الرئيسية - عربي ودولي - العلاقات التركية الاماراتية وانعكاساتها على اليمن …تحليل .

العلاقات التركية الاماراتية وانعكاساتها على اليمن …تحليل .

الساعة 10:36 مساءً (هنا عدن / متابعات )

فواد مسعد 

ولا شك أن التحسن في علاقات البلدين يطوي حقبة زمنية ويفتح صفحة جديدة، ولن يقتصر أثره على مستوى العلاقات الثنائية بينهما، ولكن سيكون له امتدادات على المستوى الإقليمي، لما للبلدين من أهمية وحضور وتأثير في المنطقة، وفي مختلف القضايا والأزمات والتطورات الراهنة، سيّما ما يتعلق بالوضع في اليمن والحرب التي تعيشها منذ نحو سبع سنوات، والتي أسفر عنها سقوط قرابة 400 ألف قتيل حتى نهاية العام الماضي، كما أن اليمن تشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.



تركيا والامارات حضور في اليمن

تحضر دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها ثاني أهم دولة، بعد المملكة العربية السعودية، في التحالف العسكري الداعم للحكومة الشرعية اليمنية، وتملك تأثيراً كبيراً في عدد من المحافظات اليمنية، لا سيّما محافظات الجنوب والشرق ومناطق الساحل الغربي المطلة على البحر الأحمر، وفي الوقت نفسه تربط الجمهورية اليمنية بتركيا علاقات قوية ومتينة، ويحضر الدور التركي بقوة في دعم اليمن وحكومته المعترف بها دولياً، في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الدعم السياسي والدبلوماسي، وكذلك الدعم في مجال المساعدات الإنسانية وفي طليعتها الأعمال الإغاثية في الجوانب الصحية وتوفير الخدمات والأجهزة والمساعدات الطبية.

وأدى توتر العلاقات التركية-الإماراتية إلى بعض التراجع للحضور التركي في السنوات الأخيرة، سيّما في مجالات الدعم وتقديم المساعدات الإنسانية في مختلف المحافظات اليمنية، وفي مقدمتها العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة.

ظل الوجود التركي حاضراً في عدد من محافظات اليمن، يمثله في ذلك عدد من المنظمات والجمعيات الخيرية، وعلى رأسها الهلال الأحمر التركي ووكالة التعاون والتنسيق (تيكا) وهيئة الإغاثة الإنسانية التركية ووقف الديانة التركي ومنظمات وهيئات ووكالات تركية أخرى، بيد أن التضييق الذي تعرض له ممثلو الجمعيات التركية، من بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية أدى إلى تراجع هذا الدور وانحساره، مع أنه بقي فترة من الزمن رغم الظروف الصعبة التي واجهها.

لم يقتصر الأمر على انحسار المساعدات الإنسانية التركية، بل تعدى ذلك إلى شن حملات إعلامية واسعة ضد تركيا ومؤسساتها المختلفة بما فيها الجمعيات والهيئات ذات النشاط الإنساني وأعمال الإغاثة، و"شيطنة" تلك الحملات لكل ما له صلة بتركيا والأتراك، وشمل ذلك اليمنيين الذين تربطهم بتركيا روابط دراسة أو عمل أو زيارة، إذ يوجد في تركيا آلاف اليمنيين بينهم طلاب يتلقون تعليمهم في الجامعات التركية، ورجال أعمال ومسؤولون سابقون ونشطاء وإعلاميين أجبرتهم ظروف الحرب على مغادرة البلاد والإقامة في تركيا.

اقرأ أيضا:

أردوغان إلى الإمارات.. ماذا وراء الزيارة؟

ومع التحسن الذي بات يحكم العلاقات بين تركيا والإمارات، فإن المتوقع أن ينعكس ذلك إيجاباً على الوضع في اليمن، بما يتلاءم مع الحضور الذي يمثله البلدان في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب في ظل الأوضاع التي تعيشها اليمن، وفي وقت تزداد حاجتها إلى الدعم والمساعدة في مختلف الجوانب.

في مجال المساعدات الإنسانية يتوقع اليمنيون أن يستأنف الحضور التركي دوره الفاعل والمؤثر، سيّما وقد كان الأتراك في طليعة الداعمين إبان اشتداد المواجهات العسكرية في العامين 2015 و2016، وفي أقسى الظروف التي عاشتها المحافظات اليمنية، وعلى الخصوص منها عدن، حين كانت الجمعيات التركية هي الأكثر حضوراً وإسهاماً في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية التي شملت المساعدات الغذائية والخدمات الطبية، بالإضافة إلى توفير الحقائب المدرسية والكسوة وخدمات المياه والإيواء في عدة مناطق يمنية.

