قال الخبير العسكري اللواء المتقاعد محمود إرديسات إن خسائر جيش الاحتلال الإسرائيلي أصبحت أكبر في المعدات والجنود خلال الأيام الأخيرة بعدما توغل داخل مدينة غزة (شمالي القطاع) وبين أبنيتها، وتحولت المعركة مع المقاومة الفلسطينية إلى عملية "عض أصابع" للطرفين، مشيرا إلى أن إسرائيل لا تفصح عن الأرقام الحقيقية لخسائرها.
وأضاف إرديسات -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن إسرائيل ستدفع ثمنا باهظا نتيجة المجازر التي ارتكبتها في غزة، وذلك نتيجة انسحاب جزء من الدعم السياسي الغربي لها، وتحت الضغط الشعبي والمظاهرات في المدن الأوروبية، وتغير المواقف السياسية على مستوى بعض الحكومات الأوروبية.
كما قدم الخبير العسكري قراءة لما يدور في "الجبهة الشمالية" بين حزب الله وجيش الاحتلال، وأشار إلى أن الطرفين لا يرغبان في الصدام حاليا، وربما يكون هناك نوع من التصعيد، لكن لن تكون هناك حرب شاملة بين الجبهتين.
القوات الإسرائيلية منذ التوغل البري حاولت الدخول من 3 محاور: المحور الشمالي الغربي من العطاطرة وبيت لاهيا، والمحور الشمالي الشرقي من بيت حانون، ثم المحور الأخير من الشرق للغرب، وكان من الخاصرة الرخوة في مناطق زراعية في النصف الشمالي لوادي غزة، وتحديدا من منطقة جحر الديك باتجاه طريق صلاح الدين، ومن ثم إلى البحر عند طريق الرشيد.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية اكتمل الحصار هذا، حيث أصبحت القوات تقريبا تحاصر مدينة غزة (الجزء الشمالي فقط من القطاع)، ووصلت القوات من شرق القطاع إلى شارع الرشيد، ثم استدارت شمالا باتجاه ميناء غزة ومخيم الشاطئ للالتقاء مع القوات القادمة من الشمال الغربي من بيت لاهيا.
كلما توغل جيش الاحتلال في المناطق ذات الكثافة السكانية كانت هناك فرص للمقاومة للخروج من الأنفاق واستخدام المباني للتخفي واصطياد الآليات والجنود
وكان الحصار أولا بالنار عبر القصف من دون وجود قوات على الأرض، ولكن الآن أعتقد أن القوات الإسرائيلية على الأرض تحاصر المدينة، وتتوغل إلى الداخل باتجاه مستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي، وللداخل نحو منطقتي الكرامة والرمال.
وهنا أصبحت خسائر جيش الاحتلال أكبر، ويواجه مقاومة أعتى لأنه كلما توغل في المناطق المبنية وذات الكثافة السكانية، كانت هناك فرص للمقاومة للخروج من الأنفاق واستخدام الأرض والمباني للتخفي والتستر واصطياد الآليات والجنود، ولذلك رأينا في الأيام القليلة الماضية زيادة الخسائر سواء كانت في الآليات أو في المعدات أو حتى الجنود، لأن "توغل القوات الإسرائيلية في المناطق السكنية يتوافق مع الخطة التي أعتقد أن المقاومة أعدتها من خلال الأنفاق واستخدام الأرض لمقاومة الاحتلال".
وفي هذه المرحلة هناك عملية "عض للأصابع" من الجهتين، ولكن المقاومة أجدها في وضع يمكّنها من إيقاع أكبر الخسائر، وهي "تربح فيها لأنها كلما أوقعت خسائر في العدو يعد ذلك ربحا للمقاومة".
طبقا لآخر ما صدر عن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام وما صدر من قبل الجانب الإسرائيلي، فإن خسائر الاحتلال في الآليات وصلت إلى نحو 160 آلية بين مدرعة ودبابة وجرافة، أما الخسائر البشرية فالأرقام التي أعلنها جيش الاحتلال هي 45.
بعد انجلاء غبار الحرب سنرى أن خسائر الاحتلال أكبر من الأرقام المعلنة، سواء في الآليات أو المعدات أو الجنود
وأعتقد أن إسرائيل خسرت أكثر من ذلك، وتخفي الأرقام الحقيقية إلى حين تبلغ أهالي القتلى. لكن بشكل عام رقم 45 من المنظور الإسرائيلي قبل هذه الحرب كان رقما كبيرا، أما الآن فإسرائيل خسرت في بداية المعركة (طوفان الأقصى) خسارة كبيرة جدا، ولذلك أصبحت هذه الأرقام متواضعة، ولكن في عرف الجيش الإسرائيلي والتاريخ كان ينظر إلى مثل هذه الأرقام على أنها كبيرة جدا. وأنا أعتقد أنه بعد انجلاء غبار الحرب سنرى أن خسائر الاحتلال أكبر من هذه الأرقام، سواء كانت في الآليات أو في المعدات أو في الجنود.
