وسط سيل الأغاني التي أطلقتها عملية "طوفان الأقصى" لدعم القضية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، برزت مجموعة من الأغاني التي نالت اهتماما خاصا من الجماهير، ومن بينها أغنية "تحيا فلسطين" (Leve Palestina) السويدية، و"فلسطين لن تموت أبدا" للبريطاني لوكي، و"دفنت الشمس نفسها في غزة" لمغني الراب الفرنسي كيري جيمس، و"أوقفوا نيرانكم" للمطرب العراقي كاظم الساهر، وغيرها.
وانطلقت "تحيا فلسطين" كأنها واحد من صواريخ المقاومة، لتنتشر في سماء الكرة الأرضية وتنعكس على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم لغتها السويدية، فقد تحولت إلى رمز للتضامن مع القضية الفلسطينية في السويد والعالم كله، وأصبحت النشيد الرسمي لمظاهرات ومسيرات الضامن مع غزة خلال الفترة الماضية.
ولعل الأغنية التي أدتها للمرة الأولى فرقة "الكوفية" الفلسطينية في ستوكهولم عام 1978، تحمل في قصة ولادتها مسارا يشبه القضية، فقد هاجر كاتبها وملحنها جورج توتري ابن الناصرة بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 إلى السويد، ليحكي قصة القضية التي حملها معه إلى المهجر، ويكوّن فرقة "الكوفية"، وينتظرما يقرب من 50 عاما حتى يسمع من شُرفة بيته كلمات أغنيته التي رددتها جماهير المتظاهرين في شوارع ستوكهولم، وفي عام 2004 غنتها الفرقة السويدية سبارتاكوس ضمن ألبوم أصدروه في ذلك العام (Med Sången Som Vapen).
وهاجر جورج توتري من فلسطين إلى السويد، والتحق بإحدى الجامعات السويدية في مجال الاقتصاد والرياضيات، كما مارس التدريس الجامعي، وأسس المهاجر الفلسطيني فرقة موسيقية أطلق عليها اسم "كوفية" نسبة إلى الكوفية الفلسطينية، وذلك في عام 1972. وقال توتري في تصريحات صحفية: "وُلدت فرقة كوفية في عام 1972 مكونة من 12 شخصا، جميعهم أساتذة وخريجو معاهد موسيقية من جنسيات مختلفة، وكنت أنا الفلسطيني الوحيد بينهم". وتحولت الأغنية الأيقونة "تحيا فلسطين" بلغتها السويدية إلى موضوع جدلي في السويد، واتُهمت بمعاداة السامية بسبب جملة "تسقط الصهيونية".
وكان حزب الاتحاد الاشتراكي السويدي ردد كلمات الأغنية في مسيرة عيد العمال أول مايو/أيار 2019 بمدينة مالمو جنوب السويد، فقام رئيس اللجنة السويدية لمناهضة معاداة السامية بتوجيه اتهامات بأن هذه الأغنية تحمل مصطلحات معادية للسامية، ليصل الأمر إلى البرلمان السويدي الذي ناقش أمر الأغنية، ودافع عنها كثير من أعضاء الحزب الاشتراكي السويدي، مؤكدين أنها تعبر عن موقف سياسي ضد احتلال فلسطين، وليس ضد إسرائيل أو الشعب اليهودي.
ودافع الشاعر والملحن جورج توتري المتقاعد حاليا والذي يبلغ عمره حاليا 77 عاما، عن أغنيته في تصريحات صحفية مؤكدا أنها ليست معادية للسامية أو اليهود، بل هي تعبير عن رفض الاحتلال، وقال: "أنا لم ولن أكون في يوم من الأيام ضد اليهود، أنا أريد أن أُظهر فقط للعالم كيف يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين".
وأضاف أن "الظروف التي كتبت بها هذه الأغنية قبل نحو 50 عاما كانت تلبي الحاجة للتعريف بالفلسطينيين وبقضيتهم، فقد كانت السويد مثلها مثل بقية العالم لا تعرف إلا القليل جداً عن وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني، لذلك تقول كلمات الأغنية: إننا شعب زرعنا وبنينا في أرضنا منذ آلاف السنين".
وفي أوروبا أيضا لمع اسم الفنان البريطاني ذو الأصل العراقي "لوكي" الذي يعتبر نفسه مناضلا لأجل تحرير فلسطين ويستخدم الغناء في نضاله، فقد أطلق لوكي ومواطنته المغنية مي خليل عملا غنائيا لافتا بعنوان "فلسطين لن تموت أبدا" يجمع بين الغناء والراب، وبين العربية والإنجليزية في كلمات الأغنية، كما يجمع فنون الكلام والشعر والنثر والأداء الغنائي.
يقول لوكي للجزيرة نت: إن الأغنية التي تتميز بتعدد الإيقاع والشعر؛ هي "مساهمتنا المتواضعة لهذه القضية العادلة، ومحاولة لتمكين الشباب في الغرب ممن لديهم شغف بتحرير فلسطين"، واعتبر أن الكلمات أصابتهم بالقشعريرة وهي تعكس الواقع الحالي.
وأردف: "نتمنى أن تمنح الأغنية شجاعة وجرأة أكثر لمن يتكلمون عن فلسطين فلا يخافون من مواجهة اللوبي الصهيوني في بلدانهم"، واعتبر أن الظروف التي ألهمت الأغنية هي "الإحساس بالعجز والشلل السياسي.. ومن حقنا في الغرب التضامن مع شعبنا".
