* أنيس منصور
هناك حلف يتخلق بهدوء وسط منطقة عاصفة بالأحداث، حلف قديم ومتجدد، طرفاهدولتان عربيتان مركزيتان في المنطقة. السعودية وعمان، هاتان الدولتان تتمتعانبمؤهلات متميزة تجعل من العلاقة بينهما ذات طابع خاص، بل وتفتح آفاق مستقبليةواعدة للشعبين.
طوال العقود المنصرمة، كانت العلاقات العمانية _السعودية، جيدة نوع ما؛ لكنها مرتبفترات جمود طبيعية، نتاج التوترات الحاصلة في المنطقة وظهور تباين مؤقت في وجهةنظر الطرفين ورؤيتهما لطريقة التعاطي مع ملفات المنطقة.
إلا أن التباينات المرحلية تلك، لم تلغ إمكانيات التحالف العميقة، ولم يحدث أن انزلقتالعلاقة بينهما نحو منحدرات الخصام الحاد، ذلك أن قيادة الشعبين ظلا يدركا بعمق أنالمستقبل يحمل لهما نوافذ واسعة للتحالف وروافع قوية متى تجاوزا ارتباكات اللحظةالعابرة، وبالفعل ها هي المؤشرات المتواترة تثبت مصداقية الوعد المستقبلي وتنبئ أنزمنًا جديدًا قد انفتح بين البلدين. إنه زمن الحلف الجديد، حلف يفتح فضاءات كبيرةللشعبين ويزهر أحلامًا جديدة للبلدين.
السعودية وعمان، يمكن القول أن تطور العلاقات بين البلدين أخذ طابعًا دراماتيكيًا ، لقدأخذت الروابط تشتد خلال الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، زيارات متبادلة ومتلاحقة علىأرفع المستويات، وبفترات قصيرة، نشاط دبلوماسي نشط للغاية، اتفاقيات استثماريةعالية الكلفة، تفاهمات سياسية بخصوص قضايا المنطقة، دوافع مشتركة لتهدئة النيران،تلعب فيه مسقط دور الحليف الوثيق والصديق الأمين على مستقبل المملكة، وتتجاوبمعها المملكة بروح متفتحة ورغبة صادقة بتجاوز اختناقات اللحظة.. وهكذا، على كلالمستويات، سياسيًا وإقتصاديًا واستراتيجيًا، نحن أمام علاقة تتجاوز المستوىالطبيعي وتتخذ طابع الحلف الجديد.
* على المستوى السياسي
في اللحظة الهادئة تدرك السعودية جيدا، من هي الدول الصديقة لها من تلك الدولالمدعية للصداقة، ولقد كانت تدرك أن عمان دولة لا يمكنها إلا أن تكون واقفة جوارها،ونعني هنا السعودية، وها هي تثبت موقفها واقعًا لا قولا، حيث يتمثل السلوك العمانيفي مساعيها الحثيثة؛ لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، الدولتينالمتخاصمتين تقليديًا طوال العقود الأخيرة.
لا يخفى على أحد أن الصراع السعودي الإيراني في المنطقة، استنزفهما كثيرا، فهوصراع عبثي، بصرف النظر عن طبيعته وعن الطرف المتسبب فيه، ما يهمنا هنا هو أنناأمام دولتين مركزيتين في المنطقة بينهما صراع محتدم منذ عقود، وهو صراع مصالحبالطبع؛ لكن وسيلته الخشنة ليست حتمية، بمعنى يمكن التخلي عن طريقة الصراعالحالية والمكلفة مع ضمان مصالح الطرفين بطريقة سلمية وهادئة مثل أي دولتين فيالعالم.
لكن إرث الخصومة الهائل، يتطلب دولة متخففة من الصراع؛ كي تقوم بهذا الدور، وتبرزعمان هنا، كأهم دولة خليجية قادرة على حلحلة الحواجز بين البلدين وتقريب وجهاتالنظر بينهما وبما يضمن مستوى من السلام، يصب في صالح المنطقة وصالح الشعبينوالدولتين نعني هنا السعودية وإيران، وما يهمنا تحديدا في سياق المقالة هذه هيالسعودية، كدولة يتعزز حلفها مع عمان، وتسعى الأخيرة لخدمتها وخفض كلفة الصراعالواقعة عليها منذ عقود.
كما أن الزيارة المرتقبة بين رأس القيادة في البلدين، لا بد أن تتضمن هذا الملف المركزي ولوبمستوى معين، فهو أحد أهم الملفات المعول على عمان أن تلعب دورا فيه لصالح المملكة.
