لم يحظ قرار بإجماع اليمنيين بكل مكوناتهم القبلية والحزبية والمجتمعية كما حظي قرار تعيين د.أحمد عبيد بن دغر رئيسا للوزراء في إبريل الماضي على الرغم من أن القرار صدر في أحلك الظروف الاستثنائية التي تعيشها اليمن منذ انقلاب الحوثيين وصالح على الحكومة الشرعية في 21سبتمبر 2014م وماتلاها من تداعيات الانقلاب الذي لم يقتصر على ملشنة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية فحسب بل تعدى ذلك إلى تفكك النسيج الاجتماعي اليمني وبروز النغمات المناطقية والطائفية كردة فعل لمحاولة الحوثيين لملشنة الدولة وتجريف الهوية اليمنية وتدمير كل المكتسبات الوطنية وفرض الفكر الإمامي الطائفي بقوة السلاح ولقد كاد مشروعهم أن ينجح لولا أن من الله على اليمنيين بتدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية كاستجابة أخوية لطلب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي.. إلا أن أداء الحكومة لم يكن مواكبا" لزخم عمليات التحالف ومالاقته من تأييد محلي وإقليمي ودولي، وهذا استدعى كضرورة إجراء تعديل على رئاسة الحكومة حيث أن مرحلة الحسم تتطلب شخصية قوية ومؤثرة في الساحة اليمنية،كما تتطلب-أيضا- أن تكون شخصية جامعة لا تتعامل بأي معيار حزبي أو مناطقي، فكان د.أحمد عبيد بن دغر هو الشخص المناسب لقيادة المرحلة بإجماع كل المكونات اليمنية الرسمية والشعبية، وبالفعل لم يخب ظنها في الاختيار، فلقد ظهر بن دغر كما كان متوقعا بالرجل الحريص على كل الثوابت والمكتسبات الوطنية، فلا يخلو لقاء أو اجتماع خاص أو عام دون أن يعزز فيه مشروع اليمن الاتحادي من ستة أقاليم وفق مخرجات الحوار الوطني، داعيا إلى التمسك بأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ومكتسباتهما، اللاتي خلصتا اليمن من براثن الإمامة والاستعمار ، متحاشيا الحديث حول الخلافات التي كانت سببا في شق النسيج اليمني ومهدت للحوثيين الطريق للاستيلاء على السلطة، ولا غرابة في ذلك فهو الرجل الخبير بخطر المشروع الإمامي الذي يستهدف اليمن أرضا وإنسانا حيث كانت إحدى رسائله العلمية بعنوان (اليمن تحت حكم الإمام أحمد ) . ظهر بن دغر رجل دوله في أقواله وأفعاله حتى في أدق التفاصيل فلو نظرت-على سبيل المثال- إلى طاقم عمله ومستشاريه لوجدتهم من كل المحافظات اليمنية بلا استثناء . يسعى بن دغر جاهدا لتثبيت دعائم الشرعية، حيث عاد إلى عدن بعد شهرين من تعيينه على الرغم من الظروف التي كانت تحيط بعدن حينها المتمثلة بالجوانب الأمنية والخدمية ولعل اختياره لأول أيام رمصان للعودة إلى عدن إلا دليل كافي على إصراره مشاطرة أبناء بلده همومهم وقضاياهم ، وقد حقق مع حكومته إنجازات لابأس بها خصوصا في الملفين الأمني والخدمي اللذين صرح بأنهما أول أولوياته منذ أن وضع قدمه على مطار عدن في 6/2016م وهو التاريخ الفعلي لعودة الحكومة إلى عدن حيث تواجدت الحكومة ولم تغب بعدها ولم تكن عودة بن دغر الأخيرة إلى الرياض عودة للحكومة إلا لمهام حكومية بينما ظل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية وعدد من الوزراء في عدن لتسيير شؤون الدولة. وهاهي الحكومة اليوم تسعى لاستكمال مابقي من الملفات التي لاسيما أنها تزامنت مع صدور قرار بنقل البنك المركزي إلى عدن بعد أن نهب الانقلابيون كل أرصدته واحتياطاته النقدية لتقوم الحكومة بدورها في إنقاذ اليمن من الانهيار الوشيك المتوقع، ولأن بن دغر رجل دولة صرح مرارا بأن الحكومة ستتولى إدارة شؤون البلد ومن أهمها صرف رواتب الموظفين في جميع المحافظات اليمنية بما فيها المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون. ليس هذا فحسب بل من جالس بن دغر أو اقترب منه وجده يحمل من صفات القادة قلما يتصف بها غيره، فتجده يسخر أغلب وقته وجهده لرعاية مصالح الوطن، وخدمة المواطنين. قد لايصدق البعض أن بن دغر يظل صاحياً في مكان دوامه حتى بعد منتصف الليل، ولا يمكن أن يغادره وأمامه عمل أو ببابه شخص يريد مقابلته مهما كان، وفي اليوم التالي لا يتأخر عن التاسعة صباحا مهما كانت ظروفه الصحية أو مشاغله الخاصة. وفوق هذا الدوام الطويل، لا تجده غاضبا أو صاخبا، بل بشوشا ودودا، حليما لا يغضب الا في الشئ الذي لا يمكن تحمله، أما في كرمه وسخاء نفسه فلا يمكن أن يأتيه صاحب حاجة ورده خائبا وهذا ما يعرفه عنه الجميع. ورغم كل مشاغله بقضايا الوطن إلا أنه يوفر وقتا للقراءة والإطلاع في أمهات الكتب في مختلف الفنون وكأنه يعتبر ساعات القراءة قوتا أساسيا لمواصلة السير في خدمة الوطن. إن بن دغر ليس كغيره ممن تقلد المناصب فرتب وضعه، ووضع الحجاب على بابه، ونمق مطعمه وملبسه، بل العكس من ذلك تماما، لم يزده منصبه إلا تواضعا وقربا من الناس. أما فصاحته وقوة منطقه فشئ لا يجهل ولعل خطاباته العامة خير دليل على ذلك. بن دغر تستطيع أن تصفه بالرجل الحديدي الذي لا يخضع أو يستكين، وله مواقف في الشجاعة والإقدام لا يعرفه إلا من رافقه في زياراته داخل اليمن. إنك تستطيع أن تصفه بكل ثقة إنه رجل الدولة والحكمة. لست من هواة المدح لكني وجدت نفسي ملزما أن أسلط الضوء على شخصية تقود اليمن في أحلك ظروفه التاريخية مع كوكبة من أخيار اليمن إلى جانبه، ولن يكون هذا المقال المتواضع إلا بداية لسلسلة من المقالات حول العظماء الذين يقفون اليوم شامخين كشموخ نقم وعيبان في وجه ميليشيات العنف والدمار. #يداً واحدة_في مواجهة الانقلاب