span style="color:rgb(0, 0, 0); font-family:tahoma; font-size:16px">حوار / إخلاص الكسادي في عدن مدينة السلام لم يبق بيت إلا وخلفت الحرب فيه شهيد او جريح او أسير ... أسرى الحرب لن يتحولوا إلى مجرّد ذكرى او صورة يتم رفعها في المناسبات والتجمعات .. لقد أسروا من أرضهم وعادوا الى أرضهم شامخون منتصرون .. الاسرى المحررين ظلوا لاشهر قابضين على الجمر خلف القضبان, يعيشون كل لحظة حلم الحرية ليحكوا للأجيال القادمة عن تلك الزنازين المعتمة والتي تلوَن بالسواد الكاحل ، ليحكون عن ذكرى الأسر التي لها عدة ألوان حيث نقشوا على الجدران وعلى الصخر أروع ملاحم البطولة في تاريخ الشعوب التي تعشق الحرية . "عدن تايــم" التقت بالأسير المحرر ابن عدن "شادي" ذلك الشاب الذي يحمل رؤية انسانية ووطنية لها ارتباط وثيق بالوطن .. شادي ذلك الشاب الذي يظهر التزاماً وثيقاً لمبادئ الاخلاق والمعايير الانسانية والذي تم اسره من عدن وهو ينقل موادا اسعافية للجرحى . من هو شادي ؟ الاسم : شادي محمد سعد خريج كلية التربية لغة انجليزية وناشط في منظمات المجتمع المدني منذ 2009م اعمل مع عدة منظمات ومؤسسات ومبادرات شبابية منها ( الوان – رسيل – الف باء مدنية وتعايش وعدد من المنظمات ) اعمل حالياً مدير مبيعات في فندق كورال عدن . تاريخ ومكان الأسر : 7/4/2015م تحديداً في الساعة السابعة مساءً في عقبة عدن . قصة الاسر يروي شادي لـ (عدن تايم) قصة الاسر فيقول : (( عندما كنت امارس مهامي الانسانية اثناء الحرب بتوزيع الدواء المقدم من قبل متبرعين الى مستشفيات عدن لعلاج جرحى الحرب ، كنت حينها قد اخذت مجوعة من الادوية من مدينة المنصورة وتحديداً من صيدلية العالمية وانطلقت بعدها الى مدينة كريتر لاخذ دواء من متبرعين بشارع الخساف وتوجهت بعدها الى مستشفى باصهيب بالتواهي وكنت استقل مركبة نوع ( دباب) وعند مروري بجولة ( النافورة ) في المعلا قرب عقبة عدن قامت مليشيا الحوثي بإيقاف المركبة حيث شرعت بعملية التفتيش والتحقيق معي بعدة أسئلة منها : لمن هذه الادوية ؟ الى اين تتجه ؟ ومن صرفها لكم ؟ .. ولكني كنت اوضح لهم ان مهمتنا هي انسانية مجتمعية مدنية بحتة والاهم من هذا هو انقاذ الحالات بصرف النظر عن من هو صاحب هذ الحالة بمعنى " انقاذ روح انسان " )) . ويضيف شادي : (( اثناء محاولتي لاقناع تلك المليشيات بالدور الانساني الذي نقدمه جاء من خلفنا باص اخر نوع ( فار) استوقفته النقطة لتفتيشه وكان هذا الباص تابع للمقاومة الجنوبية وعند تفتيشه وجدت المليشيا (نقالة وسلاح ودواء) وازداد الموقف اكثر تعقيداً وعملت المليشيا على احتجازنا ومصادرة هواتفنا وتم اخذنا الى منطقة خور مكسر بساحل ابين وفي الطريق كانت هناك اشتباكات بحي السعادة فقمت باستغلال الوضع وادخلت يدي في الشنطة التي وضعوا بها هواتفنا وقمت باخراج ذاكرة الهاتف ورميتها تحسباً لأي وجود