ظلت الاختناقات المرورية وأزمة بقاء الحجاج في حافلاتهم لأكثر من خمس ساعات للتنقل بين المشاعر المقدسة هاجسا لدى ضيوف الرحمن في مواسم الحج، ومن قبلهم الجهات المسؤولة التي كانت تحرص في كل عام على وضع خططها من أجل تقليص حجم المشكلة، رغم طبيعة المكان الذي يتم فيه التعامل مع أعداد هائلة من الحجاج في وقت واحد. ورغم الخطوات التي اتخذتها الجهات المختصة للحد من الأزمة المرورية في المشاعر مثل منع السيارات الصغيرة من الدخول إلى المشاعر المقدسة، وتطبيق نظام النقل بالرحلات الترددية لتقليص عدد الحافلات، إلاّ أن أزمة الاختناقات المروية ظلت مستمرة وتشكل هاجساً للجميع، بسبب ضيق المساحة وتعطل بعض الحافلات، وعدم التزام بعض السائقين بالتعليمات، وجهل الآخرين بالموقع، ووضعت فوق ذلك حزمة من الحلول الاخرى والمشروعات كالأنفاق والكباري للتخفيف من حجم هذه المشكلة.
دقائق معدودة
وجاءت فكرة مشروع قطار المشاعر ليحدث نقلة نوعية في هذا الجانب المهم، إذ يعد هذا المشروع من بين أفضل المشاريع التي خدمت الحجاج إذ لا يحتاجوا إلا لدقائق معدودة للتنقل بين المشاعر والوصول إلى مخيماتهم، وقضى قطار المشاعر على مشكلة الازدحام المروري، إذ أصبحت محدودة ولا يمكن مقارنتها بالأعوام الماضية، فالحاج أصبح لا يحمل هماً للتنقلات مثلما كان يحدث في السابق خصوصاً من ناحية تخوفه من انقضاء الوقت المشروع للوصول إلى وجهته، بالإضافة إلى أنّ القطار قلل من حجم التلوث البيئي الناتج من عوادم الحافلات التي كانت تتواجد هنالك بكثرة، وأغنى القطار الحجاج عن استخدام نحو(30)ألف حافلة، كما وفر لهم أمان أكبر في تنقلاتهم.
بوابات الكترونية
ويربط قطار المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة ببعضها وبدأ تنفيذ المشروع عام 2009م، إذ عمل فيه نحو(5)آلاف عامل على مدار الساعة، ولم يستغرق المشروع منذ بدايته وحتى إنجازه سوى (16) شهراً، وافتتح رسمياً خلال موسم حج 1431ه، ويبلغ طول الخط الحديدي (18.2) كيلومتر، ويضم كل مشعر ثلاث محطات جهزت كل واحدة منها بمصاعد كهربائية وسبعة مسارات لتقديم الخدمة للحجاج، بالإضافة إلى وجود عدد من البوابات الإلكترونية لتفويج الحجاج إلى المحطات، وتتميز هذه البوابات بتقنية الاستشعار عن بعد للتعرف على حاملي التذاكر التي تباع للشركات والمؤسسات فقط، ولا يمكن بيعها للأفراد لأهداف تنظيمية، وتبلغ قيمة التذكرة (250) ريالاً لجميع الرحلات، و(50) ريالاً لرحلات أيام التشريق، وتتوفر أيضاً ساحات للانتظار مزودة بوسائل السلامة وتلطيف الجو تستوعب كل ساحة أكثر من ثلاثة آلاف حاج.
ويتنقل القطار بين تسع محطات رئيسة في عرفات ومنى ومزدلفة؛ إذ يمر بثلاث محطات مختلفة في مشعر عرفات، ويتنقل بعدها يمر بثلاث محطات أخرى في مزدلفة، وبعد ذلك يتوقف في المحطة الأولى في أول مشعر منى، ثم في وسطه، فيما تكون محطته الأخيرة عند الدور الرابع في منشأة جسر الجمرات.
