رحلة عبر الزمن مع عالم نوبل وأسطورة " الفيمتو ثانية "
قال عقب ثورة 25 يناير " ليس لي طموح سياسي.. وأريد أن أموت وأنا عالم "
أحب العلم من إمام مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي ..ووضع والده على باب غرفته وهو صغير ورقة مكتوباً عليها "د. أحمد"
نصيحة د. زويل لكل شاب : النجاح يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والتفاني في العلم
متزوج من طبيبة سورية ولديه 4 أبناء " لم يفلت أحدهم من منطقة العلم "
عندما كان يزداد ضغط العمل عليه كان يدخل مكتبه ويغلق على نفسه ليستمع لأم كلثوم وهي تشدو " بعيد عنك حياتي عذاب "
ورد اسمه في قائمة الشرف التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الأمريكية
قال " الغربيون عباقرة.. ونحن لسنا أغبياء.. لكن الغرب يساعد الفاشل حتى ينجح..ونحن نحارب الناجح حتى يفشل" ، وعندما سافر من مصر إلي الولايات المتحدة منذ 45 عاماً كان مصمماً علي خوض حروب الفشل والتى خرج منها منتصراً متوجاً تألقه العلمي بالحصول علي جائزة نوبل في الكيمياء لسنة 1999 ، العالم الكبير أحمد حسن زويل العالم ودعنا اليوم وفقدنا معه أحد رموز مصر التى جعلت اسم بلادنا يتردد في العالم كله بفخر .. ونتوقف معه في السطور التالية ونحن ندعو له بالرحمة بقدر عطائه للبشرية كلها ، خاصة بعدما تحققت أمنيته الأخيرة التى قالها وهي أنه يتمني أن يموت وهو عالم .. فقط عالم .
البداية .. دسوق !
يروي الدكتور زويل قصة طفولته في كتابه " رحلة عبر الزمن.. الطريق إلى نوبل " ، فقد ولد في 26 فبراير 1946 في مدينة دمنهور ، وفي سن 4 سنوات انتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق وكان الأخ الوحيد لأخواته البنات الثلاث ، وكان حلم العائلة أن يحصل زويل على درجة علمية عالية من الخارج ثم يعود ليكون أستاذاً جامعياً , وعلى باب غرفته وعمره 10 سنوات وضع والده ورقة مكتوباً عليها "د. أحمد" ، يقول : عندما كنت صبيا في مدينة دسوق بمصر، كانت أسرتي تعيش على بعد خطوات من مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي ، وكنا نسمع الأذان للصلاة 5 مرات في اليوم ، وشجعنا إمامنا على الدراسة، حيث كان يخبرني أنا وأصدقائي مرارا وتكرارا بأن الرسالة التي أُوحي بها إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت تبدأ بقوله تعالى «اقرأ» حيث إن التعليم هو نسيج وبنيان ثقافتنا وديننا.
الطريق إلي نوبل !