صور قد تزيد الامر تعقيداً )) . ويتابع : (( بعدها توجهوا بنا الى طريق لحج وبالتحديد في فندق ازال وكانت وقتها الساعة العاشرة مساءً ، واستمر احتجازنا حتى الساعة الثانية صباحاُ ووضعنا بغرفة واحدة وبعدها تم استدعائي لاجراء التحقيقات فالتمست من كلامهم انهم لم يصدقونني ان هناك من يعمل عمل طوعي انساني بحت وتمت اعادتي الى الغرفة . وفي اليوم الثاني تم ايقاضنا من النوم تحديداً حوالي الساعة التاسعة صباحاً وانطلقوا بنا الى داخل مدينة لحج عند البنك المركزي وبعدها اقدمت مليشيا الحوثي على تمزيق ( الاوفر كوت الطبي )ومزقته واعصبت به اعيننا وكانوا ينادوننا بالدواعش وتم نقلنا الى جهة غير معروفة وتم ادخالنا في غرفة يوجد بها حوالي 45شخص )) . التحقيق في العند ويتابع شادي حديثه : (( في تاريخ 8/ابريل صبيحة اليوم التالي استمروا بالتحقيق معي واثناء التحقيق طرحوا سؤال هل تعرف انت في أي مكان ؟ فأجبتهم (لا) فقالوا انت بالعند بالقاعدة الجوية العسكرية .. ولا اخفي عليكم انني كنت اشعر بالاتياح لاني اخذت بركة والدتي ودعائها قبل خروجي من المنزل فدائماً ما اقوم بتقبيل رأس امي ويدها واسألها هل انت راضية عني ؟ فتجيب راضية عنك ياولدي )) . كان شادي من داخل الاسر يشعر بالحزن الكبير للاخبار التي كانت تصله عن طريق الاسرى المحتجزين الذي يتم اسرهم وكانت هذه الاخبار تحمل انباء عن سقوط عدد من مديريات عدن منها القلوعة والتواهي وخورمكسر وكذا وصول اخبار عن نزوح اهالي كريتر بسبب حجم المعاناة التي لقيتها هذه المديريات وبعدها توالت اخبار النزوح من باقي المديريات . ويقول : (( لقد اصبنا بالهلع اثناء سماعنا عن انتشار مرض حمى الضنك وكذا اخبار عن انتشار مرض السرطان وذلك بسبب الجثث المتعفنة والمرمية بالطريق والتي كانت تأكل منها الحيوانات والطيور واخبار كثيرة مؤلمة ومحزنة .. فكانت مجاميع الاسرى تنقل لنا الاخبار وكانت مجاميع كبيرة مما يعكس لنا صعوبة الوضع بعدن وقد اصبنا بحالات احباط ويأس كبير لما وصلت له المدينة وكذا لما وصل له حالنا )) . تحقيقات منتصف الليل وعن توقيت التحقيقات يقول شادي : (( كانت تبدأ من الساعة الثانية عشر مساءً حتى الفجر وبشكل يومي وقد وصل اكبر عدد للتحقيقات في الشهر للأسرى الذين يقدر عددهم ما يقارب 500الى 700 اسير وكانت التحقيقات غالباً ما تبدأ في وقت متأخر من الليل خاصة عندما نخلد للنوم ثم يأتون لايقاضنا للتحقيق معنا وبعدها توالت بعض الافراجات لعدد من الاسرى )) . اعدامات وهمية ويصف شادي طريقة التحقيقات بالمستفزة حيث كانوا يعملون على اخراج الاسرى من العنبر ويعصبون أعينهم ثم يركبون سيارة ( شاص ) ويأخذوهم الى مزرعة كنوع من الحرب النفسية وايهامهم بأنه سيتم اعدامهم وتصفيتهم . ويحكي شادي متجرعاً مرارة الاسر واصفاً ان هناك طريقة اخرى اكثر ايلاماً وتعذيباً للتحقيق : (( كان يتم التحقيق