كشفت الأحداث التي كان مطار عدن الدولي بخور مكسر مسرحاً لها مدى التشظي الذي يشوب التشكيلات العسكرية والأمنية بالعاصمة المؤقتة عدن، ما يلقي بظلاله على الوضع العام للشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي والوضع الأمني للعاصمة المؤقتة عدن والذي يعاني هو الآخر اضطراباً ناتجاً عن عدم توحيد الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية تحت قيادة موحدة. وشكلت أحداث المطار منعطفا خطيرا، كونه كشف الصراع الدائر بين جناح الشرعية المدعوم سعوديا وجناح دولة الإمارات الذي يقود عمليات التحالف العربي بعدن، ونقله إلى السطح بعد أن كان دائرا تحت الطاولات وخلف الكواليس. انقسام التشكيلات الأمنية والعسكرية ليس بجديد، إلا أن أحداث المطار أظهرت هذا الانقسام وأبرزته ليظهر مدى الشرخ بين الشرعية التي يقودها الرئيس هادي وطرف دولة الإمارات العربية المتحدة المشاركة ضمن التحالف العربي. بداية الأحداث بدأت التوترات الأمنية في مطار عدن الدولي مطلع يناير من العام الجاري، لأسباب تتعلق بالشؤون المالية، حيث يشكو أفراد حماية أمن المطار من توقف صرف مرتباتهم منذ شهر نوفمبر من العام 2016، ليقوم بعدها أفراد أمن حماية المطار التابعون للمقدم صالح العميري بتنفيذ احتجاجات تسببت في منع طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية من الهبوط في مدرج المطار بالوقت المحدد لها. ومع تزايد الإشكالات التي من شأنها إعاقة العمل بمطار عدن الدولي، الذي بدأ هو الآخر العمل بشكل منتظم منذ أشهر عقب انتهاء عمليات الترميم، وجه الرئيس عبدربه منصور هادي بتغيير قيادة القوات المسؤولة عن تأمين المطار، حيث تم تعيين نائب المقدم العميري، وهو الخضر صالح كرده، قائداً لقوات حماية أمن المطار بدلاً عن المقدم العميري والذي تربطه به علاقات أسرية. إلا أن المقدم صالح العميري المعروف بـ"أبو قحطان" رفض هذه التوجيهات القاضية بالتسليم لنائبه الخضر كرده، مما استدعى تدخل قيادات أمنية رفيعة وشخصيات اجتماعية -بينها قيادات في المقاومة الشعبية- في وساطات حاولت إقناع العميري بالعدول عن قراره الرافض للتوجيهات الرئاسية، ليتم بعدها وضع مهلة زمنية محددة للسماح للعميري بالتسليم لنائبه سلمياً، وهو ما رفضه العميري جملةً وتفصيلا. ونتيجة لذلك، كان يوم الخميس، الموافق 9 فبراير، موعداً لبدء التحركات العسكرية لتنفيذ التوجيهات الرئاسية، والتي بدأت بمحاصرة مطار عدن الدولي من كل الاتجاهات ونشر عشرات الجنود المسنودين بعربات مدرعة وأطقم عسكرية، وقد تم إيلاء هذه المهمة للواء الثالث حماية رئاسية والذي يقوده العميد الركن إبراهيم حيدان. العميري "أبو قحطان" برز اسم قائد قوات حماية أمن مطار عدن المقدم صالح العميري والمعروف بكنيته "أبو قحطان" خلال الأحداث التي شهدها المطار، كمتمرد على قرارات رئاسية، مستنداً على دعم إماراتي قوي، في حادثة هي الأولى من نوعها تشهدها المحافظات المحررة، لتضع تساؤلاً حول الدور الإماراتي في المحافظات الجنوبية. وبحسب مصادر أمنية مطلعة تحدثت لـ"الموقع بوست"، فقد تسلم المقدم صالح العميري زمام الأمور في مطار عدن الدولي قبل أكثر من عام، حيث كان المطار يقبع تحت سيطرة أفراد المقاومة الشعبية بقيادة قائد المقاومة بمديرية خور مكسر سليمان الزامكي. وأضافت المصادر أن تسليم مطار عدن الدولي لكتيبة صالح العميري التابعة للواء زايد الذي يقوده العميد الركن عبدالغني الصبيحي، كان ضمن الخطوات الأولية التي اتخذتها الحكومة الشرعية لاستلام المنشآت الحيوية والمرافق الحكومية المهمة من أفراد المقاومة الشعبية الذين سيطروا عليها عقب دحر ميليشيا الحوثيين والمخلوع صالح. وأوضحت المصادر بأن علاقة العميري بالقوات الإماراتية تطورت بشكل ملفت، نتيجة التنسيق المستمر بينهم بحكم تواجد الطرفين بداخل مطار عدن