�ل يحقق الحوثيون بالسلام ما لم يحققوه بالسلاح؟ تتردد اليوم أفكار ومواضيع أن الحكومة برئاسة بحاح تبحث عن السلام مع المليشيات مخالفاً ببذلك رؤية الرئيس هادي في الحسم العسكري على الأرض مما جعل الأمر يبدو خلافاً معمقا في مؤسستي الرئاسة والحكومة بين الرئيس ونائبه، وكل ذلك على حساب الوطن والمقاومة على الأرض، جعل الرئيس هادي يجري تعديلات حكومية سريعة نظر إليها بحاح أنه تجاوز. فإذا كان رئيس الحكومة فعلاً يبحث عن السلام مع الحوثيين دون أن يكون هذا الأمر تكتيكاً سياسياً لتعرية الانقلابيين؛ فإن الرجل لا يفقه شيئاً عن الواقع أو أنه يعمل لحساب الحوثيين من حيث أراد أن يعمل ضدهم. ونظرة سريعة على الواقع نجد أن الحكومة برئاسة بحاح هي من تبحث عن السلام وليس الحوثيين الذين يماطلون ويتلاعبون ويتلكؤون كسباً للوقت من خلال تحركاتهم السريعة على الأرض واحتلال مناطق جديدة ومتعددة وتعزيز مليشياتهم في كل الجبهات. إذن فالبحث عن السلام من طرف واحد وهو طرف الحكومة مما جعلها ونظام هادي ومن خلفهم التحالف يبدون في موقف ضعيف، وينشدون السلام من من يذبح كل فرص السلام، ويلهم هذا الأمر الحوثيين باعتقادهم أنهم يبدون أقوياء وأن الطرف الآخر في موقف ضعيف. هل فعلاً يريد الحوثيون السلام؟! يستلهم الحوثيون من كل أحداث الإقليم الوقائع على الأرض التي تغذيهم معنوياً وروحياً، بعد ما جرى من اجتياح الحدود العراقية ودخول الروس في الحرب نصرة لبشار الأسد في سوريا وتهديد روسيا لتركيا، ولذلك يتحركون في مظاهرات مستمرة للسفارة الروسية طلبا لتدخلها في اليمن، وبالتالي يحرقون كل المسافات للوصول إلى إنجاح مشروعهم الانقلابي بعدما حققوه من مكاسب ميدانية على الأرض وبالتالي سيكون من السذاجة بمكان أن يتصور أحد أنهم سيضحون بكل مكاسبهم ليسلموها لحكومة ضعيفة تستجدي السلام منهم. حتى وإن نشدوا السلام فإنهم ينشدونه في وقت تضييق الخناق عليهم ريثما يستعيدون أنفاسهم ويرتبون صفوفهم وأوراقهم مجدداً ما يلبثون أن ينقضوا على كل اتفاق يبرمونه مع الآخرين ويعودون أقوى مما كان عليه حالهم من قبل، وهذا يغريهم كثيراً وأسلوب تمرسوا عليه وصار تكتيكاً عندهم منذ أن نشأت هذه الحركة وظهرت على الأرض. وبالتالي من الاستحالة بمكان أن يحفظوا وداً أو يلتزموا بعهد، وتاريخهم مليء بتلك التناقضات. لم يلتزموا باتفاقية السلم والشراكة التي صاغوا بنودها بأنفسهم وفرضوها ببنادقهم وقبل الآخرون بكل بنودها دون اعتراض وبغطاء من الأمم المتحدة، فما بالنا بأية اتفاقات تستنقص من مكتسباتهم والحكومة ترفع شعار تسليم أسلحتهم للدولة؟!! حتى وإن قبلوا بالسلام كمبدأ فإن أية اتفاقيات سلام ستصطدم بالتفاصيل الحقيقية على الأرض، ومن هذه التفاصيل مثلاً: - حوثنة الدولة: عمل الحوثيون بعد انقلابهم على الزج بمليشياتهم في كل مؤسسات الدولة وأردفوا دولتهم العميق بالمليشيات الجديدة ليصل موظفوهم في كل مؤسسات الدولة إلى مئات الآلاف..ففي حال تم الاتفاق على السلام والمشاركة فيه هل سيقبل الحوثيون مثلاً بتسريح مئات الآلاف من مليشياتهم من المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، حتى ولو قبلت الحكومة بعدم تسريحهم هل سيقبل الحوثيون بإزاحة أفرادهم من رئاسة المؤسسات وقبولهم أن يكونوا أفراداً موظفين عاديين وهم الذين لا يحملون مؤهلات ولا غيرها سوى مؤهل السلاح الذي استظلوا بظله؟! قد يراوغون بهذا الملف ويقبلون ظاهرياً وهم يعلمون علم اليقين أن هؤلاء الموظفين سيتحولون