قال خبراء استراتيجيون يمنيون إن المبادرة الإقليمية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتأسيس كيان إقليمي لدول البحر الأحمر هو إجراء استراتيجي مهم من شأنه إحياء الدور القيادي العربي لدول البحر الأحمر الذي ظل غائباً في السابق.
ولفت الخبير الاستراتيجي والمهتم بقضايا أمن البحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة القرن الأفريقي عبده سالم في حديثه لـ"الرياض" إلى أن منطقة الجزيرة العربية وعبر بوابتها الجنوبية (اليمن) تنتمي إلى نظامين أمنيين إقليميين في آن واحد، بحكم موقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب، الأول: النظام الأمني لدول بحر العرب، ويبدأ من خليج عدن غرباً، إلى خليج عمان شرقاً، وصولاً إلى مضيق هرمز في إطار الامتداد الطبيعي للمحيط الهندي، مشيراً إلى أن هذا النظام يتشكل حالياً من اليمن (خليج عدن) إضافة إلى الصومال، وعمان، وإيران، وباكستان، والهند، وجزر المالديف.
أما الثاني فيقول سالم إنه: النظام الأمني لدول البحر الأحمر، ويبدأ من خليج عدن وباب المندب جنوباً، وصولاً إلى خليج العقبة شمالاً، ويتشكل هذا النظام من: اليمن (باب المندب) إضافة إلى، جيبوتي، واريتريا، والسودان، ومصر، والسعودية، والأردن، وفلسطين.
واسترسل الخبير سالم بالتأكيد أن لكل نظام من هذين النظامين مصالحه، ومناطق نفوذه التي عادة ما تكون مناطق نفوذ تنافسيه بين النظامين وهو التنافس الذي عادة ما يؤدي إلى التصادم بين النظامين الأمنيين وتكون النتيجة انفصال النظام الأمني لبحر العرب عن النظام الأمني للبحر الأحمر وبالتالي انفصال اليمن إلى شطرين، غير أن مبادرة الملك سلمان تدفع نحو توحيد النظامين الأمنيين لبحر العرب والبحر الأحمر.
وما هو معلوم تاريخياً بحسب سالم أن إمبراطورية الروم كان لها نفوذ واسع ومؤثر على النظام الأمني للبحر الأحمر، وذلك من خلال عمقها الإقليمي بالحبشة، كما إن "إمبراطورية فارس" كانت هي الأخرى تسيطر على النظام الأمني لبحر العرب من خلال عمقها الاستراتيجي في اليمن، التي كانت خاضعة لنفوذ فارس قبل الإسلام.
وذهب المحلل والخبير الاستراتيجي سالم إلى الأبعاد التاريخية التي تؤكد الأهمية القصوى لمبادرة "كيان البحر الأحمر وخليج عدن" والتي من شأنها بناء إطار أمني عربي يوحد النظامين الأمنيين لبحر العرب والبحر الأحمر تحت قيادة عربية تتزعمها المملكة العربية السعودية.
في السياق يلفت سالم إلى أن منطقة الجزيرة العربية كانت قد ظلت تعيش عبر مراحلها التاريخية في حالة من الاستقطاب الدولي الحاد لهذين النظامين، بحكم وقوعها في منطقة الوسط، أي في حالة شد وجذب بين النظامين الأمنيين، وظلت على هذا الحال إلى أن تحولت القيادة إلى الجزيرة العربية مع مجيء الرسالة ووصولها إلى اليمن والحبشة وبذلك سيطرت الدولة الجديدة في الجزيرة العربية وبشكل كامل على النظامين الأمنيين للبحر الأحمر وبحر العرب بكامل قوامهما السيادي والاستراتيجي، ليتحول مضيق هرمز والمنطقة المجاورة له من فارس وكذا مضيق باب المندب والمنطقة المجاورة له من القرن الإفريقي إلى عمقين إقليميين استراتيجيين للدولة الجديدة في الجزيرة العربية مع مجيء الإسلام، بعد أن ظلا فترة من التاريخ قبل الإسلام في حالة صراع مستمر يهدد الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية.
ويشير سالم إلى أن إيران تسعى في الظرف الراهن إلى السيطرة الكاملة على بحر العرب والتحكم بنظامه الإقليمي، في حين أن النظام الأمني لمنطقة البحر الأحمر ظل يعاني من فراغ قيادي لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية أهمها: تداعيات الصراع العربي – الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.
وأردف الخبير الاستراتيجي اليمني في تصريحه لـ"الرياض" إن إيران ورغم تحركاتها في بحر العرب لا تستطيع الولوج إلى البحر الأحمر كونها لا تنتمي إلى هذا النظام، لافتاً إلى أنها سعت لتجاوز هذا الحظر عليها من خلال محاولة تشبيك علاقتها سابقاً بدول أفريقية واستأجرت بعض القطاعات الساحلية حتى تتمكن من اختراق النظام الأمني للبحر الأحمر، إلا أن المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة وعبر إحياء علاقاتها بالشقيقتين أرتيريا وجيبوتي وغيرها من منطقة القرن الأفريقي تمكنت من الحيلولة دون استفادة إيران من هذه الدول.
وأكد سالم أن المبادرة الإقليمية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين بتأسيس هذا الكيان لدول الحوض، تشكل إجراءً استراتيجياً من شأنه تفعيل الدور القيادي العربي لدول البحر الأحمر كما أن ضم خليج عدن الذي هو من امتدادات البحر العربي، وكذا ضم جمهورية الصومال التي هي من دول بحر العرب إلى هذا الكيان الإقليمي الجديد من شأنه توحيد النظامين الأمنيين للبحر الأحمر وبحر العرب بمعزل عن التأثير الإيراني وبقيادة طليعية متقدمة للمملكة العربية السعودية.