قبل أن يتوجّه رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي والوفد المرافق له إلى حضرموت بنحو شهر؛ كانت عدد من المكونات السياسية قد رفعت صوتها منادية السلطة المحلية بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين بعد سنوات من معاناة متواصلة لأبناء المحافظة النفطية.
وكان الصوت الأبرز قبل زيارة العليمي، مهلة أعلنها مؤتمر حضرموت الجامع لقيادة السلطة المحلية في المحافظة وهي 30 يوماً بدأت من تاريخ 13 يوليو الماضي لتنفيذ عدد من المطالب؛ مهدداً بإعلان أبناء حضرموت "إجراءات مؤلمة تبدأ ولا تنتهي إلا برفع الظلم".
وقال الحلف حينها في بيانه: "تشهد حضرموت واقعًا خدميًا ومعيشيًا واداريًا مترديًا، ويعاني فيه أبناؤها حالة من البؤس والمعاناة سببتها لهم سياسيات تسلطية افتقرت إلى الرؤية للتعاطي مع الإشكاليات والتحديات بروح المسؤولية والبحث عن الحلول والمعالجات".
ومن ضمن المطالب التي دعا لها حلف قبائل حضرموت: إيجاد معالجات وحلول مع ممثلي المعلمين، وإنهاء حرمان الطلاب من حقهم في التعليم، والكشف بشفافية عن إيرادات حضرموت، وأوجه انفاقها، وإنهاء حالة التفرد بالسلطة، والعمل بالتوافق في اتخاذ كافة القرارات.
كما طالب مؤتمر حضرموت الجامع بتشكيل لجنة مشتركة مع السلطة يكون فيها المجتمع شريكًا أساسيًا لإدارة الموارد المالية لحضرموت وأولويات الإنفاق، والإعلان عن رؤية تنفيذية مزمّنة لإصلاح الكهرباء بعموم حضرموت، وإيجاد الحلول والمعالجات محليًا ومركزيًا لإيقاف التدهور المعيشي وانهيار قيمة العملة، وإنقاذ المواطنين من المجاعة والفقر.
وفي 27 يوليو الماضي وصل العليمي إلى حضرموت، في زيارة هي الثانية له بعد زيارة سابقة كانت في يونيو 2023م، وأشار في الزيارتين أن المجلس الرئاسي والحكومة "ملتزمان بتعزيز دور السلطات المحلية في محافظة حضرموت..".
ورغم تأكيده على أن زيارته تأتي لدعم جهود السلطة المحلية في تحقيق الأمن والاستقرار، وتحسين الخدمات، إلا أن المكونات استبقت زيارته بإعلان رفضها لها، وتأكيدها على تلبية مطالبها في المهلة المحددة.
وتبنّى رئيس مؤتمر حضرموت الجامع عمرو بن حبريش المطالب، وغادر المكلا بعد يومين من وصول العليمي، وقال مصدر مقرب من الحلف يومها إن بن خبريش أبلغ وسطاء العليمي بضرورة أن تكون إدارة حضرموت من أبنائها "مالم فإن المحافظة لا تعترف بهم ولا بشرعيتهم".
رئيس الدائرة السياسية بمؤتمر حضرموت الجامع عبد العزيز جابر قال إن رفض المؤتمر زيارة العليمي إلى حضرموت جاءت "نتيجة ممارسة الحكومة، والتهميش والإقصاء للمحافظة والمؤتمر".
وأكّد جابر، في تصريح لـ"المهرية" أن المؤتمر سيدافع عن حقوق حضرموت، مشيراً أن من حق المحافظة أن تدافع عن ثرواتها المسلوبة في وقت تشهد أزمات اقتصادية ومعيشية وتدرياً للخدمات الأساسية.
الثروة النفطية في حضرموت
تنتج محافظة حضرموت من حقل المسيلة الذي تديره شركة (بترو مسيلة) الحكومية نحو 100 ألف برميل يوميًا مخصصة للتصدير إلى الخارج، وتشكّل إجمالي إنتاج اليمن من النفط الخام في الوقت الراهن مع توقف عدد من القطاعات النفطية عن التصدير.
وقطاع النفط والغاز أهم مصدر لإيرادات الحكومة في اليمن، إذ يشكّل ما نسبته 70 % من الدخل.
لم يحرص العليمي في زيارته على لقاء من أطلقوا الدعوات لتمكين أبناء حضرموت من محافظتهم، وتحسين الخدمات الأساسية فيها اعتماداً على عائدات النفط الذي تنتجه المحافظة؛ وبدا وكأنه جاء ليؤكّد دعم السلطة المحلية ليس إلا.
احتشاد وتحذيرات قبلية
بينما كان العليمي لايزال في المحافظة، أصدر حلف قبائل حضرموت بياناً قال فيه إنه يمهل المجلس الرئاسي والحكومة والسلطة المحلية 48 ساعة لتنفيذ مطالبه السابقة، مهدداً بوضع يده على كامل الأرض والثروة الحضرمية.
