مشاركة
- د.سعيد الأفندي: مثلُ هذه الحسابات سلاح مدمر أخلاقياً ودينياً وتنشر الفضائح والفتن والإشاعات والفجور.
- عبد الله الشعلان: ما يُبث على المواقع قد يكون مقبولاً في مجتمع ومرفوضاً في آخر.
د.علي الزائري: هناك من يبحث عن التقليد الأعمى دون مراعاة القيم والدين.
- عبدالله الوذيناني: تصريحاتهم منكرة ومحرمة ومجرمة لا يقبلها أي عاقل.
د. عادل المكنيزي: الدول تنهض من كبوتها بالعمل الدوؤب وليس بالتسلية والترفيه المسيء.
- صالح اللحيدان: غياب القدوة والمثل الأعلى نتَج عنه خلل أخلاقي وفكري عند الكثير.
أي حرية رأي وأي انفتاح حضاري الذي يجعل قلة من المجتمع تتعامل باستخفاف وبذاءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، دون احترام لعقل أو قيم اجتماعية أو دين أو حتى أخلاق عامة متعارف عليها؟
لقد صارت بعض الحسابات في مواقع التواصل ساحة فاضحة لعرض البذاءات والمقاطع المسيئة التي تُخِل بالذوق العام؛ بل هناك مَن تجاوز هذا الحد، وأساء للمجتمع والعقيدة الإسلامية السمحة.
تُرى ما السبب الذي يجعل هؤلاء القلة يقومون بتلك الأعمال المهينة لأنفسهم أولاً قبل أن تكون للمجتمع؟ هل هي محاولات البحث عن إعجاب أو زيادة المتابعين؟ أم الحصول على الإعلانات التجارية والمردود المالي؟ أم تداعيات نفسية منحرفة؟
تناقش "سبق" مختصين حول الأسباب التي جعلت تلك الفئة تلجأ إلى تصوير هذه المقاطع المسيئة؟
حب الشهرة
يقول أستاذ علم الاجتماع د.عبد الله الشعلان: "يمر المجتمع بالعديد من مظاهر التغيير نتيجة انفتاحه على مواقع التواصل بأنواعها، ومن خلال الفضائيات المتعددة؛ مما خلق لنا قيماً جديدة؛ من أهمها: الرغبة في الشهرة، واللهث خلف القيمة بأي وسيلة كانت؛ ولذا ظهرت هذه النماذج المسيئة عبر القنوات المتعددة".
وتابع: "تعددية الأُطُر المرجعية للسلوك لدى الفرد لها دور كبير؛ فكل إنسان يحتكم لسلوكه من خلال جماعة قريبة منه؛ فالإطار المرجعي لأي فرد هو الأسرة، وفي ظل الانفتاح تهددت الأسرة كإطار مرجعي، وتَرَاجع دورها، وأصبحنا لا نعلم هل سلوكنا مقبول أم لا، وأصبح هناك خلط في المفاهيم؛ فما يبثه الفرد قد يكون مقبولاً لدى مجتمع وغير مقبول في مجتمع آخر، وقد يجد متابعين خارج نطاق مجتمعه".
وأوضح "الشعلان" أن الانفتاح العالمي الآن يشكل خطراً كبيراً على خصوصية المجتمعات؛ فحتى القضايا الخاصة قد تُناقَش عالمياً، وساهمت مواقع التواصل بشكل كبير في ذلك، وباتت مدخلاً لنشر الكثير من الأعمال والممارسات، كما أن حب التقليد الذي نتج عن تعدد الأطر أخرج لنا مثل هذه الفئات وهذه السلوكيات "الشاذة" عن مجتمعنا.
النضج العقلي
فيما فسر استشاري الأمراض النفسية د.على الزائري، تصرفات هؤلاء الشباب الذين يبثون أفكاراً ومفاهيم لا تناسب مجتمعنا الإسلامي، قائلاً: مرحلة العشرينات -والتي منها أغلب هؤلاء الشباب- تُعَد امتداداً لمرحلة المراهقة؛ حيث لم يصل الفرد للنضج العقلي والاجتماعي الجيد، وكثير من هؤلاء الشباب ليس لديهم خلفيات قانونية.
وبيّن في حديثه لـ"سبق" أن المراهقة كجزء من المرحلة العمرية الاندفاعية، لا يفكر الفرد فيها بشكل كافٍ فيما يفعل بتأنٍ ووعي، والكثير يتناول مواقع التواصل كلعبة دون التفكير في خطرها؛ فالأهم لدى هذه النماذج هو عدد علامات الإعجاب وكمّ التعليقات، كما أن هذه الفئة العمرية لا تركز على الذوق العام، ومدى إمكانية عرض الشيء من عدمه، وهذا موجود في كل دول العالم؛ والسبب في ذلك عدم النضج الكافي لديهم؛ فلا يزالون في مرحلة التهور والاندفاع، وليس لديهم تجارب كافية تُعَلّمهم ما يصح وما لا يصح.