أطول قطار
ويتكون القطار الواحد من (12) عربة مكيفة تحتوي كل عربة على خمسة أبواب بما مجموعه (60) باباً من كل جهة لصعود ونزول الحجاج دون عناء وزحام، بالإضافة إلى عربتين أمامية وخلفية لتشغيله إذ يسير في الاتجاهين دون الحاجة إلى تعديل القاطرة، ويُعد قطار المشاعر من أطول القطارات في العالم إذ يبلغ طول العربة الواحدة (25) متراً، وينقل القطار في الساعة الواحدة أكثر من (83)ألف حاج، بما مجموعه نصف مليون حاج كل ست ساعات تقريباً، بسرعة تتراوح بين (80-120) كم في الساعة، ولا تستغرق الرحلة الواحدة بين المشاعر المقدسة سوى بضع دقائق، في وقت كان الحاج يحتاج إلى الساعات من أجل الوصول إلى وجهته، إذ تستغرق الرحلة من عرفة إلى منى (13) دقيقة، ومن عرفة إلى مزدلفة سبعة دقائق، ومن مزدلفة إلى منى تسعة دقائق.
أنظمة آلية للتشغيل
وينقل القطار الذي يعمل دون سائق من خلال استخدام أنظمة آلية للتشغيل بتحكم من مركز التشغيل والمراقبة في الرحلة الواحدة أكثر من (3500) حاج، ويبلغ عدد الحجاج المستفيدين منه في العام أكثر من نصف مليون حاج، ومساره المرتفع عن الأرض الذي يتراوح بين تسعة أمتار و(45) متراً عند الجمرات تم إنشاؤه بأرقى المواصفات على أعمدة خرسانية في الجزيرة الوسطى للطريق، وتم بناؤه بهذه الطريقة لكي يستفاد من المساحات الأرضية في نصب خيام الحجاج.
وخصصت قيادة قوات الدفاع المدني المشاركة في تنفيذ الخطة العامة لمواجهة الطوارئ بالحج تسع وحدات متخصصة للتعامل مع حوادث القطارات في جميع محطات قطار المشاعر في منى ومزدلفة وعرفات ومتابعة الإجراءات الوقائية لتجنب كافة المخاطر التي تهدد سلامة الحجاج مستخدمي القطار، وتتمركز وحدات الدفاع المدني داخل المحطات وتتركز جهودها بالدرجة الأولى على تعزيز الإجراءات الوقائية للحد من الحوادث التي يمكن أن تقع في محطات القطار أو المناطق المحيطة بها، وكذلك أثناء صعود الحجاج للقطار أو نزولهم منه، والتدخل السريع للتعامل مع أي حوادث قد تحدث في المحطات أو المناطق المحيطة بمسار القطار.
رحلات تجريبية
وفي كل عام تستعد وزارة الشؤون البلدية والقروية لموسم الحج برحلات تجريبية بين محطات عرفات ومزدلفة ومنى بهدف تجربته وإجراء الصيانة له للتأكد من جاهزيته، كما تتعاقد الشركة المشغلة له مع عدد كبير من الشبان السعوديين الذين يعملون في وظائف موسمية لتشغيل قطار المشاعر، إذ يتم تأهيلهم للعمل وتدريبهم، وفي هذا العام أرست وزارة الشؤون البلدية والقروية تشغيل وصيانة قطار المشاعر المقدسة على شركة ماليزية، بعدما أثبتت للإدارة العامة لتطوير مشروعات المشاعر المقدسة في الوزارة جدارتها وأحقيتها، ووقعت معها عقد تشغيل وصيانة القطار لمدة ثلاثة أعوام مقبلة، على أن توكل الشركة الماليزية أمور متابعة أنظمة وإشارات وسلامة القطار لشركات عالمية، وتعمل الشركة الماليزية في مجال القطارات، وكانت تعمل مع الشركة الصينية السابقة التي اعتذرت عن الاستمرار في العقد، ويبدأ عقد الشركة الماليزية من حج هذا العام.
ومن بين خطط الوزارة العرض المقدم من أحد الخبراء الألمان في إحدى الشركات لإطلاق برنامج تدريبي للمهندسين السعوديين في كل ما يتعلق بالقطارات من حيث القيادة والأنظمة والإشارات والسلامة تبدأ بعد موسم الحج المقبل وحتى رمضان بعد المقبل، وسيتم الرفع بذلك إلى وزير الشؤون البلدية والقروية، تمهيداً لرفعه إلى الجهات العليا للاعتماد، وقد فاز مشروع قطار المشاعر المقدسة بجائزة "فرانس آيدل مان أوارد" إذ تفوق المشروع على (400) مشروع، ويعتبر هذا التتويج اعترافا عالميا بضخامة مشروع قطار المشاعر وأهميته.