الدولي، الذي أصبح أشبه بثكنة عسكرية. وذكرت المصادر أن ثمار العلاقات الجيدة بين العميري والقوات الإماراتية بدأت بدعمه عسكريا ومالياً، حيث تم تجنيد عشرات الأفراد ليكونوا ضمن قوة أمن حماية مطار عدن والتي أضحت مستقلة عن لواء زايد الذي كانت جزءاً منه، ويبلغ قوام قوات أمن حماية مطار عدن الذين يقودهم المقدم صالح العميري أكثر من 300 فرد مسنودين بقرابة 35 عربة مدرعة وأطقم عسكرية، إضافة الى 3 دبابات قديمة، فيما تمتلك القوات الإماراتية المتواجدة في مطار عدن الدولي عدداً من المدرعات والآليات المصفحة والدبابات وطائرتين مروحيتين على الأقل إلى جانب طائرة أباتشي. تطورات متسارعة لم تفلح جهود الوساطات في إقناع المقدم صالح العميري في تسليم قيادة قوة أمن حماية أمن المطار لخلفه المعين بقرار رئاسي، مما استدعى توجيه قوات الحماية الرئاسية بمحاصرة المطار وتطويقه للضغط على العميري من أجل التسليم. ظلت قوات اللواء الثالث حماية رئاسية مطوقةً للمطار الواقع بمديرية خور مكسر، شرق العاصمة المؤقتة عدن، من كل الاتجاهات لأربعة أيام، وذلك للضغط على العميري ودفعه للتسليم من جهة ولمنع وصول أي تعزيزات محتملة قد تصله من جهة أخرى. مرّ اليوم الأول والثاني للحصار والتطويق دون أي مناوشات أو اشتباكات بين الطرفين، لتبدأ التطورات العسكرية في ساعات متأخرة من مساء السبت وهو اليوم الثالث للتطويق، حيث قدمت قوة عسكرية تابعة للواء النقل المحسوب على المنطقة العسكرية الرابعة إلى جولة كالتكس وذلك لمنع أي تعزيزات محتملة قد تصل لقوات العميري المطوقة في المطار. وحسبما ذكرت مصادر مطلعة لـ"الموقع بوست" فقد جاءت التوجيهات لقوات لواء النقل عقب تلقي قوات الحماية الرئاسية بلاغاً يفيد بتحرك قوات من الحزام الأمني قادمة من اتجاه مديريتي البريقة والمنصورة، وأنها ستتجه إلى مطار عدن الدولي لتعزيز قوات العميري. وذكرت بأن اشتباكات مسلحة استخدمت فيها الرشاشات الخفيفة والمتوسطة اندلعت بين قوات لواء النقل المتمركزة في جولة كالتكس من جهة وبين قوات من الحزام الأمني حاولت اجتياز الجولة للوصول إلى مطار عدن من جهة أخرى، وتمكنت قوات لواء النقل من منع وصول هذه التعزيزات، كما تمكنت من صدها وأسر عدد من عناصر الحزام الأمني بينهم قائد فرقة المداهمات والطوارئ منير اليافعي، ثم أُفرج عنهم بعد وساطات أفضت إلى تسليم كل الأسرى من الجانبين. وأشارت المصادر إلى أن الاشتباكات تزامنت مع تحليق مكثف لمقاتلات حربية وطائرات أباتشي يُعتقد أنها تابعة للقوات الإماراتية المتواجدة بمعسكر البريقة، إلا أنها لم تنفذ أي غارات. وأوضحت المصادر بأن وضع قوات حماية أمن المطار كان متماسكاً، كون المقدم العميري تلقى وعوداً إماراتية بالدعم والمساندة، وهو ما جعله يصمد ويرفض كل المحاولات الودية لإخراجه من المطار، والتي كان آخرها مساء السبت، حيث تم طلب المقدم العميري لمقابلة الرئيس هادي في قصر المعاشيق، إلا أن العميري رفض ذلك كبقية الوساطات التي رفضها. اليوم الحاسم لم تبرح قوات اللواء الثالث حماية رئاسية مكانها وظلت في مواقعها مطوقة لمطار عدن الدولي الواقع بمديرية خو رمكسر شرق العاصمة المؤقتة للبلاد لليوم الرابع على التوالي، الموافق يوم الأحد 12 فبراير، فيما قامت القوات الإماراتية المتواجدة في المطار بنقل العميري إلى معسكرهم الرئيسي في مديرية البريقة بواسطة طائرة مروحية. استمر الهدوء والترقب اللذان تزامنا مع تحليق مكثف لمقاتلات حربية وطائرات أباتشي تتبع القوات الإماراتية حتى الظهيرة، ثم قصف دوريتين عسكرييتين كانتا ضمن قوة اللواء الثالث حماية رئاسية. أحدثت هذه الخطوة مزيدا من القلق والتوتر بين أوساط أفراد الحماية الرئاسية ورفاقهم في لواء النقل والتشكيلات العسكرية المساندة للتوجيهات الرئاسية، فيما بقيت قوات حماية أمن المطار بعيدة عن