هناك زاوية سياسية أخرى تؤكد تعاضد العلاقات بين البلدين، تلك الزاوية المتعلقة بالملفاليمني، حيث تسعى مسقط بشكل حثيث لإقناع الحوثيين بالمبادرة السعودية، وفي ذلكنشاط عماني مهم لحسم الملفات العالقة بين السعودية وأطراف خارجية كالحوثيين، وفيهذا الملف أيضًا لا يبدو أن دولة أخرى في المنطقة قادرة على خدمة السعودية فيه، كعمان،وهي تفعل ذلك انطلاقًا من إحساسها العميق بالمسؤولية التأريخية، وهو ما يبدو أنالمملكة تثمنه جيدا من جهتها.
ففي هاذان الملفان _أعني اليمني والإيراني_ ترغب السعودية، بالتناغم مع التوجهالأمريكي الجديد، الدافع باتجاه تسوية الملفات في المنطقة وتبرز عمان هنا كنافذة دوليةلحسم القضايا العالقة وفي طريق تجسيد هذه الرؤية، تسابق السعودية الزمن؛ كي تمهدسياساتها بشكل متناغم مع الإرادة الدولية؛ كي تتخفف من القضايا المرهقة لها، وهو مايستدعي مزيد من التلاحم مع عمان ويعزز حلفهما الوثيق كما يتبدى للجميع.
* على المستوى الإقتصادي
يمكن القول أن مجالات التعاون الإقتصادي بين البلدين عمان والسعودية، ما تزال خامةفي جوانب كثيرة، وتتوافر على فرص عديدة، لقد ظل الأمر مرهونا بالوئام السياسي،ولمجرد أن تزداد العلاقة السياسية ترابطًا، تنعكس مباشرة على الجوانب الإقتصادية.
وها هي بوادر هذا التعاون ترتفع وتبشر بمكاسب كبيرة للطرفين، لعل البداية من افتتاحالطريق البري والمنفذ الحدودي المتوقف بين البلدين منذ زمن، طريق رملة خيلة ـ الربعالخالي وهو شريان حيوي هام بين مدن المملكة وعمان، وافتتاحه سيسهم في تعزيزالحركة التجارية بين البلدين ويخفض الكلفة بشكل كبير، ويكفي القول أن الطريقيختصر 800 كيلو بين البلدين؛ كي يتخيل المرء حجم الجدوى العائدة منه بعد تدشينالعمل به.
ولا يقتصر التعاون في هذا المجال على مستوى تحسين خطوط التجارة؛ بل يتقاطع أيضًامع رؤية البلدين الإقتصادية، رؤية المملكة 2030 ورؤية عمان 2050، بما تتطلبه الرؤيتينمن فتح مجالات استثمار كبيرة وتأسيس شركات وعقد اتفاقيات مشتركة لتوسعة سبلالاستثمار بينهما وزيادة فرص العمل وكل هذا النشاط الإقتصادي، يضاعف من قوةالعلاقة بين الدولتين وينعكس ايجابًا على مصلحة الشعبين وتلك هي الغاية النهائية منتنامي العلاقة وزيادة عناصر التشابك بين الدولتين.
الخلاصة: نحن أمام حراك سياسي ودبلوماسي وإقتصادي عال المستوى، بين البلدين،لعل أهم حدث فيه هو القمة المرتقبة بين جلالة الملك السعودي وجلالة السلطان هيثم بنطارق، لا شك أن حدث كهذا لن يكون عاديًا، بل هو تتويج لخطوات تمهيدية كثيرة سبقتهذه الزيارة المرتقبة، وصولا لهذه اللحظة، وأظنها ستكون زيارة تاريخية تدفع بالعلاقةبين البلدين نحو مستويات عليا، لتواصل بعدها الأمور مجراها المأمول، والنتيجة مزيدًامن السلام في المنطقة ومزيد من الرخاء للشعبين.
عمان والسعودية: أتوقع أن تتصدر العلاقة بينهما الشأن العمومي في المنطقة، ويغدوهذا الحلف مصدر أمل كبير، كما لو أننا أمام دورة سياسية تأريخية، تستفتح فيهاالمنطقة حقبة جديدة، وتبشر بفضاء سياسي صحي، والأمر يظل مرهونًا بالمدى الذيستبلغه هذه العلاقة والوتيرة التي ستتصاعد بها وذلك ما سنتركه للأيام.
*رئيس مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية