عاد رجل الدين السلفي هاني بن بريك ليتصدر واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن من خلال ظهور متكرر في عدد من وسائل الإعلام و سلسلة من التغريدات كتبها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مُثيرة ردود فعل غاضبة في مجملها.
ويتساءل مراقبون تحدثوا لوكالة "ديبريفر" للأنباء "لماذا يتم الدفع برجل الدين السلفي هاني بن بريك ليتصدر واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن؟".
كتب هاني بن بريك، الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً والذي لا يعترف بيمنيته ويدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، أن إماراتياً هو قائد تحرير عدن ولحج والعند، في الحرب الأخيرة التي اجتاحت عدن أواخر مارس 2015. وهو ما سبب ردود فعل غاضبة.
شبّه هاني بن بريك قائد عسكري إماراتي بأنه رمز تاريخي كـ"خالد بن الوليد وعمرو بن العاص"، زاعماً، أنه هو من "قاد معارك تحرير مدينة عدن ولحج والعند".
وقال رجل الدين السلفي هاني بن بريك، في تغريدة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إن جاز لي أن أشبهه برمز تاريخي فهو خالد بن الوليد هذا العصر الذي لم يُهزم، أو عمرو بن العاص قامع الفرس".
وأضاف: "سلام عليك قائدنا وعلى من معك من الأبطال يحفظكم الله ويرعاكم، فأنتم من كتب قصة كسر الفرس في جنوب الجزيرة العربية. قائد تحرير عدن ولحج والعند والآن يقرع أبواب الحديدة".
لكن الراحل جعفر محمد سعد هو من قاد عملية تحرير عدن من مليشيات الحوثيين وصالح يوليو 2015 بإسناد جوي و بري من قوات التحالف العربي، ثم أصبح بعد ذلك محافظاً لعدن؛ وبعد اغتياله بفترة نشرت عائلته خطة تحرير المدينة بخط يده.
بالنسبة إلى كاتب معروف من جنوب اليمن مثل صلاح السقلدي فإن التأكيد بأن ضابطاً إماراتياً هو من حرر الجنوب من "المجوس الفرس"، هو "خطاب خطير يؤسس لنزوع ديني متطرف ليس فقط داخل الانتقالي بل داخل الجنوب برمته".
ويضيف السقلدي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "سيحسبه المجتمع الدولي على خطاب الانتقالي اليوم وغداً إن لم يرشّــد من هكذا خطاب ويكبح جماحه، فهو ينطوي على خطورة كبيرة على مستقبل الجنوب وعلى القضية الجنوبية ويخرجها من سياقها الوطني السياسي الى هوّة التطرف السحيقة".
وخلال الأيام الفائتة قام هاني بن بريك بجولة أوروبية بدأها من مقر اقامته في أبوظبي بزيارة بريطانيا مُقدّماً نفسه في صورة سياسي وليس رجل دين سلفي يحافظ على لباس السلفيين التقليدي؛ إذ صار يواظب على ارتداء البدلات الرسمية مع ربطات عنق زاهية الألوان وتخفيف لحيته بطريقة تشبه نجوم السينما ولاعبي كرة القدم. وقالت وسائل إعلام تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والممولة إماراتياً، أن زيارته بهدف اللقاء بـ"قادة أوروبيين، للتعريف بمشروع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو الى اقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية".
هاني بن بريك في أحد شوارع لندن
ومطلع الأسبوع قال هاني بن بريك في مقابلة أثناء زيارته للندن أجرتها معه قناة BBC أنه "يعشق الإمارات والسعودية حد الثمالة".
يقول دبلوماسي يمني لوكالة "ديبريفر" للأنباء فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب خاصة إن "الدفع برجل الدين السلفي هاني بن بريك ليتصدر واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن أمر واضح للعيان فهو رجل الإمارات الأول الآن في جنوب اليمن وهو الركيزة الأساسية في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته الإمارات لإحكام قبضتها على جنوب اليمن، فهو يجيد الخطابة ويُطوّع خلفيته الدينية السلفية في مصلحة الخطاب السياسي الانفصالي الذي تدعمه الإمارات في جنوب اليمن".
يؤكد صلاح السقلدي رداً على خطاب هاني بن بريك: "من حق بن بريك - وغيره- أن يمتدح من يشاء، ويخلع عليهم من الألقاب ما يشاء، لكن ليس من حقه أن يحرِف جوهر مسار الخلاف السياسي والوطني للجنوب مع الشمال الى خلاف ديني، بين مسلمين وكفار (مجوس) - بحسب زعمه- ويسلّط الأضواء الاقليمية والدولية على الجنوب من هذه الزاوية الخطيرة. وإلّا ما الفرق بين خطابه هذا وخطاب عبدالله صعتر والعديني والزنداني الذين يسلقهم - بمنشورات حِداد- بأنهم إخونجية يروجون للإرهاب؟ .. فإن لم يندرج خطاب بن بريك ضمن مربع خطاب التطرف والتكفير فأين عسانا أن نضعه؟".