وأشار لوكي إلى أنهم اختاروا المزج بين العربية والإنجليزية في الأغنية، لأن ذلك المزيج "يعكس الواقع الذي نعيشه"، مؤكدا أنهم استلهموا كلمات تراثية لتفيد الأجيال الجديدة، وتعمق صلتها بماضيها.
وفاجأ مغني الراب الفرنسي كيري جيمس المشاركين في مسيرة داعمة لفلسطين بالعاصمة الفرنسية باريس في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأداء أغنية منددة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ووثق مقطع فيديو نُشر على منصات التواصل الاجتماعي، مداخلة مغني الراب كيري جيمس التي أدى فيها أغنية بطابع الأسلوب الحر -أو "فري ستايل"- المعروف في فن الراب، وندد فيها بعدوان الاحتلال على قطاع غزة.
ويصف كيري جيمس الحال عبر أغنيته قائلا:
لقد دفنتْ الشمس نفسها
فقدت النجوم انحرافها وتسألني عن حالي
أريد أرقام الموتى المجهولين
عندما تسكت شفاه العالم ويغلق الباب في وجهك
حتى المهرجون لا يفقدون ابتسامتهم أبدا ويجدون ألف سبب للموت
والشمس مدفونة تحت الركام
والقمر مُحتضن بين ذراعيه
لكن أنت يا والدي تسألني كيف تسير الأمور؟
عندما تكون العدالة خجولة والسلام موجود في القش
نحن نخلق سعادة مزيفة.
وختم أغنيته قائلا:
المستشفيات أصبحت مقابر
والدماء تحوّل الأنهار إلى اللون الأحمر
رأيت السلام على نقالة
ووجهه أبيض من الغبار
تائهين في المقابر الجماعية، ولم يعد العقل يجد منبرا
رأيت الدم على الحمامة الضائعة
وسمعت أصوات "أحبك" تحت القنابل
دفنتْ الشمس نفسها تحت غزة
واحتضن القمر بين ذراعيها
فقدت النجوم بريقها
وتسألني "كيف حالك"؟
وطرح الفنان كاظم الساهر أغنية "أوقفوا نيرانكم" (Hold Your Fire) باللغة الإنجليزية، موجها من خلالها رسالة لوقف إطلاق النار في غزة. وتضمنت الأغنية المصورة بعض مشاهد الدمار والخراب التي تعرض لها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وصرح المطرب العراقي للصحف أنه اتفق مع جمعية الأمم المتحدة للموسيقى الكلاسيكية -التي شاركت في الإنتاج- على البدء في تجهيز الأغنية، فكتب الكلمات باللغة العربية في البداية، قبل أن تُترجم إلى الإنجليزية.
وكان 25 مغنيا وموسيقيا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شاركوا بالغناء في أوبريت "راجعين" بلهجات عربية مختلفة للتعبير عن دعمهم للقضية الفلسطينية والتنديد بالحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
ومن المشاركين عدد من مؤدي أغاني الراب المصريين كعفروتو ومروان بابلو ومروان موسى ودافنشي، إلى جانب المطربة دينا الوديدي والمطرب أمير عيد ودنيا وائل ومؤدي الراب التونسي نوردو، كما شاركت فيه المطربة الفلسطينية الأردنية دانا صلاح وسيف شروف وعصام النجار وأيضا وسام قطب وعمر رمال وزين وفؤاد غريتلي وفورتيكس، فضلا عن بلطي وسمول إكس وسيف بطاينة وسيف الصفدي.
ووضع صناع الفيديو الخاص بالأغنية جملة "نحن لا نتضامن مع القضية، نحن أصحابها" ضمن المحتوى الذي صُور في الأردن بإدارة المخرجين الفلسطيني عمر رمال والليبي أحمد كويفية، والكليب للمنتج الفني والموزع ناصر البشير.
ومن جهته طرح المطرب المصري علي الحجار أغنية "من فوقنا من سابع سما" بعد ساعات من قصف غزة؛ وهي من كلمات الشاعر والملحن محمد ياسر، وتوزيع وسام عبد المنعم، وأهداها الحجار إلى جميع القنوات المصرية والعربية لإذاعتها. وينشد علي في بدايتها:
من فوقنا من سابع سما شاهد على الأحداث
وإن فات سنين قصتنا عايشة محفوظة وسط الناس
أبطال تعيش وتضحي لأجل الحلم والأجيال
ولأجل أرض اختارها رب ميمسهاش خناس
عايزين يصفّوا حلم أمة بتحلمه لسنين
ويفرقوا الشمل اللي ما يقدر عليه القادرين
وقدمت الفنانة الأردنية ديانا كرزون أغنيتها "الشعب البطل" عبر قناتها الرسمية في يوتيوب، بعد أسبوع من بدء القصف
ولم يتوقف المطربون العرب عن الغناء يوما لفلسطين، ولم تغب فلسطين عن كبار النجوم أو صغارهم بدءا من أم كلثوم وفيروزو وعبد الحليم حافظ، ومرورا بمارسيل خليفة الذي خصص أغلب أغانيه للقضية، والمطرب المصري أحمد سعد، والكويتي نبيل شعيل، وغيرهم، وانتهاء بمطربي المهرجانات ومؤدي الراب.