاج عدة أمراض مزمنة تعاني منها.
واضطرت إلى إرسال ولدها الأكبر ويبلغ 10 أعوام، للعمل في غسل السيارات بأحد الشوارع القريبة من منزلها في شارع خولان بصنعاء.
ومنذ تسعة أشهر لم تستلم الحالات المسجلة في معاشات الضمان الاجتماعي البالغ عددهم 1.5 مليون رواتبهم، على وجه الخصوص أهل المناطق الريفية البعيدة مثل مناطق حجة متمثلة بعزلها كبني عوام وصعدة ومناطق في ريمة وإب، والكثير من القرى والعزل لم يتسلموا معاشات الضمان الاجتماعي الذي يصرف كل ثلاثة أشهر.
وفاقم وقف معاشات الضمان الأزمات المعيشة، نتيجة للوضع الاقتصادي المتدني وارتفاع الأسعار وزيادة معدل البطالة، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي مرت بها اليمن منذ بدء توجيه التحالف العربي ضربات جوية على الحوثيين في 26 مارس/آذار الماضي.
وأكدت منظمة أوكسفام البريطانية مؤخراً، أن أكثر من نصف سكان اليمن بحاجة لمساعدات إنسانية، محذرة من أن البلاد تتجه نحو كارثة إنسانية إذا ما استمر تدهور الوضع فيها.
وأشارت المنظمة في بيانها إلى وجود نحو 16 مليون شخص في اليمن بحاجة للمساعدة، أي ما يعادل ثلث من هم بحاجة للدعم الإنساني في عموم الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً: أموال اليمن في قبضة الحوثيين
"
فاقم وقف معاشات الضمان الأزمات المعيشة، نتيجة للوضع الاقتصادي المتدني وارتفاع الأسعار وزيادة معدل البطالة
"
ويقول باحثون اقتصاديون لـ "العربي الجديد" إن كل الدول تضع في أولوياتها تحسين وضع الفقراء ومحدودي الدخل عن طريق تقديم المساعدات المادية والغذائية وتأمين العلاج لهم وتلمس احتياجاتهم والسعي لتحسين وضعهم المعيشي، وفي اليمن لا يجد الفقراء أي اهتمام، حيث الأولوية للحروب والصراعات السياسية التي تلتهم ما تبقى من موارد.
وذهبت مساعدات دولية وإقليمية لصندوق الرعاية الاجتماعية باليمن إلى ثقب أسود، ففي سبتمبر/أيلول من العام الماضي قدمت الحكومة السعودية مبلغ 435 مليون دولار لتغطية تكلفة مدفوعات الضمان الاجتماعي، ومبلغ 100 مليون دولار من حكومة الولايات المتحدة الأميركية، ويقول مسؤولو صندوق الرعاية الاجتماعية إن المبلغ استلمته وزارة المالية اليمنية، التي يسيطر عليها الحوثيون، ولم يصل شيء إلى الصندوق.
وقال مسؤول بوزارة المالية اليمنية لـ "العربي الجديد" إنه تم إنفاق منحة مدفوعات الضمان الاجتماعي، وأموال أخرى جاءت من السعوديين وأميركا ولكن لم تصل إلى المستحقين، وأوضح أن المال تم نقله إلى حساب في المصرف المركزي تابع لمجموعة مركزية من الصناديق التي تستخدمها الوزارة كحساب حالي. وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن الوزارة قررت أن هناك مهام أخرى لها أولوية على الرعاية الاجتماعية.
ويخوض الحوثيون حروبا داخلية في محافظات وسط وشرق البلاد، وتوجه المنح المخصصة للفقراء نحو ما يسمى "المجهود الحربي"، حسب مراقبين.
واعتبرت الأمم المتحدة الأزمة في اليمن بمثابة واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث تم تصنيفها في المستوى الثالث لعمليات الأمم المتحدة جنبا إلى جنب مع سورية والعراق وجنوب السودان.
وقال ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين يوهانس فان دير كلاو، في تصريحات سابقة، إن أربعة من بين كل خمسة يمنيين باتوا مؤخرا في حاجة إلى نوع من المساعدات الإنسانية.
ويؤكد تقرير الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، تضرّر نحو 58% من سكان اليمن (14.7 مليون من أصل 25.2 مليون نسمة)، بسبب الأزمة الإنسانية الحاصلة في البلاد.
وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تقرير حديث حول "الجوع في اليمن"، أن 41.1% من اليمنيين، أي 10.6 ملايين شخص، يعانون انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 5 ملايين شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، و5.6 ملايين يعانون انعدام الأمن الغذائي المتوسط.