وهكذا انطلقت الثورة الجنوبية، بعد أن حزمنا أمتعة العشق للوطن في حقائب قلوبنا، لابد من النصر و أن طال السفر، فهذه المرة لم نحمل عشقنا فقط بل معه بندقية للذين لا يدركون معنى لعشق الوطن ولا يستوعبون سوى للغة الرصاص .. للذين قلوبهم ماتت من تفاقم امراضهم وضمائرهم نائمه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، عشقوا الدماء رغم خشيتهم رؤية دمائهم سائله.. يرهبون الموت ولا يودون الإقرار بحقيقة ذلك، دائماً ما يستخدمون الأبرياء سواتر تحجب عنهم الرصاص الذي لن يصمت إلى أن تتحقق الغايات وينتصر الوطن لقضيته.
هنا المقاومة الجنوبية والجيش الوطني في جبهة كرش _ الشريجة يقدمون ويسطرون أروع البطولات في مواجهة الغزاة القادمين من كهوف مران ومرتفعات.. حملوا البنادق ضدهم وخرجوا من رحم معاناة الشعب تنبض بنبض قلوبهم وتقرأ بعيونهم وتسعى من أجل تحقيق أمانيهم وتطلعاتهم، والتي هي أمانيهم لأنها منهم وإليهم.
الدخول بوابة جبهة كرش
الدخول عبر قايد الجبهة" العقيد عبدالحكيم موسى قاسم الشعيبي" الذي جسّد بمواقفه الدينية والوطنية الحرة والمبدئية عظمة الوطنين الصادقين كان ولازال مثالاً للمناضلين والشجعان من أجل عزة وكرامة وشرف الجنوبين، المشاعر مبهمة خيوطها متشابكة والأفكار مضطربة، محارب قديم يتوسد سلاحه وينام على انغام الذخيرة ورائحة البارود، قايد محنك بخبرته وتقديراته المواقف العسكرية لا يحتاج لكل هذا الجهد الذهني، الثقة في مقاتليه لم تهتز يوم، لكنه توتر العاقل وقلق من يثق في قدراته، مقاتلون ندية وجوههم، مقبلون على حياة بعزيمة وإصرار، لا يودونها حياة سهلة المنال فقدوها لا قيمة لها، سيقاتلون من أجل الدين، والوطن، والعرض هذه المرة، حياة لها بطعم الوديان ورائحة الجبال، يرقصون على أنغام الرصاص ويهتفون وهم يقتحمون خنادق الأعداء.
أحكموا السيطرة على معظم مناطق الشريجة، واستمرارهم التصعيدي العسكري من جانب قوتنا الباسلة وتمكنت قواتنا من أحداث خسائر وسط العدو، من خط المواجهة اخاطبكم في فترة يترنح فيها الأعداء على حافة الانهيار والهزائم المتلاحقة، هزائمهم العسكرية المتلاحقة عن طريق قرية الرزينة وتبة الشهيد ، إلا قواتنا المقاومة الجنوبية والجيش الوطني تتصدى لهم وترد بقصف مكثف لعدة ساعات.
رفاق النضال في متارس الوغى وميادين الثبات حماة الدين والأوطان فهل استوعبنا التضحية؟ التضحية من أجل من؟ هل هناك حدود للتضحيات؟ طالما سمعنا هذه الأسئلة وكثيراً ما وقفنا صامتين أمام إجاباتها إما لأننا ذهلنا أمام صمود أبطالها، أو لأننا حاولنا وتحلينا بالصبر وبذلنا قصار جهدنا لكننا عجزنا أن نكون مثلهم.
معنى تضحية في معجم " المعاني الجامع": التضحية بالنفس بذلها في سبيل قضية أو فكرة أو من أجل الآخر من دون مقابل، كما تكون التضحية بالمال أو العقل أو المصلحة.
فتضحية المحارب هي التي ترتقي لأنها دفاعاً عن الدين، والنفس، ولأرض من أجل العيش الكريم وتحقيق، الطمأنينة، والحماية للشعب دون مقابل.
التضحية من أجل من ؟
الكثيرون منا يعترفون بأن التضحية لا بد أن تكون من أجل أمر عظيم يستحق أن نبذل الغالي والرخيص له، لكن الجميع يجزم بأن التضحية تكون "فداء لما نحب"، ومما لاشك فيه أن حب الوطن هو الأسمى والأعزّ لما يحمله من معاني كبيرة وشعور بالانتماء تربينا وتعلمنا أن الوطن هو الكرامة والعدل، وحبه واحترامه والولاء له هو الدفاع لنا للدفاع عنه، والإخلاص والتفوق من أجله.
