الرئيسية - تقارير - سبعون عاماً ولا يزال يكتب الأخبار بشكل يومي.. "مخشف" نموذج فريد من الصحافيين في اليمن (بورتريه

سبعون عاماً ولا يزال يكتب الأخبار بشكل يومي.. "مخشف" نموذج فريد من الصحافيين في اليمن (بورتريه

الساعة 03:11 صباحاً (هنا عدن - متابعات _ المصدر أونلاين - عدنان الجبرني)

 

وهو يحتفل بعيد ميلاده السبعين ومرور 47 عاماً على بدء مزاولته العمل الصحفي مع أهم وكالة أنباء عالمية "رويترز"، لا يتذكر السبعيني المخضرم محمد عبد الله مخشف أنه نشر خبراً واتضح له بعد ذلك أنه غير صحيح، ويستدرك بثقة بأنه تعرض مرة واحدة للتضليل من مصدر، يعلق على ذلك: "لكنه كان بشكل غير مزعج، الحرص والمصداقية يضمن تجنب الأخطاء".

 



يرد على الهاتف بعد الحادية عشرة مساءاً بحيوية وصوت لا تبدو عليه نبرة إرهاق السنوات ووجع متابعة الأخبار في بلد تطحنه الحروب والأزمات على مدى عقود هي كل عمر "مخشف" في العمل الصحفي، إنه يتحدث عن الصحافة بشغف عاشق وخبير في آن.

 

مخشف المولود في مدينة الشيخ عثمان، بعدن عام 1947م، وتسبب العوز المالي لأسرته في انقطاعه عن الدراسة قبل إكمال المرحلة الثانوية، واتجه الى القراءة العامة وعبرها تسلل حب العمل الصحافي إلى محمد مخشف في سن الخامسة عشرة، من خلال صحيفة "فتاة الجزيرة" عام 62، ثم انتقل بعدها إلى صحيفة الأيام عام 65 قبل أن تتوقف عام 67 ويضطر مخشف للنزوح الى الشمال ويعمل محرراً في إذاعة صنعاء.

 

عاد إلى عدن عقب الاستقلال بشهور، وفي العام 1970 أسهم مع محمد ناصر محمد في تأسيس أول وكالة أنباء على مستوى الجزيرة والخليج أطلق عليها اسم وكالة أنباء عدن "أ. ن. ا"، وكلفه مراسل رويترز حينها محمد ناصر محمد بالعمل لصالح "رويترز" بسبب انشغاله بإدارة وكالة أنباء عدن، وفي نهاية عام 70 اعتمدت وكالة رويترز محمد مخشف مراسلاً رسمياً لها ولا يزال يعمل معها إلى اليوم.

 

يروي مخشف أهم المحطات التي غطّاها سواء في حروب الشطرين 72م أو 79م واستقالة الرئيس الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل عام 80م وأحداث 13 يناير 86م والوحدة وحرب صيف 94م والانتخابات، وصولاً إلى الأحداث الجارية بين الحكومة الشرعية وتحالف الحوثي وصالح ويؤكد أن على الصحفي – وتحديداً في ظل الحروب_ أن يتابع ما يقوله طرفا الحرب، وأن يعزز مصادره بين السكان كشهود عيان وكذلك في غرف العمليات ومراكز الشرطة والمستشفيات ليحصل على معلومات دقيقة ويقدم أخباراً صحيحة وموثوقة.

 

لا يملك مخشف حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي.. وبعد أن سرد مراحل نقل الخبر الصحفي عبر البرقيات ومن ثم التلفون والفاكس.. يرى أن وسائل التواصل وسيلة حديثة طوّرت من أسلوب وطرائق العمل الصحفي وقفزت به الأمام، "لكن من جهة ثانية أشاعت البلبلة وقلّلت المصداقية وعدم الاجتهاد في دقة المعلومات".
لا يخفي "مخشف" انزعاجه من كثرة مواقع الأخبار وتناسلها مؤخراً ويشبهها بـ"الدكاكين" متسائلاً: من يمول مثل هذه المواقع مجهولة الهوية؟ مرجعاً الأمر إلى القارئ والمتلقي ليميز ويتخذ مصادره التي يثق بها.

 

يتحدث عن مقاربته للإنحياز ويرى بأن "الانحياز الفاضح" يفضح نفسه: هناك انحياز مغلَّف بنوع من الموضوعية والصدقية وهذا تنهجه الوسائل التابعة للأحزاب مثلاً، لا يوجد حياد في الإعلام هناك موضوعية فقط، الحياد المطلق غير موجود في العالم حاليا.

 

وبين السبق والمصداقية ينبه مخشف أن على الصحافي تحرّى دقة الخبر وإن تأخر في السبق، فأن يبني علاقة ثقة مع القارئ فذلك أهم ما يسعى اليه الصحفي والوسيلة، واصفاً من يسرقون الأخبار وينسبونها لهم بأنهم "كسالى وعديمي ضمير لا يحترمون المهنة".

 

يتعاطى مخشف القات 4 أيام في الأسبوع، ويستقبل في منزله بحي ريمي في المنصورة زواره وأصدقاءه لكن ذلك لا يمنعه من متابعة الأخبار والمستجدات، ويدأب على المواظبة في عمله دون ضجيج، وشكل خلال حياته ومسيرته مدرسة رصينة وثرية لم تتأثر بالظروف والمدخلات السالبة على بيئة العمل الصحفي في اليمن.
وينصح مخشِّف والذي يُطلق عليه لقب "ملك الخبر" في اليمن، الصحافيين الشباب بعدم استعجال الحصول على

المال أو الشهرة منوها إلى أن ذلك يأتي بشكل طبيعي في حال اهتم الصحافيون الشباب بالعطاء والنوعية في العمل الصحافي بالتزام الصدق والموضوعية والأمانة الصحفية.

 

وعكس التطلعات المتسارعة لكثير من الإعلاميين والذين يتحولون بعد مرور سنوات من ممارسة الصحافة إلى مسؤولين حكوميين أو قادة حزبيين، لم يفكر مخشف في البحث عن أي منصب وعاش يشعر باكتفاء ورضى عن نفسه وهو يمارس المهنة التي أحبها وأخلص لها طوال حياته.

 

ومع التحاق نجليه "ريام" و "ذويزن" بالعمل في المجال الصحفي فقد تحول المنزل إلى وكالة أنباء مصغرة فقد ورث عنه نجلاه حب العمل الصحفي وإيجابية الدأب والمثابرة في البحث عن المعلومة.