باعتقادي أن الملف الإنساني الذي ركزت عليه المؤسسات الخيرية التركية، عبر مختلف الجمعيات والهيئات التي دعمت اليمنيين، لا يزال يتصدر قائمة الاهتمامات لدى الداعمين الأتراك أفراداً وهيئات، كما أنه لا يزال يشكل الحاجة الأكثر إلحاحاً لدى الداخل اليمني، سيّما فيما يتعلق بدعم المنشئات الطبية التي سجل فيها الأتراك حضوراً نوعياً ملحوظاً، فقدم الهلال الأحمر التركي مستشفييْن ميدانييْن، مزوديْن بأهم الأجهزة والاحتياجات والأدوية والأدوات الطبية، أحدهما للعاصمة المؤقتة عدن والآخر في مناطق ريفية تفتقر للخدمات الطبية.

ولفترة زمنية ظلت منشآت طبية يمنية معتمدة على الدعم التركي، خصوصاً بعض مستشفيات مدينة عدن التي ظلت تتلقى الدعم المتواصل مادياً من خلال تقديم الدعم المالي وتوفير احتياجات المستشفيات، وفي تقديم الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة لتسيير أعمالها وتقديم خدماتها، وظل ذلك الدعم محل تقدير مسؤولي الصحة في اليمن، وكثيراً ما أثنوا على هذا الدعم في ظل انهيار كثير من المرافق والمؤسسات الخدمية بسبب الحرب، وفي مقدمتها المنشئات الطبية سواء كانت منشآت حكومية أو خاصة.

ومع أهمية الدعم في مجال الغذاء والكسوة وخدمات الإيواء للنازحين والمشردين فإن المجال الطبي ظل يتصدر قائمة الاحتياجات اليمنية، وهو ما أدركه الداعمون الأتراك، وعملوا على سد الفراغ الكبير في هذا الجانب منذ وقت مبكر وفي ظروف معقدة وصعبة للغاية.

وبما أن الدور التركي في المساعدات الإنسانية تراجع بسبب توتر العلاقات التركية-الإماراتية، فإن المتوقع، وقد تحسنت هذه العلاقات، أن تجد المساعدات التركية طريقها للمناطق اليمنية وتصل إلى المستحقين كما وصلت في الفترة الماضية، وتشمل هذه المساعدات جوانب عدة، منها ما تقدمه الحكومة التركية من منح دراسية ودعم في مجالات التعليم والتنمية وإعادة الإعمار وغيرها، وما تقدمه المؤسسات والجمعيات الخيرية، أو ما يقوم به الأتراك من حملات إعلامية وإنسانية لدعم اليمنيين، وشارك فيها مسؤولون وشخصيات تركية مشهورة تحظى بشعبية كبيرة داخلياً وخارجياً.

تعزيز دور تركيا لاستقرار اليمن

يتوقع كثير من اليمنيين أن يكون لأنقرة دور أقوى في اليمن، وتجاه الحرب تحديداً، سواء في سياق دعم الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، أو في سياق دعم الجهود الأممية الرامية إلى وقف الحرب ودعوة الأطراف اليمنية للتوافق على تسوية سياسية تضع حداً للصراع وتقود البلاد إلى مرحلة جديدة.

في يناير/كانون الثاني الماضي عيّن الرئيس اليمني سفيراً جديداً لليمن في تركيا، بعدما ظل الموقع شاغراً منذ العام 2018، عندما عين سفير اليمن في أنقرة حينها مندوباً لبلاده في الأمم المتحدة، ويتوقع أن يسهم ذلك في تعزيز العلاقات بما من شأنه تقوية الحضور التركي في اليمن سياسياً ودبلوماسياً، والعمل بتنسيق في المحافل الدولية من أجل إنهاء الحرب وإعادة الاستقرار في البلاد.

خصوصاً وأن رقعة الحرب ظلت تتوسع، مع تدهور الأوضاع العامة في البلد الأشد فقراً في المنطقة، وهو ما يعني تزايد الحاجة اليمنية رسمياً وشعبياً إلى حضور تركي مساند وداعم وأكثر فعالية في المرحلة الراهنة، وفي ضوء التطورات السياسية والعسكرية والتدهور الاقتصادي والمعيشي، وتؤكد المستجدات المحلية والإقليمية حاجة اليمن إلى مواقف مساندة أكثر جدية ومصداقية، من فاعلين يقدمون الدعم اللازم وفق اعتبارات وقيم إنسانية تستند على تاريخ طويل من العلاقات الراسخة والقواسم المشتركة والمصير الإنساني المشترك.