الجزء الاول :لكل مقاتل قصة
وقصةٌ هذا الشاب البالغُ من العمر ٢٣عاما ،انه يحلم بالعودة الي جامعتهِ ومحاضراتِ الصيدلة بعد ستة اشهر من القتال ضد الحوافيش في مدينة تعز ..
الاسم :حمزة
والقصة :مرور ستة اشهر على فراقِ القلم وحملُ السلاح..
حمزة عبد الرقيب احد المرافقين الشخصين لقائد المقاومة واكثرهم أناقه وهدوءً ..منذ شهرين فقط يقوم بهذا المهام بعد ان كان يقاتل في جبهة الاربعين وجبل جرة ..
كنت قد التقيته في جوار قائد المقاومة حين كان لدي فضول في معرفة المقاتلين وتضحياتهم ومعرفة المشاهد التي كانوا يخوضونها او يشاهدونها في ارض المعركة والفداء...
وحينا سألته عن ذلك ..
"تفاجأت "حين بدأ يحدثنُي عن اخر مشهد له مع المذاكرة وبداية حمله للجعبة والسلاح ..
حاولت "مقاطعته" حتى ينتقل الي مشاهد الرصاص والاشتباكات "..
قائلا في نفسي ..واي قصة كهذه يمكن لنا الانشغال بها في هذا الوقت وهذا الوضع ..ومن سيسمع قصة فراق القلم في زمن يشهد ألآلف فراقاً للأنفسِ والارواح ،"كان هذا ردي له عندما طلبت منه الحديث عن البطولات التي خاضها في القتال مع رفاقه في الاربعين وكلابه وجبل جرة العظيم ويوم الزحف الي سور معسكر الامن المركزي "..
بينما رده جاء شديدا اللهجة والكلمات وكأنه انزعج من مقاطعتي له او من طلبي "..ليتوقف قليلا ويقول :..
تضحيتي اراها في البداية وشجاعتي كانت في اول ساعة واول يوم بدانا فيه نقاوم ،حين كنا قلة وكان الكثرةُ يرون الجنون فيمنْ سيقاوم ؟ او سيتجرأ على ان يقف أمام آلات الموت القادمة من صعدة وصنعاء على راس دبابة ومدفع ؟؟! ..
دقائق تلك اللحظات وثوانيها "لاولن "يمكن نسيانُها .. لحظات كتلك ،تخلدت ،في مخيلتي بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ،،حينها كان الاستسلام يجتاح كلّ الأماكنِ والاشخاص ،الي درجة ان الاستسلام صار له لسان يخاطب الجميع ..انت ليس بمقدورك ايقافهم ..وانت : الوطن ليس حقك فلماذا ستقاتل ؟..،وانتم جميعاً ما دخلكم تدافعون عن تعز، وقد صارت العاصمة والمعسكرات والبنوك تحت سيطرتهم ووو وكلام من هذا القبيل ...
في هذا الوقت العصيب تتجلى المواقف الشجاعة لتعبر عن العزة والكرامة والرجولة ومدى استعدادها للتضحية من اجل ما تؤمن به دون خوف,, وليس في اي وقت اخر يا عزيزي ؟!
- بينما هو كان يتحدث بصوت مرتفع ،كنت انا اهز راسي كمن يريد القول معك حق ولكن بلغة الاشارة لا اللسان ..
ويقول :كنت انا واحدا منهم وكانت اول تضحيتي ان تركتُ القلم والملزمة والمدنية والسلمية لأحمل السلاح ..
""كان محقاً هذا المقاتل الشاب في ما يقوله وهو ما كان غائباً عن الذهن والحسبان عندي حقيقة او ان تركيزي كان قد تجاهل ان التضحية يرى مكانها وزمانه المقاتل نفسه ولست انا .. ولهذا طلبت منه الحديث عن البداية بعد ان شدني حماسهُ وافتخارهُ بها ،لتكون البداية فعلا كما اراد من عند القلم !!..
-"في وقت غير محسوب ويوم لا يمكن ان يتزحزح عن الذاكرة ولو للحظة ..حين كنت اجهز نفسي لمذاكرة مادة العقاقير الطبية حتى اتخلص من تراكم المحاضرات التي تراكمت عليا من قبل .
خرجت مبكرا من الجامعة وتناولت الغداء الذي كانت قد اعدته والدتي لي قبل الجميع ،"فالطالب عادة يحصل على رعاية كاملة من قبل الاسرة فما بالك ان كان هذا الطالب يدرس طب "! ..
انتهيت ..من الغداء واخذت الملازم ودفتر المحاضرات وعلاقي القات ماويةُ المركة ،الذي كنتُ قد اخذته عند عودتي للبيت ،، خرجت لأرتكي بجوار المنزل بعيدا عن الجميع حتى أختلي بملزمتي بعيدا عن الضوضاء ودون ازعاج ..