بعد إقالته من منصبه كوزير دولة من قبل رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي، برز هاني بن بريك من خلال دعوته إلى التحرير والاستقلال واقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية، وهو أمر مناقض لما كان يدعو إليه قبل اقالته من منصبه، فقد كان لا يعترف بالانفصال ولا بالجنوب العربي مُرجعاً ذلك إلى أسس ومبادئ في الدين الإسلامي.
هاني بن بريك مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عندما عينه وزيراً في حكومته
يقول هاني في هذا الصدد في شريط مسجّل سابق، استمعت إليه وكالة "ديبريفر" للأنباء: "يا أحبة.. أي ظلم أي فساد وأي استبداد، الشرع لا يقرّه و أهل السنة لا يقرّوه، والظلم والفساد والاستبداد يُرفع بالطرق الشرعية وبالإصلاح الشرعي، أما أن ندعو للتخلص من الظلم والاستبداد ونهدم أصل من أصول ديننا، من أصول الدين الاجتماع، من أصول الدين ذم الفرقة، من أصول الدين الوحدة، مش الوحدة مع الشمال، الوحدة مع الصين التي فيها أكثر من 300 مليون مسلم، نتوحد في كل بلد فيه المسلمون من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً و أي بلد فيها الإسلام الله أمرنا أن نعتصم معهم ونتوحد يقول الله سبحانه وتعالى واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
ويضيف: "الفساد اخوانكم يعانون منه في الشمال كما تعانون منه، الظلم اخوانكم يعانون منه في الشمال كما تعانون منه، وهكذا الاضطهاد اخوانكم يعانون منه في الشمال كما تعانون منه فلا داع أن نهدم أصل من أصول ديننا وهو الوحدة والاجتماع والاعتصام، اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
ويؤكد هاني بن بريك: "نحن نقول أننا مؤمنون وأننا مسلمون ندعو إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ومنهج الكتاب والسنة والسلف الصالح يدعو إلى الوحدة والاجتماع مع كل مسلم ليس مع يمني يسكن في الشمال ونجعل هذه المناطقية لمجرد وجود ظلم وفساد، وأهل الجنوب كانوا هم دعاة الوحدة كلنا نعلم في المدارس عندما كنا صغار كنا نُعلّم على الوحدة وحب الوحدة والدعوة إلى الوحدة، فالآن لوجود ظلم أو فساد نجعل الآن خلاص الجنوب العربي، نحذف اسم اليمن ونأخذ تسمية أطلقتها بريطانيا".
كان أول ظهور بارز لهاني بن بريك في واجهة المشهد السياسي في جنوب اليمن ضمن ظهور السلفيين بوصفهم مقاتلين كمقاومة شعبية موحدة ومنسجمة بداية الحرب في عدن أواخر مارس 2015م.
ورفض هو، ومعه سلفيون آخرون، بدء القتال مع قوات التحالف العربي تحت راية علم الجنوب علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باعتبارها راية علم دولة الماركسيين الملحدين.
عمل هاني بن بريك وهاشم السيد على تأسيس مقاومة شعبية في عدن رافضاً تسميتها بالمقاومة الجنوبية لكن الاسم الأخير غلب عليها، وفي نهاية ديسمبر 2015م أعلن السلفيان هاني بن بريك وهاشم السيد الجنيدي عن "حل مجلس المقاومة الجنوبية بعدن ويعتبر مع وجود رئيس الجمهورية والسلطة المحلية للمحافظة في الأرض لاغٍ".
وأضاف هاني بن بريك في منشور توضيحي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "سنعمل تحت قيادة فخامة الرئيس والحكومة لعودة الأمن والاستقرار وإضفاء الشرعية الكاملة على أبطال المقاومة كما أمر فخامة الرئيس، وأن القيادات الميدانية التي تحت قيادة القائد الميداني العام الشيخ هاشم السيد الجنيدي والذين جميعهم أعضاء مؤسسون في المجلس كلهم تحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية والحكومة، وبعد هذا التوضيح فلا نأذن لأحد أن يصنفنا تحت مجالس قيادية للمقاومة أياً كانت مع وجود الرئاسة والحكومة، وسنظل حريصين على كل مصالح الأبطال من شهداء وجرحى وأحياء".
لكن وبعد أن أصبح نائباً للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسسته الإمارات، صار شعار هاني بن بريك "التحرير والاستقلال وإقامة جمهورية الجنوب العربي الفيدرالية وإلا فسبيل الجبهات" كما كتب ذلك نصاً في إحدى تغريداته على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
يقول الدبلوماسي اليمني في سياق حديثه لوكالة "ديبريفر" للأنباء، إن "شخصية هاني بن بريك السلفية التي تطيع ولي أمره أياً كان ولي الأمر وتوجهاته السياسية، هي المفتاح الأساس الذي يجعل الإمارات تدفعه ليكون في صدارة مشهد المجلس الانتقالي الجنوبي حتى على حساب رئيس المجلس عيدروس الزبيدي الذي لم يعد يظهر في وسائل الإعلام كما كان يحدث من قبل".
هاني بن بريك وعيدروس الزبيدي وهاشم السيد مع محمد بن زايد
ويضيف: "تسعى الإمارات إلى انفصال جنوب اليمن لتحقيق أهداف خاصة بها، وهي تعد العدة لذلك من خلال المجلس الانتقالي المسلح الذي أسسته على الرغم من كون موقفها السياسي في التحالف العربي، وعلى مستوى الأمم المتحدة، مع وحدة دولة اليمن وسلامة أراضيها، لكنها في موقفها على الأرض الداعم لانفصال جنوب اليمن عن شماله، تراهن على الدفع بالأمور نحو فرض سلطة الأمر الواقع من خلال تمكين المجلس الانتقالي المسلح كأمر مماثل مع ما يفعله الحوثيون كسلطة أمر واقع في شمال اليمن، فإن فشل هذا المسعى، فهي مع موقفها السياسي عربياً و دولياً، وتبريره جاهز من خلال السلفي هاني بن بريك وبإسناد ديني محض".
جاء في تقرير لصحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، نُشر أواخر يوليو 2018 ما يلي: "منذ أن بدأ التحالف الذي تقوده السعودية حربه في اليمن في مارس 2015، كانت الإمارات العربية المتحدة لاعباً رئيسياً، ومع ذلك، في حين كان هدف الرياض هو إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة وسحق انتفاضة الحوثي، ركزت أبو ظبي أكثر على الجنوب وعلى تدريب قوات الأمن لتأمين طموحاتها الجيوسياسية. وباتت أهداف دولة الإمارات العربية المتحدة على المدى الطويل تتضح وعلى نحو متزايد ألا وهي: تقسيم اليمن وإقامة دولة جنوبية مسالمة، من شأنها تأمين طرق التجارة عبر ميناء عدن لبقية العالم؛ لاستغلال موارد اليمن الطبيعية؛ ومنح نفسها السلطة باعتبارها دولة مهيمنة إقليمية".
تقول صحيفة "الخليج" الإماراتية القريبة من مركز الحكم في الإمارات في افتتاحية لها بتاريخ 10 نوفمبر 2017: "لم يكن خيار الاستفتاء بهدف الانفصال واقعياً، سواء في كردستان أو كتالونيا، خاصة أن المحيط، والعالم صارا يرفضان التوجه نحو التفكك، ويبحثان عمّا يجمع الدول والشعوب، لأن ترك خيار الانفصال يتمدد في أكثر من منطقة من شأنه أن يزيد من أزمات العالم، ولا يعمل على حلها، والنموذج السوداني بانفصال الجنوب عن شماله، دليل على انعدام المشروع السياسي لمؤيدي الانفصال، حيث تعيش دولة جنوب السودان حروباً داخلية طاحنة نسفت كل الأحلام التي بناها دعاة الانفصال في دولة مزدهرة. والواقع في مختلف دول العالم يؤكد أن الانفصال لا يكون حلاً للصراعات الداخلية، فبقدر ما يزيد من اشتعال النزاعات بين الأطراف المحلية، يسبب صداعاً مزمناً للجيران، لذلك يدعم العالم الدول القوية التي تقوم على التنوع في إطار الدولة الواحدة، فالانفصال إذا نجح في دولة ما، فإنه لن يقف عند حدوده، بل ستنتقل العدوى إلى الجزء المنفصل أيضاً، وهي خطوة تزيد من تعقيدات المشهد لا المساعدة في إيجاد حل".
وتضيف الصحيفة على نحو قاطع: "مشروع الانفصال لا مستقبل له، ومواقف دولة الإمارات العربية المتحدة، المستندة إلى تجربتها الوحدوية، ترفض مشاريع التفكك والانفصال، لقناعتها بأن هذه المشاريع تفتيتية ولا تساعد على حل أي أزمة".