وقال البيان: على رئيس مجلس القيادة الرئاسي الاعتراف بحق حضرموت، وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية، وحذّر من الإقدام على التصرّف بنفط حضرموت أو تصديره وتسويقه إلا بعد ضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها.
وتابع: يعتبر المخزون النفطي في خزانات ضبة والمسيلة حق من حقوق حضرموت، ولن نتنازل عنه، وتسخّر قيمة هذا النفط لصالح شراء طاقة كهربائية للمحافظة.
حينها انتقال المشهد إلى الهضاب، وبدأ حلف قبائل حضرموت عقد لقاءات مع قيادة ورموز وقبائل وأعيان الحلف، وعدد من القبائل والمكونات في المحافظة.
انتهت المهلة في الثاني من أغسطس 2024 وبدأ الحلف أول خطوات التصعيد، إذ توافدت القبائل المسلحة للبسط على ثروات حضرموت، ونصبت نقاط تفتيش في مداخل ومخارج الشركات النفطية، ومنعت مغادرة أي ناقلات نفط إلى خارج المحافظة.
ماذا فعلت السلطة المحلية؟
مثلما فعل المجلس الرئاسي لم تقم السلطة المحلية بالتعامل مع مطالب أبناء حضرموت وعلى رأسهم الحلف، لكنّها دعت في 5 أغسطس إلى "وحدة الصف وتوحيد الكلمة"، وقالت إنها تقف مع "مطالب أبناء حضرموت المشروعة".
وقال المحافظ مبخوت بن ماضي إن "القوة ووحدة الصف ليست برفع السلاح على بعضنا البعض، ولسنا خائفين أبدًا وكلنا نعرف السلاح، ولا أحد يلوح أمامنا به، ولكن لابد أن نعرف أين نوجّه هذا السلاح، وعندما نعرف على من نوجّه هذا السلاح فنحن معكم".
انعكاسات التصعيد
لم يجد الحلف ردة فعل إيجابية نحو مطالبه التي تكررت منذ سنوات، فواصل التصعيد بنصب النقاط أمام مداخل ومخارج شركات النفط، وبينما قال الحلف إنه سمح بمرور ناقلات النفط المخصص للكهرباء، تزايدت ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين، وقالت المؤسسة إن الانقطاع بسبب عدم وصول الوقود نتيجة "التقطعات".
وأكّد الحلف "تسهيل مرور الكميات المطلوبة من مادة الديزل من شركة بترومسيلة لمرافق الخدمات العامة من كهرباء ومياه وغيرهما لمختلف مناطق حضرموت بإشراف اللجنة المختصة لضمان وصول هذه الكميات من الوقود إلى أماكنها الصحيحة".
رفضت السلطة المحلية في حضرموت التعامل مع لجنة شكّلها الحلف لتوفير الوقود للمؤسسات الحكومية، وقالت السلطة إنها "لن تتعامل مع أي لجان لا تمتلك الشرعية القانونية"، وحمّلتها "المسؤولية القانونية إزاء تدخّلها في أي اجراءات رسمية".
وقالت السلطة إن ذلك "سيشكّل خطراً على حالة الأمن والاستقرار الذي تنعم به المحافظة، وسيعمل على تفكيك النسيج المجتمعي وتعميق الانقسامات داخل المجتمع، مُحذّرة من اتخاذ أي قرارات تميل إلى المصالح الذاتية ولا تخدم المصلحة العامة".
هذا البيان والرفض اعتبرته اللجنة المكلّفة من حلف قبائل حضرموت "يوحي بأن الجهات المختصة تتعامل بأمور غير واضحة وغير شفافة، وسيشكل عائقًا أمام مرور أي ناقلة نفطية".
وتكشف هذه البيانات جانباً من الصراع حول النفط بين السلطة المحلية في المحافظة والحراك الشعبي المطالب بتحسين الخدمات الأساسية، والدعوات التي تؤكد ضرورة منح حضرموت حصة أكبر من النفط على اعتبار أنها منتجة ومصدرة ولا تزال تعاني الأزمات المتكررة.
حضرموت إلى أين؟!
تعيد حالة الاحتقان هذه الذاكرة إلى سنوات سابقة، كانت الهبة الحضرمية وغيرها من المكونات تدعو لتحقيق مطالب لأبناء المحافظة، وتصادمت مع السلطة المحلية حينها ووصلت إلى فض الاعتصامات والاعتقالات.
ويُخشى أن يتصاعد الخلاف ويصل لمرحلة صراع قد يجرُّ المحافظة إلى أزمة أكبر تهدد حالة الأمن والأمان في حضرموت خاصة في ظل استمرار الخلافات حول النفط وعائداته وطريقة إدارة شؤون المحافظة النفطية.