الرئيسية - عربي ودولي - حلب تختفي.. "بوتين" ينفذ سياسة "الأرض المحروقة" وهذه أوراق الرياض لتغيير خارطة الصراع

حلب تختفي.. "بوتين" ينفذ سياسة "الأرض المحروقة" وهذه أوراق الرياض لتغيير خارطة الصراع

الساعة 02:42 صباحاً (هنا عدن - متابعات )

ما بين رائحة الموت والدمار وصرخات الجرحى تعيش حلب واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، فعلى وقع القصف الوحشي الروسي تعالت الصرخات وانتشرت الدماء والدمار، فلم يبقَ مشفى ولا مسجد ولا سوق ولا مخبز إلا واستهدفته طائرات العدوان الروسي، مخلفة عشرات الآلاف من القتلى والمصابين والمشردين، فالمجازر اليومية والأنقاض التي هي أصلاً تحت الأنقاض باتت تذكيراً بسيطاً بتاريخ روسيا الدموي في أفعانستان والشيشان بكل تفاصيله المؤلمة، التي تنتظر حلاً جذرياً ربما يأتي من معسكر الدول الإقليمية الداعمة للشعب السوري، وعلى رأسها السعودية، التي ما زالت تملك الأوراق اللازمة لقلب الموازين، بدعم نوعي للمعارضة السورية، قد يغير خارطة الصراع بأكمله، لتصبح سوريا كابوساً أفغانياً جديداً لجيش "بوتين".

 



وأوغل العدوان الروسي في الدم السوري كثيراً، فها هي الهمجية الروسية تتمثل بأبشع صورها، وتتكرر مجدداً ضد الثورة السورية عبر حملة تطهيرية غير مسبوقة مستخدمة كل أنواع الأسلحة المحرمة؛ دعماً لنظام الطاغية "بشار" في دمشق، وتثبيتاً لحكم الديكتاتور ضد الأغلبية المطلقة، عبر حصار إجرامي مفروض على الجزء المعارض من مدينة حلب السورية، والتي يقطنها أكثر من 300 ألف نسمة، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

 

استفزاز للعالم

وإمعاناً في جرائمها المرتكبة في سوريا أعلنت روسيا عن فتحها ممرات آمنة تؤدي فقط بمن يعبرها إلى استسلام لقوات النظام والميليشيات الإرهابية الإيرانية، وهو ما يعدّ عملية استفزاز كبيرة للعالم بأسره، وهذا ما عبّرت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" التي وصفت ما يحدث في حلب بـ"الوحشي"؛ حيث قالت: "ساعد القصف الجوي الروسي النظام في سوريا على إطباق الحصار على المناطق الخاضعة للمعارضة في مدينة حلب، بل جعلت الحياة هناك لا تطاق عبر قصفها المخابز والأسواق والمستشفيات وجميع المرافق الطبية، وحوّلت بعض الأحياء إلى خراب"، وزادت الصحيفة: "لقد تم قصف أربعة مستشفيات في الأسبوع الماضي، مخلفاً عشرات القتلى والجرحى من المدنيين؛ جراء هذه الضربات بحسب منظمات حقوق الإنسان هناك".

 

دعوات كاذبة

وعلّقت الصحيفة على دعوات النظام الروسي والسوري إلى الاستسلام بالقول: "لقد شكك دبلوماسيون غربيون ومنظمات دولية إغاثية في صدقية هذا الإعلان على اعتبار أن روسيا لم تُظهر في أي وقت من الأوقات أي اهتمام يُذكر لمحنة المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولطالما استخدم النظام السوري تكتيكات وحشية من الحصار الخانق لمناطق المعارضة لمحاولة إخضاعها".

 

الاستسلام للموت

ونقلت الصحيفة عن سكان يقطنون في مناطق المعارضة "بأنه لا أحد يريد تسليم نفسه إلى الموت أو السجن"، في إشارة إلى المناطق الخاضعة للنظام هناك، وأبرزت الصحيفة تصريحات المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا حول محنة حلب بالقول: "لم نُسْتَشَر في هذه الخطة وأنا لست متأكداً إذا ما كانت هذه الخطوة إنسانية".

 

ممرات لا تكفي

وأشارت الصحيفة إلى انتقادات منظمة العفو الدولية للحصار الروسي وميليشياته لمناطق المعارضة، حيث رأت المنظمة أن فتح ممرات آمنة لا يكفي بل يجب السماح لمنظمات الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الإنسانية، وفكّ الحصار فوراً عن الأحياء المعارضة في حلب".

 

وعرّجت الصحيفة إلى صعوبة المهمة بالقول: "لقد استغرق الأمر أكثر من عامين للسيطرة على الأحياء الموالية للحكومة في حلب، وتحويلها إلى خراب، لكن مع مناطق واسعة في حلب للمعارضة ومئات المقاتلين وألوف المدنيين سيكون الأمر أكثر صعوبة في إخضاعها، وبشكل دقيق خسائر بشرية أكبر".