معنا داخل مبنى الاسر لنسمع اصوات التعذيب والصراخ لباقي الاسرى في العنابر الاخرى فكنا نسمع مايتعرض له الاسير من ضرب واهانه وشتم وبصق .. وكنا نسمع اثناء التحقيقات صيحات الاسرى المحتجزين وذلك لقوة وبشاعة التعذيب الذي يتعرضون له ، فقد تم كسر اضلاع وكذا كسر اسنان وكسر ارجل لعدد من الاسرى وكان بعضهم لشدة الضرب والتعذيب كنت ارى ظهره مكسي باللون الاسود وكنت احاول قدر المستطاع ان اخفف عليهم واعالجهم بالطرق البسيطة بوضع كمادات لاماكن الضرب والتعذيب )) . محققون أغبياء يقول شادي أن تعذيب الاسرى كان غالباً مايكون في الليل حتى نسمع صيحاتهم وكنا ندعي الله دائماً بأن لايكون اسمائنا من ضمن الاسماء التي سيتم تعذيبها بقولنا (( يارب مايذكروش اسمي )) . وبالنسبة لطبيعة اسئلة التحقيقات فقد كانت اسئلة غبية بشكل رهيب تؤكد بانهم غير متعلمين اساساً .. ويضيف : (( باعتقادي كان يقوم بالتحقيق معنا الحوثة انفسهم وليست قوات النخبة التابعة للمخلوع صالح وذلك لعدم كفاءتهم وخبرتهم العسكرية فمثلاُ : كانت الاسئلة التي يطرحونها ويوجهونها لي هي : ماذا تعمل ؟ فأخبرهم بأنني مدير مبيعات بفندق كورال .. فكانوا يقولون لي ماذا تبيع !!! فكنت اخبرهم انني مدير مبيعات بفندق سياحي ولست بياع ! وفي اليوم التالي تم اخذي لمزرعة لاستكمال التحقيقات وكانت بطريقة مستفزة حيث انهم كانوا يصرون على انني بائع في الفندق ، فكنت احاول ان اوضح لهم بالكرت الخاص بالعمل الذي كان بحوزتي نوع عملي في التسويق الفندقي ، فطلبوا مني ان اكتب اعتراف وان اوقع عليه فكانت مجرد ورقة عادية وليست ورقه رسمية ، وكان عدد المحققين اثنان لكل مجموعة ولكن في حالة الضغط والعصيان من قبل الاسرى يتم استدعاء مندوب تابع لانصار الله وكان يتحدث مع الاسرى بطريقة افضل واكثر احتراماً ويتم تحسين معاملتنا فقد كان للسادة التابعين لمليشيات الحوثي الكلمة الفاصلة والقوية في الامر والنهي وكذا أي شخص من صعدة لاحظت ان كلمته مسموعة وله احترامه . افراج مؤجل ويضيف شادي : (( عندما علمت انني ضمن احد المحررين بصفقة التبادل لم اصدق انه سيتم الافراج عني اساساً وذلك لانه قد سبق الافراج عني حوالي اكثر من خمس مرات وجاء قرار الافراج ولكنه لم ينفذ )) . عنابر تحت الارض يتحدث الاسير المحرر شادي عن تقسيم العنابر التي يحتجز بها الاسرى والتي كانت كثيرة حيث كانوا يسمعون ان هناك عنابر تحت الارض وبها عدد من الاسرى (( لكنننا لم نكن نعلم اين هي وكم عدد الاسرى بداخل هذه العنابر )) . طعام الاسرى وعن الطعام الذي كان يقدم لهم في الاسر يقول شادي : (( في بداية الامر كنا نتناول ثلاث وجبات فالافطار عبارة عن روتي او رغيف او كدم مع الجبن ووجبة الغذاء كانت ارز والعشاء روتي مع الجبن فلم يكن لديهم طباخ لهذا اضطروا ان يأخذوا متطوعين من الاسرى لطباخة الطعام للاسرى وللمليشيات والذي كان يقدر