> كشفت وثائق رسمية عن ارتكاب جرائم بحق المواطنين عبر السماح بدخول أدوية ومواد غذائية تالفة وغير مطابقة للمواصفات والمعايير إلى البلاد من ميناء عدن.
المخالفات الجسيمة تمثلت بالسماح بإدخال مواد غذائية وأدوية مخالفة للمواصفات والمقاييس وغير صالحة للاستهلاك الآدمي إلى أسواق العاصمة عدن على الرغم من التحقق من عدم مطابقتها للمعايير اللازمة.
ويشترط وصول الأدوية عبر البحر أن تكون محملة في حاويات مبردة تحفظ الأدوية عند درجة حرارة معينة لكن العديد من شحنات الأدوية تصل في حاويات عادية تصل درجة الحرارة داخلها إلى أكثر من 50 درجة مئوية عند تعرضه للشمس وبقائها في ساحات الجمارك والميناء بعد أن تكون قد تعرضت لنفس درجات الحرارة طوال مدة شحنها في البحر.
وقال مختصون إن الحاويات المبردة تكلف التجار نحو 30 ألف دولار بينما تكلف الحاويات العادية نحو 2000 دولار ويقومون بدفع غرامة تصل إلى 3000 دولار لتجاوز شرط التبريد.
وبحسب موظفين في جمارك ميناء عدن فقد تم ضبط شحنة من شحنة دواء أبيدون المضاد للحساسية وهي مهربة داخل حاوية حديدية خلف كراتين سجلت على أنها مواد أخرى وكانت مخزنة في درجة حرارة عالية جدًا بسبب الشمس.
دواء أبيدون المضاد للحساسية
وبحسب الوثائق التي تحصلت عليها "الأيام" فإن شحنات من الأدوية والمواد الغذائية الواصلة إلى ميناء الحاويات بعدن مؤخرًا قد تبين من خلال معاينتها وفحصها عدم مطابقتها للشروط والمواصفات المعمول بها من قبل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بعدن والهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية بعدن، إلا أنه تم لاحقًا الإفراج عنها والسماح بدخولها بعد دفع المستوردين مبالغ مالية تحت مسمى "غرامة".
وحذر جمرك المنطقة الحرة بعدن بمذكرة رسمية وجهها إلى المدير التنفيذي للهيئة العليا للأدوية من استمرار وصول شحنات أدوية بحاويات غير مخصصة لحفظ الأدوية إلى ميناء المنطقة الحرة ويتم الأفراج عنها بطريقة مخالفة.
وجاء بمذكرة أخرى وجهها محسن صالح قحطان، مدير عام جمارك المنطقة الحرة، إلى وزير الدولة محافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس: "نحيطكم علمًا بأنه تصل شحنات أدوية إلى ميناء المنطقة الحرة محملة بحاويات غير مبردة وغير مخصصة لحفظ الأدوية وقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبلنا برفع عدة مذكرات إلى الهيئة العليا للأدوية كما تم أخذ تعهدات على مستوردين الأدوية لعدم استيراد أي أدوية بحاويات ولكن مازالت توصل بعض الشحنات محملة بحاويات غير مبردة وغير مخصصة لحفظ الأدوية ويتم الإفراج عنها من قبل الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية.. وعليه فإن أمن المنطقة الحرة وجمرك المنطقة الحرة نخلي مسؤوليتنا عن وصول أي أدوية بحاويات غير مبردة وغير مخصصة لحفظ الأدوية وتتحمل المسؤولية الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، وتم الرفع إليكم للاطلاع والتوجيه إلى من يلزم بما يتم اتخاذه".
وأوضحت وثيقة صادرة في 14 نوفمبر 2023 من قبل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بمكتب ميناء الحاويات عدن أن شحنة مكونة من 600 كيس من مادة الـ"زنجبيل شرائح جاف" مستوردة من نيجيريا تم السماح لها بالدخول على الرغم من عدم مطابقتها للمواصفات القياسية لوجود "بلل وعفن ظاهري على المنتج".
مادة الـ"زنجبيل شرائح جاف" المضبوطة
وبينت وثيقة أخرى صادرة بنفس الشأن بأن الشحنة المفرج عنها من مادة "الزنجبيل" يجب حجزها وعدم الإفراج عنها لحين إعادة تصديرها أو إتلافها طبقا للقانون، إلا أنه تم لاحقا تجاوز الأمر وإصدار توجيهات جديدة من قبل الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بميناء الحاويات وجهت بالإفراج عن الشحنة المخالفة للمواصفات والسماح بدخولها.
صورة أخرى من الزنجبيل التالف
كما كشفت وثائق رسمية أخرى عن مخالفات جسيمة شهدتها عمليات إدخال لأدوية ومستلزمات طبية مخالفة للشروط والمعايير المطبقة في عمليات استيراد الأدوية، حيث تم استيراد تلك الأدوية والمستلزمات الطبية بواسطة حاويات معدنية عادية فيما يستوجب استخدام حاويات مبردة "ثلاجات" في عمليات استيراد الأدوية، وبدلًا من قيام الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة بميناء الحاويات بعدن وجمارك الميناء برفض تلك الشحنات من الأدوية المستوردة بحاويات معدنية غير مبردة مما يفقدها صلاحيتها ويجلها ضارة بالمستهلكين تم السماح بدخولها.