يقول احد الجنود انور صالح ربيع(٢٨) الجنوب هو وطني، وهو المكان الذي ولدت فيه ونشأت وترعرعت في دفئه، أنا جزءاً منه وهو رمزاً لكرامتي، وأنا مستعد أن أضحي بحياتي من أجله أمام هذه الهجمة الشرسة الذي نتعرض لها لأنه يستحق ذلك، وأرفض مغادرة هذه الأرض وسأبقى لأعمل ولأقدم نفسي دون تردد.
وعند قيام (عدن الغد) بجوله في المناطق ومواقع التي تركتها مليشيات الانقلابية وقوات صالح، خطوه خطوه كانت الطرق وعرة بسبب وجود القناصة في قمم الجبال مرتفعة لا سيمي وجود الألغام زرعتها المليشيات الانقلابية وقوات صالح أثناء سيطرتهم سابقاً فتحرير هذه المناطق والمواقع ليس بالأمر الطبيعي في ظل قدرات جبارة من المليشيات، فقد تلقى خلال أشهر الماضي ضربة قوية بسّيطرة، على مواقع هامة في الشريجة، يأتي ذلك بعد هجوم عنيفاً ومتوالياً شنته قوات المقاومة الجنوبية والجيش الوطني، في ظل تقهقر وشل قدرات العدو وما سمح لقواتنا بتحقيق إنجاز عسكري استراتيجي سريع بالسيطرة على سلسة جبال مطله بالميسرة؛ الجبل الأسود، وتبة باصهيب، وموقع قرن الذباب، والجريبا، وقرن الزمار، وتبة الحمراء وفي الجهة الجنوبية الغربية المطلة على القبيطة تم السيطرة على جبل القرع وموقع الأبراء وفي مواصلة المليشيات الانقلابية وقوات صالح للتصعيد العسكري لتغطية هزائمهم العسكرية المتلاحقة إلى قواتنا الباسلة ترد بقصف مكثف حيث احرزت خسائر وسط قوات العدو.
وبحسب مراقبون فأن هناك معطيات تُشير بتحرير عدة مواقع جبلية وهذا ما أكده قاده عسكريون انفاً، لكنهم رفضوا الإفصاح عن المزيد من التفاصيل وفي الحقيقة لم يخفوا بأن مفاجئة كبرى ستزلزل العدو في الأيام القادمة وعلى هذه الوتيرة، يبدو أن الأيام أو الأسابيع القادمة حُبلى بالمفاجئات والبشائر، لن تكون أقل من المواقع التي سقطت في ظل دعم بإمكانيات شحيحة متواضعة.
لم تتمكن المليشيات الحوثي وصالح من الاستيلاء على الحويمي رغم قدرتهم العسكرية عملوا على إضعاف وحجب المدينة الصامدة عن الجبال المحيطة بها، فرق القناصة بقيت تراقب الوضع ليلاً ونهاراً، وبتجاهل رهيب لكافة قوانين الحرب يتم استهداف المدنيين بشكل متعمد ومنظم اضطر المدنيين إلى النزوح بالكامل ولكن تلك الأعمال الوحشية زادت فقط من أبناء الجنوب للدفاع عن أرضهم يقول احد النازحين رافضاً ذكر اسمة، ما نراه من صمود أبناء جيشنا والمقاومة الجنوبية وتضحياتهم للدفاع عن وطننا لا يقارن بفقدان بيتي أنا أصلي لكل جندي في ساحة المعركة، الصبر هو قوتنا لتحمل هذه المنحة التي أصابت بلدنا وأمننا، ولا أتمنى إلا الدعاء بالنصر لهذه الأرض التي تربينا في ظل أمجادها، فلم يعد رجال الجيش والأمن هم وحدهم الجاهزون على مدار الساعة في الخطوط الأمامية للدفاع والقتال الشرس من أجل الوطن، بل أصبح الناس جميعاً يقدمون العون والمساعدة، ويكبر عندهم الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه الوطن وحمايته والدفاع عنه ولحفاظ على استقراره صار الجميع جاهزين لتسخير ما يملكون لرفعة الوطن.
