وما يسطرون – يحيى محمد الشرفي – المساء برس|
منذ إعلان حكومة صنعاء بقيادة حركة “أنصار الله” الحرب على الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب العدوان على غزة، تحولت اليمن إلى لاعب رئيسي في معركة كسر الهيبة الإسرائيلية. العمليات اليمنية العسكرية التي شملت استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ الباليستية الفرط صوتية والمجنحة، إضافة إلى الطائرات المسيرة، أحدثت صدمة نفسية ومادية لدى الاحتلال، وأسقطت مزاعم الأمن والاستقرار التي طالما تغنى بها.
ضرب العمق الإسرائيلي: صدمة نفسية متصاعدة
الهجمات اليمنية، خاصة التي تُنفذ في ساعات الليل، تحولت إلى عامل رئيسي في خلق حالة من الذعر والتوتر لدى الإسرائيليين. صحيفة “جيروزاليم بوست” وصفت هذه الهجمات بأنها “حرب نفسية متطورة تهدف إلى خلق إرهاق نفسي تراكمي”. وأشارت إلى أن “كل ضجيج طفيف خلال الليل بات يُعتبر حدثًا دراميًا بالنسبة للمستوطنين”.
كما ذكرت الصحيفة أن هذا التأثير النفسي يزداد عمقًا مع اضطراب دورات النوم لعشرات الآلاف من الإسرائيليين، ما يؤدي إلى حالة من الإرهاق المستمر وعدم القدرة على التركيز خلال النهار.
وفي تأكيد لهذا التأثير، أشار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن الاستراتيجية اليمنية تهدف إلى “استنزاف السكان الإسرائيليين وزيادة الضغط على الحكومة لإنهاء حملتها في غزة”.
فشل المنظومات الدفاعية: انهيار هيبة التكنولوجيا العسكرية
الهجمات اليمنية كشفت ضعف المنظومات الدفاعية الإسرائيلية، بما في ذلك منظومتا “السهم” و”ثاد” الأمريكية. ورغم استخدام أكثر من صاروخ اعتراضي للتصدي لصاروخ يمني واحد، فإن الدفاعات الإسرائيلية فشلت مرارًا، ما سمح للصواريخ اليمنية بضرب أهداف في عمق الأراضي المحتلة.
صحيفة “إسرائيل اليوم” أكدت أن “الحوثيين” هم “العنصر الأكثر نشاطًا في محور المقاومة”، وأشارت إلى أن سرعة ودقة الصواريخ اليمنية جعلت “شبكة الإنذار المبكر” الإسرائيلية غير فعالة، حيث لا يستطيع المستوطنون الوصول إلى الملاجئ في الوقت المناسب.
هذا الإخفاق الأمني أدى إلى تدافع عنيف عند مداخل الملاجئ، ما تسبب في إصابات بين المستوطنين، كما أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن أكثر من 882 إسرائيليًا أُصيبوا أثناء محاولتهم الاحتماء من الهجمات.
الضربات الاقتصادية: شلل في مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي
لم تقتصر تداعيات الهجمات اليمنية على الجانب العسكري والنفسي، بل امتدت لتشمل الاقتصاد الإسرائيلي. وكالة “أسوشيتد برس” أوضحت أن الهجمات اليمنية على السفن في البحر الأحمر تسببت في إغلاق شبه كامل لميناء إيلات، وأجبرت السفن على اتخاذ مسارات أطول عبر إفريقيا للوصول إلى الموانئ الإسرائيلية.
كما أن استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيرة أدى إلى تعليق حركة الطيران الدولي، ما وجه ضربة كبيرة لقطاع السياحة والاستثمار. وأكدت الوكالة أن “إطلاق الصواريخ شكل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الإسرائيلي، ومنع البلاد من استعادة استقرارها الاقتصادي”.
عجز الردع الإسرائيلي: ردود غير فعالة
إسرائيل، التي اعتادت الاعتماد على الضربات الجوية كوسيلة للردع، تجد نفسها عاجزة أمام التهديد اليمني. صحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت إلى أن “الهجمات الجوية الانتقامية لم تؤدِ إلا إلى تعزيز الدعم المحلي للحوثيين، في حين فشلت في وقف الهجمات”.
وأضافت الصحيفة أن بُعد اليمن عن إسرائيل، ونقص المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن قدرات الحوثيين، جعل الاحتلال في موقف صعب، حيث لا يمكنه استخدام نفس استراتيجياته التقليدية للردع.
رسائل صنعاء: معادلة جديدة في الصراع
قيادة صنعاء أكدت أن العمليات العسكرية ستستمر حتى يتم رفع الحصار عن غزة ووقف العدوان الإسرائيلي. هذا الموقف القوي فرض معادلة جديدة في الصراع، تقوم على استنزاف العدو نفسيًا واقتصاديًا، وإجباره على إعادة حساباته في مواجهة محور المقاومة.
صحيفة “جيروزاليم بوست” حذرت من أن استمرار هذه الهجمات “يقوض العلاقة بين القيادة الإسرائيلية والجمهور”، ويزيد من الانتقادات الداخلية لحكومة الاحتلال بسبب عجزها عن حماية المستوطنين.
اليمن في محور المعركة الكبرى
العمليات العسكرية اليمنية ضد إسرائيل أثبتت أن صنعاء ليست مجرد لاعب هامشي في الصراع الإقليمي، بل قوة استراتيجية قادرة على تغيير موازين القوى. نجاحها في زعزعة أمن الاحتلال، وتحقيق تأثير نفسي واقتصادي عميق، يجعلها نموذجًا يُحتذى به في معركة النفس الطويل ضد الهيمنة الإسرائيلية.
ومع استمرار الفشل الإسرائيلي في احتواء الهجمات، يبدو أن صنعاء ستظل لاعبًا رئيسيًا في رسم مستقبل الصراع، وتحقيق مكاسب استراتيجية لمحور فلسطين ومقاومته والشعب الفلسطيني.