إلى طامة كبرى ومشكلة عويصة تنغص الدولة وتقود مشكلات أمنية وتحديات كبيرة ومنها تغطية نفقاتهم أو تعويضهم عن التسريح وفي حال بقائهم ستبقى كارثة نفقاتهم عبئا كبيراً يثقل كاهل الدولة في ظل شح الموارد. - شكل نظام الدولة ودستوره: رفع الحوثيون شعاراتهم الثقافية الأيديولوجية التي لا تقبل بالحكم من غير سلالتهم وليس كل سلالتهم بمن فيهم السنة منهم بل من المتشيعين منهم وخاصة أصحاب الفكر الإثنى عشري المرتبط بإيران، وهم قد صاغوا وثيقتهم الفكرية التي هي بمثابة دستورهم الذي لا يحيدون عنه، وأنه لا يجوز عندهم تولي ولاية المسلمين من غير البطنين، فهل سيقبلون أن تمحى كل تحركاتهم في هذا المجال ويولون بحاح أو غيره من غير سلالتهم؟! إذا قبلوا هذا فكأنهم لم يحققوا شيئاً على الأرض وهنا تكمن الاستحالة للاستجابة إلى مطالب الدولة. - إشكالية العفو العام: من المؤكد أنه في حال تم بحث فرص السلام المختلفة سيكون من بين ما يتفق عليه إصدار عفو عام عن كل الأحداث السابقة وعدم محاسبة من تسبب بالحروب المختلفة والانقلاب وعدم المحاسبة على انهيار الدولة ونهب مؤسساتها وأموالها وسيكون لا مجال للمحاسبة وبالتالي نكرر مأساة 2011 بعد التوقيع على المبادرة الخليجية الذي جعل الوضع في اليمن يراوح مكانه دون زحزحته والبحث عن حلوله. وهذا سيكون له تداعيات اقتصادية مالية وأمنية وغيرها..فالتداعيات الاقتصادية أنه لن تؤسس دول مانحة لليمن تعوض خسارتها وتقوم بعملية الإعمار وبناء الدولة مجدداً خاصة وأن دول الخليج التي هي على رأس التحالف العربي اليوم لن يعنيها الأمر وهي التي كانت دائماً على رأس دول المانحين وخاصة المملكة العربية السعودية التي كانت ترفد الميزانية في اليمن بالأموال الطائلة. أما الجوانب الأمنية فإننا لا نضمن أبداً أن تؤسس جماعات عنف انتقامية من الذين دمرت وفجرت بيوتهم وممن تشردت أسرهم وممن استشهد أبناؤها وأسرها بشكل عام حينما يشعرون أن الدولة والشرعية خذلتهم في ذلك وراحت تستجدي سلاما من قتلة ذويهم وأحبابهم. - إشكالية التوافق: أي سلام سيكون في اليمن لن يكون إلا بسياسة التوافق بين المكونات المختلفة ويستوي في ذلك المظلومون والظلمة والمعتدي والمعتدى عليه، ولن يتفرد طرف بالقرار في اليمن؛ إذ سينظر كل طرف للآخر أنه ليس معنياً باتخاذ القرار كما ستنظر الأطراف المختلفة، وهذه طامة كبرى أخرى إذ ستعطل كل حركة في اليمن نحو البناء، وستفضي إلى التقاسم مجدداً وترحيل المشكلة لا حلها، وسيؤدي إلى تدمير البلد والتأسيس لحروب مستقبلية أخرى أشد كارثة من سابقاتها، كما هو اليوم نتيجة لتوافق 2011 الذي ولد فراغاً في الدولة في اتخاذ القرارات المناسبة فقام صالح والحوثيون باستغلال نقطة الضعف هذه وقادوا الانقلاب والمعركة الكارثية الحالية. الحوثيون شركاء في الحكم!! من المؤكد أن أية تسوية سياسية قادمة ستجعل الحوثيين شركاء في الحكم وقد ينالون نصيب الأسد وبالتالي سيظل الأمر على ما هو عليه من عدم حلحلة المشكلة القائمة وقد يجعل الحوثيين هو الطرف الأقوى الذي يمسك بتلابيب الحكم واتخاذ القرار، وهذا سيعزز مكانتهم الوجودي في اليمن اجتماعيا وثقافيا وسياسياً وعسكرياً وبالتالي يكون السلام مشرعناً لوجودهم وما لم ينالوه بقوة السلاح والانقلاب نالوه بالسياسة واتفاق السلام. وسيعد هذا الأمر نصراً مؤزراً للحوثيين مهما بدا ظاهرياً أنه لصالح الشرعية والبلد. السلام بديل لمخرجات الحوار الوطني: حينما قام الحوثيون وصالح بالانقلاب على الشرعية