ورأى أن هناك هُوة كبيرة بين الجيل القديم والحديث، والسبب فيها قلة خبرة الأسرة، وإغفالها لكثير من أمور مواقع التواصل، مع وجود جيل يبحث عن إعجاب الآخرين حتى لو كان خطأ، كما أننا لا يمكن أن نُغفل أن يكون السبب وراء تجاوز البعض عبر المواقع، الوقوع تحت تأثير المخدر؛ مما يزيد من اندفاعهم.
وأضاف: قد يكون لدى البعض نوع من التمرد على المجتمع وسوء الخبرة، وانعدام ثقافة التفكير، بالإضافة إلى التقليد الأعمى دون مراعاة الزمان والمكان.
الترفيه المسيء
وقال أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود د.عادل المكنيزي لـ"سبق": عندما نتحدث عن الممارسات الخاطئة لبعض الشباب في المواقع المتعددة؛ لا بد أن ندرك أن هؤلاء في السابق كانوا يمارسونها من خلال تجمعاتهم الصغيرة ومع أصدقائهم؛ فيما أعطت الثورة المعلوماتية الهائلة فرصة لهؤلاء لإظهار ما كانوا عليه من قبل؛ موضحاً وجود إشكالية تربوية وغياب دور الأسرة والمدرسة؛ الأمر الذي وَلّد عند هؤلاء اتجاهات تضاد اتجاهات المجتمع، وهناك من اتجه إلى الانحراف.
وتابع: هناك إشكالية كبرى تنتج من وجود تجمعات بالملايين لم يُتِح لها البعد الجغرافي أن تتلاقى من قبلُ باتجاهات وأيدولوجيات متعددة؛ ولذا يجد هؤلاء الشباب من يتابعوهم، ومنهم من يُغَرَّر به؛ حتى أصبحوا مع الأسف رمزاً للتخلف الثقافي.
ورأى "المكنيزي" أن للإعلام دوراً كبيراً في عدم تسليط الضوء على هذه النماذج، وتوضيح أن هذه الممارسات تُعَدّ سبباً من أسباب ضعف المجتمع؛ بدلاً من إشعار المتلقي بنجوميتهم، والأوْلى إبراز النماذج الإيجابية الرائعة البنّاءة، واستثمار المواقع المتعددة في التحدث عنها، كما أن للتعليم دوراً كبيراً في تشكيل العقول؛ فله قدرة على غرس القيم الإيجابية والعلاقات الاجتماعية المنضبطة والإخلاص، والدقة؛ من خلال برامج وأنشطة تعليمية، وتدريب الشباب على التربية الإعلامية، وكيفية التعامل مع التقنية والمضامين والرسائل الإعلامية الحديثة التي تخترق العقول والوجدان.
وختم أستاذ الإعلام حديثه لـ"سبق"، بالتنويه على خطورة إغراق الفرد بالترفيه المسيء؛ من خلال برامج وقيم هابطة وجعلهم في حالة من حالات "السعار" وراء كل موضة جديدة، ومنها ما نراه الآن؛ فهناك ملايين يدخلون على المواقع التي ليس لها أثر حقيقي إنتاجي، وأصبح همّ الفرد "التسليه"؛ مما نتج عنه نمو شرائح تمجد هؤلاء الهابطين، وخطورة ذلك في انجراف الشباب الأقل نضجاً وراءهم؛ بينما نحن أحوج ما نكون إلى تكديس قِيَم الجدية والعمل، وقال: "الدول تنهض من كبوتها بالعمل الدوؤب وليس بالتسلية والترفيه المسيء".
الانجراف الفكري
من جهته، أوضح المستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية د.صالح اللحيدان، أن وسائل التواصل بأنواعها المتعددة تُعَد نعمة من الله؛ بَيْد أنها سلاح ذو حدين؛ فقد تكون بمثابة مكتبة متنقلة يستفيد منها كافة المجتمع وتتلاقى وتتلاقح فيها العقول، وقد نجد مَن ينجرف فكرياً، وأيدولوجياً.
موضحاً وجود فراغ لدى تلك الفئة، وقد يستغل البعض هذا الفراغ في علاقات محرمة أو فكر منحرف، كما أنه في الغالب ما نجد عند هؤلاء مرضاً نفسياً إكلينيكياً يسبب حالة الكآبة والاكتئاب؛ معبراً عن أسفه من غياب القدوة والمثل الأعلى.
ورداً على الأسباب النفسية التي تدعو لفعل هذه التصرفات المشينة، أجاب قائلاً: حسب الدراسات النفسية الأخيرة؛ فالسبب الرئيسي لمثل هذه الممارسات هو التربية، وغياب المثل الأعلى كما أشرت سابقاً؛ فالعالم العربي غالبه لا يقرأ ما ينتج عنه خلل فكري وأخلاقي.