 

جحيم مروع

من جهتها نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً لطبيب سوري مفجوع من هول ما شاهده من جرائم وحشية؛ بسبب القصف الروسي لحلب، واصفاً المستشفيات المتهالكة والمتبقية بأنها جحيم مروع، قائلاً: "إن رائحة الموت والدمار والأبنية المدمرة والحطام المتناثر بالقرب من طريق الكاستيلو المنفذ الوحيد للمعارضة لا يمكن وصفه".

 

وتحدث الطبيب سامر العطار عن المصابين والقتلى من المدنيين في المستشفى الميداني تحت الأرض في حلب بالقول: "لا تتوقف صرخات الجرحي أبداً في ذلك المكان، هناك أطفال تكسوهم الدماء يبكون بحثاً عن آبائهم وأشقائهم وعن عائلاتهم، بعضهم يلتقي والديه والبعض الآخر لا يراهم أبداً. مضيفاً أن مشاهد الحروق والأطراف المبتورة والرؤوس المقسومة هي نتيجة روتينية للقصف الروسي للمدينة".

 

واختتم الطبيب مناشدته لإدارة "أوباما" بإيقاف هذه المجازر وضرورة مواجهة الروس في سوريا، واتخاذ ما يلزم فوراً لفكّ الحصار عن حلب؛ نظراً لأنه المنفذ الوحيد لعشرات الآلاف من المدنيين والعاجزين. مطالباً بمناطق آمنة تقيمها الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضد "داعش".

 

التراخي الأمريكي

ويبدو أن مناشدة الطبيب سامر العطار لن تجد آذاناً صاغية من الإدارة الحالية، وأن حصار حلب قد يستمر أربعة أشهر أخرى، وهي الفترة المتبقة لانتهاء فترة "أوباما" الرئاسية، وبحسب مراقبين فإن الإدارة الأمريكية تريد تأجيل حل الأزمة السورية للرئيس الأمريكي المقبل، وليس وارداً أنت تقوم بأدوار كبيرة في هذا الملف، وبرز ذلك جلياً في تسريبات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري لوزارء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع بروكسل الأخير، والذي أبلغهم فيه بأن هناك تفاهمات روسية أمريكية قد تفضي إلى حلول عن طريق تقسيم الأزمة السورية إلى أجزاء، محذراً بالقول: "لكن إذا تلاعب الروس مجدداً فلن تتدخل الولايات المتحدة مجدداً، وسيتحمّل الروس تبعات تدخلهم في الملف السوري بأكمله".

 

جرائم الإبادة

ولم ينتظر الروس كثيراً، حيث أعلنوا حصار مدينة حلب بالكامل، وتحدثوا عن فتح ممرات آمنة، وهو الأمر الذي اعتبر مفاجأة لأمريكا المنخرطة في محادثات مع موسكو، ووصف جون كيري وزير الخارجية الأمريكي التحرك الروسي بالخدعة قائلاً: "إن حصار حلب خدعة قد تعصف بالمحادثات الأمريكية الروسية حول الملف السوري"، معرباً عن قلقه من مسمى "ممرات إنسانية في حلب".

 

وتساءل أحد المسؤولين الأمريكيّين بالقول: "لماذا تريد أن تخلي مدينة تريد أن ترسل لها مساعدات"؟ مضيفاً: "من الوهلة الأولى يبدو ذلك جهداً أحادياً من جانب موسكو والأسد؛ لاستباق طلب كيري إنهاء الحصار على حلب قبل بدء المفاوضات على الجانب الأكبر، وإذا لم يكن اتفاق كيري على التعاون العسكري مع موسكو ميتاً فهو على ما يبدو يحتضر".

 

الخيارات السعودية

ورغم الحشود العسكرية الروسية الإيرانية في سوريا، وتصميم "بوتين" على تثبيت حكم "الأسد" على رقاب السوريين، إلا أن حصار حلب معركة واحدة من الحرب في سوريا، ولدى السعودية والدول الإقليمية الداعمة للشعب السوري الأوراق اللازمة لقلب الموازين هناك، بدعم نوعي للمعارضة السورية قد يغير خارطة الصراع بأكمله، فهي تمتلك المرجعية الدينية الجامعة للعالم الإسلامي، وتملك الإمكانيات اللوجستية والمالية لفعل ما تريد، ولن تقبل بسقوط سوريا تحت الاحتلال الإيراني والروسي، كما هو الحال في العراق والشيشان اليوم.

 

فالتأنّي السعودي هو لإعطاء الحل السلمي الأولوية المطلقة في حل الصراع هناك، وإذا ما فشلت هذه الحلول فالسيناريو الأفغاني قد يتكرر مجدداً، وبكلفة باهظة على الغزاة هناك.