العدد الكلي حوالي 500 معتقل وعندما انقطعت خطوط الامداد مكثنا حوالي 12 يوم نتناول البسكويت فكان لكل 5 اسرى نأكل بسكويت وعصير واحد نقتسمه فيما بيننا وفي بعض الايام كنا لانأكل شيئاً )) . اما في شهر رمضان المبارك فكان الوضع جداً سيئ فمرت علينا ايام نصوم بها دون وجبتي الافطار والسحور واذا توفرت لا تكون غير البسكويت او حبات من التمر . سوء معاملة يواصل شادي حديثه لـ ( عدن تايم ) : (( مرت ايام واشتدت معاملتهم لنا اكثر قسوة عن السابق لدرجة انهم قدموا لنا روتي ( معفن) وطحينيه منتهية الصلاحية ، فعدد 75 اسير داخل العنابر اصابهم اسهال حاد وتسمم علماً انه يمنع دخول الحمام الا مرة واحدة ولمدة دقيقة وعندما اشتدت حالات الاسهال والتسمم لدى الاسرى رفضت المليشيات ان تجعلهم يقضون حاجتهم بالحمام فكانوا يقضونها على انفسهم وبداخل العنبر، حيث ان عدد الحمامات ثلاثة حمامات فقط والمبنى يحتوي على 12 غرفة اكبرها تضم 75 اسير بحيث لا يمكن للاسرى الجلوس او الاستلقاء فيها .. واقل عنبر كان يضم حوالي 25 أسير لدرجة انه كان النوم بين الاسرى يتم بالتناوب )) . ويتابع : (( في واقعة غريبة تفاجأت ان المليشيات قامت بنقلي من عنبر المدنيين الى عنبر المقاومين وذلك بحجة انه قد وصلتهم اخبار بأنني داعشي ومسعف للمقاومين بالجبهات فكانت المعاملة اسوأ بكثير عن السابق .. وفي ثاني ايام عيد الفطر تم نقلنا الى صنعاء بشكل منسق ومرتب من قبلهم حيث تم نقل مقاومين الجبهات وبعدها نقل المصابين واخيراً وضعونا في العزل وبعد ذلك تم نقلنا الى مدرسة السبعين )) . واما بالنسبة للحمام واستخداماته فقد كان يسمح للاسرى باستخدامه مرتين في اليوم الواحد ولمدة دقيقة واحدة فقط والذي يخالف ذلك يتعرض للضرب والتعذيب والسب الاهانة . – حسب شادي . محاولات الهرب ويقول شادي أن جميع الاسرى تفاءلوا وراودهم الامل عندما تم الافراج عن الشيخ عبدالحكيم الحسني وذلك لانه يعتبر رمز للجنوب وسيستطيع ان يحرك امور كثيرة منها الافراج عن الاسرى . وعن محاولات الهرب والخروج من السجن يقول شادي : (( عدد المليشيا المسيطرة على المبنى كان حوالي 50 فرد .. وكانت منها محاولات ناجحة وبعضها فاشلة وحسب اعتقادي ان الذين لم يحالفهم الحظ بالهرب فقد تم اخفائهم قسراً وربما تمت تصفيتهم .. ولا انكر انني قد فكرت بالهرب مع مجموعة من شباب القلوعة ولكني عدلت عن الفكرة لانني كنت ارى اسرى يحتاجون الى اسعافات وتضميد لهذا فضلت ان اقف بجانبهم بدلاً عن الهرب .. فقد حدثت حادثة ما فعندها قمنا بكسر العنابر التي بها الادوية التي صادرتها المليشيات فكنت اعمل على الاسعافات الاولية وعلاج جراح الاسرى جراء الضرب مثل التضميد وايقاف النزيف وكذا علاج الشظايا والاصابات جراء القصف لقوات التحالف )) . ختاما : طلبنا منه في الاخير ان يصف لنا الحرية بعد ان نالها فأجاب :هي الولادة من جديد.