كتبه: رئيس التحرير– بكين: بسرعة وانسيابية يواصل ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، جولاته في أرجاء المعمورة وسط حراك استراتيجي لا يتوقف عند زمان أو مكان محمَّلا برؤية تنموية واعدة، تشكِّل نقلة حضارية واقتصادية كبرى للمملكة؛ لتأتي جولته الآسيوية الحالية ملبية لحراك داخلي أكبر، ومترجمة لخطوات وقفزات هائلة.
فلم تقتصر جولة سموه، التي بدأت بباكستان ثم الصين وتليها اليابان اليوم، على الجانب الحكومي الرسمي فقط؛ بل كان القطاع الخاص شريكًا أساسيًّا مُهمًّا فيها؛ إذ جاءت الجولة في وقتها تمامًا، وسط سعي دؤوب؛ لتصل السعودية إلى تحقيق كامل للمعادلة الأبرز "أمن وردع، واقتصاد وتنمية"، بتنسيق وشراكة مع كيانات اقتصادية عالمية ضخمة، امتدادًا لتعاون دام عقودًا، وبات اليوم أمام مشهد مختلف، يسعى خلاله الأمير الشاب لترسيخ مبدأ الشراكة الاستراتيجية بديلاً عن العلاقة الاستهلاكية، أو تلك التي اتخذت من النفط عنوانًا وهدفًا بحد ذاته.
البداية من إسلام أباد
كانت بداية الجولة من باكستان، واستمرت ثلاث ساعات. ورغم أنها كانت زيارة خاطفة إلا أن تأثيراتها على الملف الأمني كانت كبيرة؛ دعت وسائل الإعلام العالمية لتحلل وتبرز في محاولة لرصد وتحليل ما دار فيها؛ إذ عقد سموه مع رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف اجتماعًا، جرى خلاله استعراض العلاقات الثنائية المتينة بين السعودية وباكستان، وسبل مواصلة تطويرها في مختلف المجالات، إضافة إلى بحث تطورات الأحداث على الساحتَيْن الإسلامية والدولية، خاصة أن العلاقات بين البلدَيْن تتميز بالتفاهم التام والرسوخ تماشيًا مع حرص قيادتَيْ البلدَيْن على دعمها وتعزيزها في إطار التزامهما باعتدال نهجهما السياسي، وانفتاحهما على العالم، والتنسيق بين سياساتهما، وتعاونهما في المحافل الدولية؛ ما أدى إلى تنامي وتيرة العلاقات الثنائية بينهما في مختلف الأصعدة.
ولعل ما يربط السعودية وباكستان من علاقات إنما يعبِّر عن التجسيد الحقيقي لمعنى الأُخوَّة الإسلامية، والوقوف صفًّا واحدًا أمام كل التحديات التي تواجه أيًّا من البلدَيْن؛ وهو ما أكدته الكثير من المواقف المتبادَلَة بين البلدَيْن خلال فترات تاريخية، ستستمر في المستقبل - بإذن الله - بدعم وتضافر جهود قادة البلدَيْن وشعبَيْهما.
وهذا ما دفع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ليؤكد في مقال للكاتب سايمون هندرسون أن الزيارة كانت دفاعية بحتة؛ إذ تريد السعودية تأكيد تحالفها العميق مع باكستان، وخصوصًا فيما يتعلق بالقضايا الدفاعية الحساسة، كالملف النووي بين البلدَيْن.
بكين ونشاط مكثف
وبعد مغادرته باكستان وصل سمو ولي ولي العهد إلى بكين يوم أمس الأول الاثنين، يرافقه 9 وزراء، وعدد من المسؤولين، محمَّلاً بمهمة كبرى لتغيير النمط السائد اقتصاديًّا مع عمالقة الاقتصاد العالمي؛ وذلك وفقًا لتطلعات رؤية 2030؛ إذ كان سموه على موعد جديد لاستئناف النشاط المكثف والمدروس؛ إذ التقى سموه رئيس وزراء الصين، واستعرضا الجهود التنسيقية لتعزيز التعاون بين البلدَيْن، كما التقى مستشار الدولة الصيني، وبحثا عددًا من المسائل ذات الاهتمام المشترك، كما التقى مسؤولي مؤسسة الاستثمار الصينية، وبحث معهم الفرص الاستثمارية في البلدَيْن ومجالات الشراكة، والتقى أيضًا مسؤولي البنوك الصينية، واستعرض معهم الفرص المتاحة للاستثمار في السعودية.