الأحداث كون هناك من يدافع عنهم. وعقب الغارة الجوية التي استهدفت موقعا لقوة الحماية الرئاسية، عقد الرئيس هادي اجتماعا ضم قيادات عسكرية موالية للشرعية، فيما غاب عن الاجتماع مدير أمن عدن شلال شائع ومحافظ عدن عيدروس الزبيدي. وبحسب مصادر تحدثت لـ"الموقع بوست" فقد كان الاجتماع مخصصا للقيادات العسكرية الموالية للرئيس هادي والتي لا تربطها علاقات بالقوات الإماراتية. وعقب الاجتماع تم إصدار توجيهات بسحب كل القوات المطوقة لمطار عدن الدولي، ليبقى الوضع الداخلي للمطار كما هو عليه تحت سيطرة أفراد حماية أمن المطار بقيادة المقدم صالح العميري، والذي تمت إعادته إلى مطار عدن الدولي مساء الأحد بواسطة طائرة مروحية إماراتية سبق ونقلته في صباح نفس اليوم إلى معسكر القوات الإماراتية بالبريقة. آثار الأزمة انتهت أحداث المطار ببقاء المقدم صالح العميري بالمطار، وانسحاب القوات العسكرية للطرفين من الشوارع، وإعادة فتحها أمام حركة المواطنين. وبالرغم من الأحداث التي شهدها المطار وما تخللها من توترات أمنية واشتباكات، إلا أن الرحلات الجوية لم تتوقف طيلة الأيام الأربعة بالرغم من المخاطر الأمنية. ولم تستمر الرحلات الجوية -المحدودة أصلا- عقب انتهاء التوترات الأمنية، فقد تم إعلان تعليق الرحلات الجوية ليوم واحد، قبل أن يتم تمديد التعليق لأسبوع كامل، وذلك حتى مطلع الأسبوع الذي يليه، على أن يتم تحويل الرحلات إلى مطار سيئون بحضرموت. وعلى صعيد آخر، فقد تعرض معسكر النقل الواقع بمديرية دارسعد شمالي عدن لهجوم عسكري من قبل قوة أمنية تابعة للحزام الأمني، فجر الأربعاء الماضي، وتزامنت الاشتباكات مع تحليق مكثف لمقاتلات حربية يعتقد بأنها تابعة للقوات الإماراتية. وقالت مصادر عسكرية لـ"الموقع بوست" إن الهجوم على المعسكر جاء عقب تلقي قيادته بلاغا يفيد بهجوم عسكري، مما استدعى إعلان الاستنفار واستدعاء جميع الأفراد. وذكرت المصادر بأن أفراد المعسكر تمركزوا في المعسكر وفي المواقع المحيطة به منذ الساعة 11 من مساء الثلاثاء، ليتم الهجوم بعد منتصف الليل وامتد حتى الساعة 2 فجرا. وأضافت بأن المهاجمين كانوا قوة تابعة الحزام الأمني، واستخدمت خلال الاشتباكات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وسط تحليق منخفض للمقاتلات الحربية. ويأتي هذا الهجوم على معسكر النقل الذي يقوده العقيد أمجد خالد، القيادي البارز في المقاومة الشعبية، عقب وقوفه إلى جانب قوات الحماية الرئاسية المحسوبة على جناح الرئيس هادي في أحداث المطار، كونه قام بصد قوات الحزام الأمني التي حاولت تجاوز جولة كالتكس لتعزيز قوة حماية أمن المطار بخور مكسر. وفي تصريح مقتضب لـ"الموقع بوست " أكد قائد معسكر النقل العميد أمجد خالد بأن أفراد اللواء مستعدون لأي هجمات محتملة، لافتا إلى أن هناك أطرافا معادية للشرعية وتعمل على تأجيج الفتنة وإقلاق السكينة العامة. وفي السياق ذاته، أكدت مصادر مطلعة وصول مجموعة من القيادات العسكرية الموالية للرئيس هادي إلى المملكة العربية السعودية، وذلك لتدارس الوضع الأمني والعسكري بالعاصمة المؤقتة عدن. وذكرت المصادر في حديثها لـ"الموقع بوست" أن من بين القيادات التي ذهبت إلى المملكة العربية السعودية العميد مهران قباطي قائد اللواء الرابع مدرع حماية رئاسية، والعميد هاشم السيد المشرف العام على محور البقع، والعقيد أمجد خالد قائد معسكر لواء النقل، والمقدم محمد البوكري قيادي بارز في المقاومة الشعبية ونائب قائد معسكر لواء النقل، والعقيد بسام المحضار قائد محور البقع. ويأتي تسارع الأحداث في العاصمة المؤقتة عدن على نحو مقلق ليفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول مستقبل العلاقة بين الرئيس هادي والسلطة الشرعية مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقود قوات التحالف العربي في عدن.