تناولت قيلا من القات مع الحانِ محمد عبده وابو بكر اللذانِ منحوا وقتها "لذة "لتلك الجلسة ،، وبينما انا افكر في بدء المذاكرة "هل افتح الملزمة ام انتظر قليلا ؟"،كانت نفسي تطالبني بقليلا من الاستمتاع مع حلاوة القات والغناء ..
فجأة ..رن جوالي ، المتصل ....... . ....... ..
كان لابد من الرد ،،رغم تجاهلي لمكالمةٍ سابقة ....لكنني..
لم اكن اعلم انه سيقولٌ لي، اترك كل شيء فقد بدأت المعركة ..
كانت تلك اخر لحظاتي من مٌجَالسَتِي للملازم الي مرافقة السلاح ..ومن استماع الاغاني الي سماع زوامل الحرب والحمية...
نعم منذ ذلك اليوم هجرت الملازم والمحاضرات ولم افارق الجعبة والسلاح والى الان مازالت معي ننام مع بعض ونصحوا جميعا ..
حمزة ،، شابٌ يبلغٌ من العمر ٢٣عشرون عاما فقط كان قبل "٦"اشهر يتحدث عن الداء والدواء ولكنه اليوم لم يعد كذلك ،صار كل حديثه عن الحروب والمعارك ..
وله (سي في) تستطيع قرأته من خلال حديثه معك .."فهو" يجيد استخدام الكلاشنكوف والمعدل بمهارة عالية ،ناهيك عن رمي القنابل واصابة الاهداف بالبازوكة او صواريخ اللو بعناية بعد ان تمرس عليها كثيرا ..
سواقة الاطقم العسكرية صار يجيدها هي الاخرى مع التفاحيط ودون لمس البريك ..
تعلم مؤخرا استخدام القناصة والضرب بصواريخ الهاون والاربجي ..وله خبرة في اقتحام المواقع ومداهمة المنازل ،والتعامل مع اي هجوم مباغت والتصرف عند الكمائن ومحاصرة العدو وتضيق الخناق عليه .. اضافة الي معرفته الكبيرة في السلاح والذخائر ..
اما عن تطلٌعاته فلا حدود لها غير الجنون ،فهو يحلم بسواقة دبابة و طيران اف١٦ التي يرى فيها المخَلّص الحقيقي من هذه الشرذمة التي عاثة في البلاد فسادا ودمارا ..
مع ان حمزة انخراط في المعارك القتالية مبكرا ودون خبرة سابقة ، إلا انه يحكى عنها بشجاعة وبسالة ورغم مواجهته لمواقف اكثر بشاعة والعنف الدامي الا ان ذلك لم ينعكس على شخصيته الهادئة ،ووجهه المبتسم ..فلا" ملامح اجرام ولا غضب تظهر فيه ،ولا توترُ او قلقُ يبدو رحيما وكانه لا يتجرا على الدخول في المضاربة فما بالك بميدان قتال ..
و مع مرور كل هذا الوقت نصف عام من القتال ومشاهد الدم الا انه مازال يحتفظ بملامح المدنية وبراءتها المُسَالمة على وجهه ..
ولما "لا "مادام هو مقٌاتل وليس قَاتل حد قوله..
لم يكون حمزة يجيد القتال من قبل ولكنه صار يجيده وامام جيش تدرب ل٣٣،عاما،اصبح لا يخافه ،ولا كتائب الموت والحسين ولا كل المسميات التي تدربت سواء في جنوب بيروت وطهران او في مران ،لم يعمل لها حساب ..يتحدث بثقة عالية بأن كل الشباب لديهم القدرة على القتال الي ما هو ابعد من صنعاء ..
منذ قرابة شهر استدعيا حمزة من جبهة الاربعين ليكون المرافق الشخصي لقائد المقاومة وهناك تسنت لي فرصة اللقاء به بعدما تولد لدي فضول المعرفة والاعجاب بهؤلاء الشجعان الذين أوكلَ اليهم اصعب المهمات كهذه ..وهل فعلا هم من حزب واحد كما يقال او من قبيلة واحدة او منطقة معينة او او ؟!.
كان اول لقائي بطالب صيدلة لا ينتمي سوى لملزمته وجامعته وحلمه الوحيد ان تنتهي الحرب وتحسم المعركة ليعود الي جامعته .. حلم بسيط لهذا المقاتل الذي لا يحمل اي اطماع ولا اي مشروع وامثاله الكثيرين ..
ولا اخفي عليكم تفاجئي برفاقه المرافقين ،فمنهم من قد تخرج ومنهم من هوعلى وشك ،وهناك اخر يتحدث لغتين وينوي العودة الي مدينته ودكان ابيه في عدن العاصمة ليساعده على البيع والشراء..
يتبع : بقلم : هاشم الصوفي