وترأس الأمير محمد بن سلمان مع نائب رئيس وزراء الصين الاجتماع الأول للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، وشهد توقيع 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدَيْن، كما التقى وزير الدفاع الصيني، وبحثا علاقات التعاون بين البلدَيْن، خاصة في المجالات الدفاعية.
واستقبل سموه اليوم الطلبة السعوديين في الجامعات الصينية، وتبادل معهم الآراء حول عدد من الموضوعات التي تهم الشباب السعودي، واجتمع بمجموعة من مسؤولي الشركات الصينية، واستعرض معهم فرص الاستثمار وفق رؤية السعودية 2030، وزف بعدها البشرى بصدور أمر خادم الحرمين الشريفين بإلحاق الطلبة والطالبات الدارسين حاليًا على حسابهم الخاص في جمهورية الصين الشعبية بالبعثة التعليمية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ممن بدؤوا الدراسة الأكاديمية في جامعات موصى بها.
وشهدت الزيارة توقيع مذكرة تفاهم بين السعودية والصين لإنشاء 100 ألف وحدة سكنية في الأحساء، وتوقيع مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة مذكرة تفاهم في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مع المؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية. وشملت الزيارة لقاءات ونشاطات عدة للوزراء والمسؤولين السعوديين، شملت أنشطة اقتصادية وثقافية وبحثية.
وعلى هامش الزيارة تم تسليم شركة هواوي الرائدة عالميًّا في صناعة تقنية المعلومات والاتصالات ترخيصًا استثماريًّا من الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار؛ لممارسة النشاط التجاري بنسبة 100 % في السعودية. ويتيح الترخيص الجديد للشركة بيع منتجاتها بشكل مباشر في السوق السعودية، وذلك بعد أن قدمت الشركة خطة عمل شاملة للهيئة العامة للاستثمار، تتضمن مبادرات عدة؛ للمساهمة في توطين صناعة تقنية المعلومات والاتصالات بالسعودية.
اليابان ومشهد مختلف
وتأتي زيارة ولي ولي العهد لليابان اليوم على ركيزة متينة، قوامها 6 عقود من الثقة والتعاون بين البدَيْن. واليوم نحن أمام مشهد مختلف وواقع يؤسس لعمل نوعي؛ للانتقال إلى فضاء آخر لعلاقة استراتيجية، لا تعتمد فقط على النفط.
فزيارة ولي ولي العهد لليابان يُتوقَّع لها أن تتعدى نظرية الاستهلاك إلى علاقة ندية اقتصادية، قوامها رؤية 2030 وما تحويه من عناصر طموحه كفيلة بأن تضع السعودية على الطريق الصحيح؛ للوصول لعالم الكبار إنتاجًا واقتصادًا. ولعل التوافق الكبير بين السعودية واليابان حيال قضايا المنطقة والعالم يُعتبر ركيزة مهمة لنجاح أي جهود لتطوير التنسيق والتعاون بين البلدَيْن.
فالاتصالات الرسمية بين السعودية واليابان، التي بدأت عام 1938م، وصلت اليوم لمرحلة مختلفة من التعاون، هدفه شراكة استراتيجية بين ندين صديقين وفقًا لرؤية 2030، واستنادًا إلى لقاءات القمة المتعاقبة ولقاءات كبار المسؤولين والعديد من الاتفاقيات واللجان، خاصة اللجنة الوزارية السعودية اليابانية المشتركة.