منوهاً بأهمية التعامل بالعقل والحكمة مع مختلف المواقع، مع ضرورة إشراف الولي على الأبناء، كما حذّر من وجود ما يقرب من ثلاثة ملايين ملحد في العالم العربي، وهؤلاء يعيشون حالة من الضياع؛ ولذا نجدهم يستخدمون وسائل التواصل في بث أفكار مشوشة.
المرض النفسي
وتحدث أستاذ القانون بجامعة الطائف المحكّم الدولي د.عبدالله الوذيناني، قائلاً: كَثُر في الآونة الأخيرة ادّعاء مجرمين للمرض النفسي؛ بهدف الإفلات من العقوبة أو تخفيفها، أو لكي يتعاطف المجتمع معهم؛ موضحاً أن ما تم نشره في المواقع من وجود أشخاص يسيئون للعقيدة الإسلامية، يُعَد تصريحات منكرة ومحرمة ومجرّمة لا يقبلها أي عاقل.
وحسب تصريحات إحدى الجهات الأمنية التي أوضحت أنه يعاني من اضطراب نفسي؛ علّق قائلاً: "كثرة ادعاء المرض النفسي وكيفية إثباته، ربما اضطر هؤلاء لتزوير بعض التقارير لإثبات أنهم مرضى نفسيون!".
وأبان "الوذيناني" أن إثبات المرض النفسي المتعلق بالقضايا الجنائية ليس لكل طبيب؛ بل يتطلب إثباته عرض المريض على متخصص في الطب النفسي الجنائي، وهناك مستشفيات نفسية حكومية بها أقسام جنائية تَصدر منها تقارير طبية معتمدة لدى الجهات القضائية، ويكون التقرير في الغالب مشتملاً على نوع المرض النفسي، ودرجته، وخطورته، ومدى إدراكه وتمييزه للأفعال بحسب نوع قضيته".
وبيّن أن المرض النفسي يختلف باختلاف الأشخاص وكل حالة بحسبها؛ فقد يتفق مريضان نفسيان في نوع المرض، ويختلفان في حدته، وفي إدراكهما وتمييزهما.
وأكد "الوذيناني" التكييف الشرعي والنظامي لتصرف هذا المغرد باعتباره مريضاً نفسياً؛ فإن القضاء سوف ينظر إلى أساس التكليف -وهما الإدراك والإرادة- من خلال التقارير الطبية؛ فإذا ثبت وجودهما ترتّبت عليه العقوبة وأُلزم بها؛ والتي منها عقوبة الجرائم المعلوماتية، وغيرها من العقوبات بحسب اجتهادات القضاء المنوط بالمصلحة.. أما إذا لم يكن لديه عقل أو إرادة تضبطه عن الفعل أو الترك؛ فإنه معفيّ غيرُ مؤاخذ على أقواله التي تَفَوّه بها؛ لانتفاء أهليته".
سلاح مدمر
وتواصلت "سبق" مع المشرف على كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية د.سعيد الأفندي؛ للتعرف على دورهم تجاه ما يُبث من بذاءات عبر مواقع التواصل، وكيفية التصدي لها، وقال: قدّم كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز العديدَ من الدراسات والأبحاث العلمية في مجال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على النسق القيمي للمجتمع السعودي، وأقام العديد من الندوات واللقاءات المنظمة المدنية في هذا الخصوص، ويستطيع أي شخص الولوج إلى الموقع، والاستفادة منها، كما يدرك المركزُ أهمية هذا الموضوع وخطورته على القيم؛ ولذا نقوم الآن بدراسة حول موضوع مشاهير التواصل الاجتماعي، وأثرهم الأخلاقي على قيم الشباب وقيم المجتمع، ولا يزال في طور الإعداد.
وتحدث عن خطورة مواقع التواصل التي يزداد عدد مستخدميها يوماً تلو الآخر؛ وخاصة من فئة الشباب، وخطورتها تكمن في تنوع الفئات والشرائح العمرية التي تستخدمها؛ ولذا تُعَد سلاحاً مدمراً أخلاقياً ودينياً عندما نستخدمها في نشر الفضائح والفتن والإشاعات والفجور، ونحن مهتمون اهتماماً كبيراً؛ سواء في الأبحاث والتوصيات أو في المقالات أو حتى التغريديات الخاصة بالكرسي، وهذا التحدي يطرح ضرورة وجود ضوابط وقوانين تنظّم عمليه الاستخدام وتؤطرها وتراقبها بفاعلية.
ورأى أن لنجوم مواقع التواصل تأثيراً كبيراً على شريحة الشباب، وأفضل طريقة للتصدي لتلك الأفكار السلبية هو تحصين شبابنا بالقيم الدينية والأخلاقية، ورفع مستوى مناعتها الفكرية، بالإضافة إلى ضرورة وجود ضوابط وقوانين تحاسب المسيء عندما يقترف خطأ في حق المجتمع أو في حق القيم الدينية.