الجريح " صلاح سعيد مقبل"(٢٧) يقول جرحي ليس إلا ثمنا بخساً أمام وطني الذي تعلقت قلوبنا بترابة، وقد حققنا انتصارات عظيمة برغم إمكانياتنا شحيحة في الغذاء، وسلاح، والمادة، بحيث يصرف لنا صرفه باليوم (١٠٠٠) ألف ريال يمني وليس باستمرار ونطالب بضم عناصر المقاومة الجنوبية في أسلك العسكري أسوةٍ بزملائهم الذين أنظموا في الجيش الوطني.
لماذا نحب الوطن ونضحي من أجله؟
حب الوطن والتضحية من أجله هو واقع يستحق أن نعمل بحب من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء، يقول " رامي عبده"(٢٤)وهو احد أفراد المقاومة الجنوبية كنت أراهم رجالاً أشداء أوفياء للوطن فقررت التطوع لأكون واحداً من الذين يدافعون عن أرض الجنوب بروحي، فالوطن عطاء ومسؤولية وإخلاص، " علي مثنى صالح"(٤٧) احد الضباط اصطاب سابقاً وبعد ألتأم الجرح عاود إلى جبهة كرش يقول سؤال مهم وعميق، فالوطن يمنحنا الأمان والاستقرار فهو الذي عشقنا ترابه وجباله وبحره وسماءه، وما قدمه أسلافنا بالدم لابد أن نتابعه الآن من أجل حمايته ونموه وازدهاره مستقلاً.
مقاتلون في ظروف استثنائية بين شوك الجبال.. وبرودة الطقس، وعلامات الإرهاق والتعب والجوع على عيونهم تحدثك عن معاناتهم صامدين في أصعب الظروف في الجبهات بإرادتهم وبإمكانياتهم الشحيحة في قتال المليشيات الحوثية وقوات صالح، والتي تكللت بالنصر.
رسالتهم
أولاً نشكر صحيفة (عدن الغد) صوت الحقيقة التي هي حاملة لقضايا الوطن وشعب الجنوب ايماناً منها بالدفاع عنه وهي ناقل الحقيقي ما نقدمه في موقع النزال للدفاع عن الدين والوطن لا سيما غياب أعلام الجهات الرسمية، فهي بمثابة همزة وصل والتي تجلت صورها في ثبات المواقف والرسوخ وعدم الانجرار وراء مخططات التأمرية التي تستهدف الوطن ونسيجه الاجتماعي؛ وعبرها نجدد النداء إلى جماهير شعب الجنوب بدعم جبهة كرش، ورص الصفوف ولالتفاف حول القيادة الجنوبية والسلطة المحلية لمحافظة عدن الممثلة بالقايد الجسور "عيدروس الزبيدي" في هذا المحك الخطير وينقلوا نضالاتهم من الشارع إلى غرف سياسية، لأن ما سلبه منا نظام صنعاء بالسياسة فلا سبيل لاستعادته إلا بالسياسة، لا سيما هناك فرص تاريخية لا تتكرر ضاعت الكثير من هذه الفرص لأن العقلية والماضي هو الذي ظل يتحكم في النخب السياسية التي مسكونة بالماضي ومحاصرة في مستنقع الخلافات، ولذلك ما يحتاجه الجنوب اليوم هو تلاحم قواه السياسية والاجتماعية لدعم مشروع تكوين سياسي حامل للقضية الجنوبية مالم انتصاراتنا وتفوقنا المسلح سيظل مهدداً بالتقلص والتبخر مالم نترجمه إلى استحقاق سياسي وبأذن اللّه أن نكون صوناً حقيقاً لديننا وللوطن وشعب.
الخاتمة
عزيمتنا لا تلين لنضيء ذلك الدرب الذي أختاره شعبنا، وانمحت الهزيمة من قاموسهم ليصبح النصر شعار المقاتل وجزء من تكوينه وتقاليده القتالية، وفي نفس الوقت كشفوا هشاشة العدو وافتقاره للحد الأدنى من الروح المعنوية والقتالية التي تمكنه من الصمود في أرض المعركة، تحطمت أمام أعيننا أساطير الجهاد والثبات التي خلقها إعلام نظام الإرهابي للمليشيات الحوثة وقوات صالح ليخدع بها البسطاء؛ أن صمود شعبنا هو قادر بالفعل على تحقيق المعجزات، وهذا ما نراه ونحسه أمامنا كل يوم على امتداد أرضنا المحررة، وعلينا ان نربي أولادنا على حب الوطن والتعلق بترابه، لتأسيس أجيال على قيم الإيجابية، وإعلاء الإحساس بالوطنية لدى أبنائنا في الانتصار والمثابرة والتعاون من أجل تجسيد الانتماء للوطن بكل قيمة المقدسة.