أما في جانب المقاومة، فهي تنظر للنتائج وليس إلى الخسائر في المقاتلين، هي لا تنظر إلى التضحيات، لأن هذا الشعب في النهاية يريد أن يتحرر، وبالتالي لا بد من دفع الثمن، وهي "تعتبر كل من يقتل تضحية في سبيل التحرر". لكن في الوقت نفسه "كلما وفرت المقاومة في المقاتلين كانت قدرتها على مقارعة الاحتلال أكبر".
لم ينجح بالشكل الذي أرادته إسرائيل حتى الآن، فهي أرادت تفريغ شمال غزة، المتمثل في مدينة غزة بشكل عام وبعض الضواحي حولها. أرادت تفريغ هذه المنطقة لتكون أرضا محروقة ومنطقة عازلة بديلة عن غلاف غزة الذي اقتحمته المقاومة في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إسرائيل تحاول استفزاز حزب الله، خاصة مع وجود حاملة الطائرات الأميركية والبوارج شرق البحر المتوسط، وكذلك الدعم السياسي والمادي الهائل الذي يقدم لها في هذه الحرب
الناس وجدوا أنفسهم في العراء نتيجة القصف، وكانوا يموتون بالشوارع، ربما غادر بعضهم، لكن من استطاع أن يتشبث في المنطقة لم يغادر، وما زال عدد كبير في مدينة غزة، وفي شمال القطاع لم ينزح.
لا أستطيع أن أعطي أرقاما، ولكن هناك عددا كبيرا ما زال في الشمال، فإذا كنا نتحدث عن أنه كان يوجد في شمال غزة أكثر من مليون، فأعتقد أنه ما زال في شمال القطاع أكثر من نصف هذا الرقم، و"هذا الرقم متحرك، ففي البداية غادرت مجموعة كبيرة، لكن جزءا كبيرا منهم عاد مرة ثانية"، ولذلك سيبقى هذا الرقم متحركا.
سيدفع الاحتلال ثمنا باهظا، ففي بداية هذا الهجوم كان الاحتلال يبرر القصف والتدمير بأنه يدافع عن نفسه بعد الذي حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و"في كل مناسبة كان يقول إنه يريد أن يمسح غزة عن الخريطة، وهو يحاول ذلك، ولكنه لن يستطيع الآن".
إسرائيل ستدفع ثمنا سياسيا لم تدفعه طول احتلالها فلسطين لـ75 عاما
ففي البداية "رأينا أن الدول الغربية الاستعمارية كلها وقفت مع العدو الإسرائيلي، وتدعمه بكل ما لديها"، ليس فقط الدعم السياسي، ولكنه دعم مادي وعسكري. "نحن رأينا جسرا -وما زال مستمرا حتى اليوم- من الولايات المتحدة لتعويض العدو عن كل طلقة وكل معدة يخسرها"، لكن هذا الدعم السياسي بدأ يتراجع ابتداء من دول العالم الثالث ووصولا إلى أوروبا الآن، و"أصبح هذا الدعم السياسي ينسحب تحت الضغط الشعبي وتحت المظاهرات التي تقام في كل المدن الأوروبية من مدريد إلى باريس إلى لندن إلى برلين، وفي السويد والدانمارك، وفي أميركا نفسها". ومنذ البارحة نرى مواقف سياسية على مستوى الحكومات الأوروبية تقول إن هذه الحرب يجب أن تتوقف، ويجب أن تتوقف المجازر.
وهذا يجعلنا نقول "إن إسرائيل ستدفع ثمنا سياسيا لم تدفعه طول احتلالها فلسطين لـ75 عاما"، وذلك يعود لعدة أسباب:
في تقديري لا أعتقد أن حزب الله وجيش الاحتلال يرغبان في الصدام في هذه المرحلة، فربما نشهد نوعا من التصعيد، لكن لن تكون هناك حرب شاملة بين الجبهتين، "لأنه لا توجد مصلحة مباشرة لإيران وحزب الله في هذه الحرب"، وربما لأن التقييم العام بأن هذه ليست الحرب النهائية، وإسرائيل أيضا لا تريد فتح جبهة تصعيد أخرى إلى أن تدمر في غزة قدر ما تستطيع، وليس من مصلحتها ذلك خاصة مع تراجع الدعم السياسي في اليومين الأخيرين.
وهناك قراءة أخرى تقول إن إسرائيل تحاول استفزاز حزب الله، خاصة مع وجود حاملة الطائرات الأميركية والبوارج شرق البحر المتوسط، وكذلك الدعم السياسي والمادي الهائل الذي يقدم لها في هذه الحرب، ومن ثم فهي "تريد الانتهاء من العدوين اللدودين مرة واحدة"، وهذا ما تنادي به بعض مراكز الدراسات في إسرائيل.