ومخرجات الحوار الوطني الذي استمر لما يقارب السنة ولم تعجبهم مخرجاته وقاموا بتدمير البلد للالتفاف على مخرجات الحوار الوطني، كانوا يدركون أنهم سيقومون بهذا الانقلاب والإصرار عليه وعلى تدمير البلد حتى يأتي طرف من الأطراف ينشد السلام مما يجعلهم متمسكين بأهدافهم من رفض مخرجات الحوار الوطني، رغم أن مسودة الحوار القادم الأخيرة التي قدمها ولد الشيخ للأطراف المختلفة تحمل أفكار طرف الدولة ومخرجات الحوار الوطني، إلا أنها لن تروق للحوثيين ولن يلتزموا بها، وبالتالي فإن أية وساطة للسلام ستعمل على عدم تلبية كل مطالب الأطراف وستخرج بمبادرة سلام تلبي جزءاً مما تطالب به الأطراف المختلفة وكل طرف يتنازل للآخر حتى الخروج برؤيا وسط لا غالب ولا مغلوب، وسيكون منها التنازل عن نتائج مخرجات الحوار الوطني أو التخفيف منها على الأقل، وبالتالي سيكون القضاء على حلم كل اليمنيين في هذه المخرجات، وهذا الأمر هو الكارثة بعينه. بحاح والحوثيون: يبدو أن رئيس الوزراء خالد بحاح غير ملم بتاريخ الأئمة، ويبدو كما لو أنه يتحرك بسذاجة وحسن نية تجاه هؤلاء الإنقلابيين في استجدائهم السلام وهم غير أهلٍ له، كمن يبحث عن الماء في جهنم. وهذا الأمر إما عائد إلى أن الرجل ساذج حقيقة أو أنه متفق معهم ومع أطراف إقليمية ودولية لإخراج مشروع السلام الذي يكون فيه الحوثيون هو الطرف المنتصر. تاريخ الأئمة ومنهم أحفادهم الحوثيون – الأئمة الجدد - يا رئيس الوزراء يقفون ضد كل سلام ويتخذون مبدأ التقيا في التعامل مع الآخرين وخاصة في مبدأ الحوار وتأسيس اتفاقيات سلام سرعان ما ينقضون عليها عندما تلوح أمامهم أبسط الفرص من ضعف الدولة. فهل علمك التاريخ القريب للحوثيين في ذلك وهل راجعت اتفاقياتهم للسلام منذ الحرب الأولى في صعدة عام 2004 وحتى اتفاقية السلم والشراكة التي لا يزال حبرها طرياً؟!! في الفترة الأخيرة ارتاب كثير من المحللين بإصرار بحاح على السلام مع الحوثيين مع أنهم يرفضون السلام ليس ليعريهم أمام العالم وبالتالي يوجه لهم الضربة القاصمة وإنما استمراراً في التنازلات تلو التنازلات حتى يكون مقبولاً عندهم وعينه على رئاسة الجمهورية. ما عزز هذه الرؤيا أن الحوثيين قاموا اليوم بتوجيه الاتهام للرئيس هادي وستة من كبار معاونيه ومستشاريه وأمناء عموم أحزاب ومحاكمتهم صورياً وطلبوهم للقضاء مستثنيين من هذه اللائحة والقائمة الرجل الثاني في الدولة والمسؤول التنفيذي الأول لإدارة الدولة وهو رئيس الحكومة مما عزز نظرة الريب تجاه بحاح، أو أنه خبث ولؤم حوثي عفاشي للوقيعة بين الرئيس ونائبه وإظهار بحاح كحليف سري للحوثيين. حرب التحالف لفرض السلام: من المعلوم أن أية أطراف لا تستجيب للسلام فإنه في هذه الحالة تلجأ أطراف أخرى للحرب لفرض السلام وهذا ما صرح به التحالف منذ أن قام هذا التحالف وبدأ أولى ضرباته الجوية على الانقلابيين. خلف هذه الحرب تقف أجندة إقليمية ودولية وخاصة إيرانية تريد أذية المملكة العربية السعودية وتتحدى المملكة بالحوثيين وقد قام الحوثيون بالاعتداء على الحدود السعودية وبلدات ومدن السعودية مما جرح كبرياءها وهي المعني الأول بتحالف الحوثيين وصالح ضد المملكة، وبالتالي ففي أية اتفاقية تجعل من الحوثيين طرفاً متحكما في الوضع في اليمن يبقى ورقة تهديد ضد المملكة لحساب إيران التي تريد أن تغرق المنطقة في مشروعها. وبالتالي لن يستسلم الحوثيون لأي سلام ما لم يجبروا على ذلك تحت ضربات التحالف إذا انتفى أي تهديد للحدود السعودية. -