وأفادت الوثائق بإدخال الأغذية والأدوية المخالفة للمواصفات ومعايير الجودة عن قيام تجار أدوية باستخدام الحاويات المعدنية غير المبردة كونها أقل كلفة من الحاويات المبردة "الثلاجات" التي تبلغ كلفتها (40 ألف دولار) وعند وصولها إلى ميناء الحاويات بعدن يتم إدخالها الإفراج عنها بعد دفع (3 آلاف دولار) فقط كغرامة.
سندات استلام صادرة عن الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في الديوان العام لوزارة الصحة بعدن كشفت صراحة عن الإفراج عن شحنات أدوية واصلة إلى عدن بواسطة حاويات معدنية غير مبردة مخالفة لشروط حفظ وسلامة الأدوية، وتوضح إحدى تلك السندات التي حملت الرقم "36640" بتاريخ 24 أكتوبر 2023 استلام مبلغ "اثنين مليون وتسعة وسبعين ألف ريال" مقابل السماح بإدخال شحنة أدوية مستوردة بحاوية غير مبردة وغير مخصصة لنقل الأدوية.
وثيقة رسمية أخرى صادرة تحت مسمى "محضر إثبات حالة" في 1 نوفمبر 2023 بشأن شحنة أدوية استوردت بواسطة حاوية معدنية غير مبردة، بينت أن حاوية شحنة الأدوية التي حملت الرقم "7709695" تم معاينتها بحضور موظف الجمارك (المعاين الجمركي) ومندوب قسم مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في شرطة المنطقة الحرة ومندوب الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، وعلى الرغم من تأكيد وثيقة المحضر الرسمي أن الشحنة استوردت بـ "حاوية نوع حديد ليست حاوية مثلجة" وغير مخصصة لحفظ الأدوية إلا أنه تم صرف شهادة إفراج عن شحنة الأدوية من قبل هيئة الأدوية تحمل المرجع "و ص ع/هـ ع/19/م ع 23/17" بتاريخ 30 أكتوبر 2023م وتم الإفراج عن الحاوية المخالفة للشروط والمواصفات.
ويستخلص من الوثائق والمحاضر الرسمية المذكورة والتي تم بموجبها الإفراج عن شحنات أغذية وأدوية مخالفة لشروط ومواصفات الجودة ومعايير الاستهلاك الأدمي، أن مسؤولين في الجهات المعنية بالمحافظة على سلامة وجودة الأغذية والأدوية المخصصة للاستهلاك الأدمي قد تحولوا إلى مسهلين لإدخال الأدوية والأغذية المخالفة إلى عدن من خلال إصدار تراخيص لشحنات يستوجب إتلافها وعدم إدخالها إلى البلاد لما تمثله من ضرر بالغ على صحة وسلامة المستهلكين.
وحملت الوثائق الرسمية التي تحصلت عليها "الأيام" والتي تم بموجبها الإفراج عن شحنات أدوية وأغذية مخالفة للشروط والمعايير توقيعات كل من: د. عبدالقادر أحمد الباكري المدير العام التنفيذي للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، العميد عبدالناصر العيدروس نائب مدير أمن المنطقة الحرة، مندوب مكافحة المخدرات علي السيد، رئيس قسم التحريات معين الميسري، فهد جميل مدير مكتب الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة،
وتؤكد الوثائق بأن جانبًا كبيرًا من المستوردين يتعمدون استيراد الأدوية بواسطة حاويات حديدية غير مبردة وغير مخصصة لحفظ الأدوية، على الرغم من علمهم بأن الحرارة المرتفعة طوال فترة نقلها بحرًا من بلد التصدير إلى مدينة عدن ستؤدي إلى تلف تلك الأدوية داخل الحاويات غير المخصصة لنقل الأدوية، وذلك لتوفير مبالغ استئجار الحاويات المبردة "ثلاجات" بعد تأكدهم من سهولة إدخالها إلى الأسواق بعد دفع مبالغ بسيطة للمسؤولين عن ضبط المواصفات والمقاييس في الجهات المعنية تحت مسمى "غرامة" فيما كان المفترض وفقا للقانون رفض السماح بدخول تلك الشحنات وإتلافها أو إعادتها إلى بلد المنشأ، وبسبب تلك المخالفات الجسيمة من قبل الجهات الرسمية المعنية أصبح استيراد شحنات الأدوية المخالفة للمعايير والشروط إلى عدن أرخص بكثير من استيرادها بطريقة مطابقة للشروط المطلوبة.
وبناء على ما سبق من وثائق رسمية وحقائق تفضح الجرائم الجسيمة لإدخال الأدوية والأغذية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي إلى مدينة عدن عبر الجهات المعنية في ميناء المنطقة الحرة، فإن "الأيام" تتقدم ببلاغ إلى النائب العام للجمهورية فضيلة القاضي قاهر مصطفى لفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بوقف تدفق الأدوية والأغذية غير الصالحة عبر منافذ عدن.