ألتحق د. زويل بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية بعد حصوله على الثانوية العامة ، وحصل على بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف عام 1967 في الكيمياء، وعمل معيداً بالكلية ثم حصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء ، وسافر إلى الولايات المتحدة في منحة دراسية وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر ، كانت أقصي أحلام د. زويل أن يكمل الدكتوراة ويجلب معه من أمريكا سيارة جديدة ثم يعود لجامعة الإسكندرية ليحصل علي مكتب منفصل في قسم الكيمياء يعلق عليه يافطة مكتوب عليها بحروف مذهبة و بالغة الضخامة :الدكتور /أحمد زويل ، و لم ينقذه من ذلك المصير الذي كان سيحرم البشرية من عقل نير و عالم مخترع إلا إصرار أستاذه و شيخه في الطريقة العلمية لينوس باولينج ليبقي حيث هو ، في وسط يفهمه و يقدره و يساعده علي أن يبرز و يتطور و أن يخدم الإنسانية بأعظم الاكتشافات و الاختراعات ، ثم عمل باحثاً في جامعة كاليفورنيا، خلال الفترة من 1974 وحتى 1976 ، ثم انتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) منذ 1976، وهي من أكبر الجامعات العلمية في أمريكا ، وحصل في 1982 على الجنسية الأمريكية ، وتدرج في المناصب العلمية الدراسية داخل جامعة كالتك إلى أن أصبح استاذاً رئيسياً لعلم الكيمياء بها، وهو أعلى منصب علمي جامعي في أمريكا خلفاً للينوس باولنج الذي حصل على جائزة نوبل مرتين، الأولى في الكمياء والثانية في السلام العالمي ، وبخلاف حصول د. زويل علي جائزة نوبل عام 1999 .. حصل أيضاً علي جوائز رفيعة منها جائزة الملك فيصل العالمية في الكيمياء عام 1989 وجائزة وولف عام 1993 ووسام بنيامين فرنكلن عام 1998 وقلادة بريستلي عام 2011 ، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد والجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة الإسكندرية ووسام الاستحقاق المصري من الطبقة الأولى وقلادة النيل العظمى ، وفي أبريل 2009، أعلن البيت الأبيض عن اختيار د. أحمد زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، والذي يضم 20 عالماً مرموقاً في عدد من المجالات ، وكان الدكتور زويل يعيش في سان مارينو، بمدينة لوس أنجلوس ، وهو متزوج من السيدة ديما زويل الفحام ابنة العالم السوري الكبير شاكر الفحام وتعمل طبيبة ، ولديهما 4 أبناء هم مها خريجة جامعة كالتك الأمريكية، وأماني خريجة كلية الطب في جامعة شيكاغو ، و نبيل 20 سنة وهاني 19 سنة. والأربعة ـ كما يقول زويل ـ لن يفلت أحدهم من منطقة العلم ، إذ يبدو البيت وكأنه معمل أبحاث من كثرة الكتب العلمية والفكرية ، وقال للكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع في حوار للأهرام عقب فوزه بجائزة نوبل " أهمية الجائزة تكمن في قيمتها العلمية وليست المادية, وأتمني بأن تكون بمثابة درس لكل الشباب المصريين بأن النجاح يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والتفاني في العلم " .
ثورة الفيمتو ثانية !
الفيمتو ثانية وهو نظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض ، والوحدة الزمنية التي تلتقط فيها الصورة هي فيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية ، وقد أدخل العالم كله في زمن جديد لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه لتمكنه من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق تقنية الليزر السريع ، وقد أعربت الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم أنه قد تم تكريم د. زويل نتيجة للثورة الهائلة في العلوم الكيميائية من خلال أبحاثه الرائدة في مجال ردود الفعل الكيميائية واستخدام أشعة الليزر حيث أدت أبحاثه إلى ميلاد ما يسمى بكيمياء الفمتو ثانية واستخدام آلات التصوير الفائقة السرعة لمراقبة التفاعلات الكيميائية بسرعة الفمتو ثانية ، وقد نشر أكثر من 350 بحثاً علمياً في المجلات العلمية العالمية المتخصصة مثل مجلة ساينس ومجلة نيتشر ، ورد اسمه في قائمة الشرف بالولايات المتحدة التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الأمريكية ، وجاء اسمه رقم 18 من بين 29 شخصية بارزة باعتباره أهم علماء الليزر في الولايات المتحدة ، يقول د. زويل " نشوة العلم، والفرصة المتاحة لكشف أشياء جديدة، جعلتني مستغرقًا استغراقًا تامًّا في البحث العلمي، وكنت أواصل العمل ليل نهار، طوال الأربع والعشرين ساعة، باستثناء فترات قصيرة آخذ فيها بعض النوم" .. لكن وسط كل هذه المشاغل يظل صوت أم كلثوم الترفيه الوحيد له ، يقول د. زويل : أم كلثوم تسحرني عندما تجلجل بالقصائد الرائعة والألحان الراقية ، أبدأ يومي في الصباح الباكر بتلقي كروت مكتوبة من المساعدين معي حول ما يجب أن أقوم به من عمل اليوم، وعندما أغرق في التفاصيل وأجد الضغط يزداد؛ فأدخل مكانًا منفردًا في مكتبي وأغلق على نفسي وأنسي كل شيء وأستمع لصوت أم كلثوم. أحب جدًا أغنية "ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني" وكذلك أغنية "بعيد عنك حياتي عذاب" ! .
الموقف من الوطن !
حول ما تردد عن وجود طموح سياسي له عقب ثورة 25 يناير قال الدكتور أحمد زويل " أنا إنسان صريح.. وليس لي طموح سياسي، كما أنني أكدت مراراً أنني أريد أن أخدم مصر في مجال العلم وأموت وأنا عالم " ، ومنذ أشهر ورغم معاناته المرضية ، نشر د. زويل مقالاً في جريدة النيويورك تايمز شرح فيه موقفه مما يحدث في مصر ، قال فيه : غادرت مصر في عام 1969، من أجل إتمام الدراسات العليا في جامعة بنسلفانيا. ولقد عملت في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) لمدة 37 عاما، وحملت الجنسية المزدوجة لمدة 31 سنة ، لكن التزامي تجاه البلد الذي وُلدت فيه لم يتذبذب على الإطلاق ، وهناك أمم عديدة من حولنا كانت أقرب إلي التخلف، ثم صعدت ولايزال بعضها بأربعة ملايين نسمة، وضمن حضارة الغرب مثل أيرلندا، وبعضها بأكثر من مليار نسمة، وضمن حضارة الشرق كالصين، كانت الرسالة في ذلك كما قرأتها وقرأها كثيرون غيري، هي الأمل .. ثم الأمل.
مدينة زويل .. المستقبل
تتميز «مدينة المستقبل» تلك، مثلما أطلق عليها بالفعل، بهيكل إدارة يتميز بالشفافية وتعمل على نحو مستقل تماما عن التنظيم الحكومي. وتم بالفعل تشكيل مجلس الأمناء ويضم ستة من الحاصلين على جائزة نوبل، بجانب رئيس معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتيك) والرئيس السابق لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بجانب العديد من الشخصيات المصرية البارزة مثل محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة «بيمكو» الذي قدم تبرعا شخصيا ضخما بالفعل في المدينة، إضافة للسير مجدي يعقوب جراح القلب المعروف الذي يعمل لدى «إمبريال كوليدج» في لندن ، ود. "محمد غنيم"، أشهر جراحى الكلى في مصر والعالم كله، ود."مصطفى السيد"، أستاذ الكيمياء بجامعة "جورجيا" الأمريكية للتكنولوجيا .
المعركة الأخيرة
منذ سنوات أعلن د. زويل أن حالته الصحية تحسنت وقام بتخطي الفترة الحرجة من ''ورم سرطاني بالنخاع''، قائلاً '' أنا بحالة جيدة الآن، وحالياً في نهايات مراحل العلاج والنقاهة'' ، وخلال هذه الأزمة الصحية لم يفضل الظهور كثيرا ًفي وسائل الإعلام ، وقال وقتها في مداخلة وحيدة مع المذيعة مني الشاذلى ً''أنا في اتصالات يومية مع المسئولين في مدينة زويل، وظروف بلدي هي التي تحزنني كثيرًاً الآن وليس مرضي، وتبرعات المصريين للمشاريع التي أشرف عليها هي نتيجة للثقة بي، ومصر تستاهل أحسن من اللي هي فيه'' ، وفي النهاية نحن أن تتحقق وصيته بأن يظل مشروعه العلمي .. وفي النهاية نودعه ونحن نتذكر مقولته "كل ما أعرفه هو أنني عاشقٌ لعلمي، ولا يوجد عندي رغبة في التوقف والاستمتاع بالمجد" !.