2025-02-10
فذهبنا إلى الكويت وكلنا تفاؤل وأمل بتلك الزيارة غير الرسمية التي اعتبرها أمثالي بمثابة عودة لتواجد ثقافي وإعلامي جديد بين البلدين والشعبين الشقيقين، بعد قطيعة (مقبولة!) من دولة الكويت الشقيقة لليمن، رغم استمرار وجود سفير أو قائم بالأعمال كويتي بصنعاء، ووجود قائم بالأعمال يمني بالكويت، وذلك بسبب وقوف الرئيس الأسبق صالح -رحمه الله وعفا عنه- مع الرئيس صدام حسين -رحمه الله- عند مغامرته المتهورة والقاتلة له، في دخوله جارته دولة الكويت كما هو معروف!
والتقينا في تلك الزيارة بعض أهم كبار مسؤولي الدولة، بجانب بعض كبار مسؤولي بعض الهيئات والمؤسسات الرسمية والأهلية وغيرها، وبعض أعضاء مجلس الأُمة الكويتي، وفي مقدمتهم الرجل الاستثنائي بحق الدكتور أحمد الربعي، رحمه الله، ثم وهو الشَّاهِد من التذكير بتلك الزيارة، التقينا الأُستاذ الدكتور سعد بن طِفلة العجمي، عنوان هذه "الدردشة"، والذي كان يومها وزيرًا للإعلام حسبما أذكر (أتذكر أننا عند العودة إلى صنعاء، كتبتُ مقالة من ثلاث حلقات، في صحيفة "26 سبتمبر" الأُسبوعية الرسمية، عن زيارة الكويت، بعنوان: "خَوَاطِر.. تَسُر الخاطِر")! وحينما التقينا الدكتور سعد، وجدناه ذا أخلاق رفيعة وبساطة رغم مكانه ومكانته، وترحيب حار بنا، وثِقة بالذات، بخاصة عند النقاش في ما بيننا، ولم نستغرب استمرار اعتزازه بإعادة الوحدة اليمنية، كحال الكثيرين من أمثاله في الكويت الشقيقة، رغم استغرابه من موقف الرئيس الأسبق من احتلال النظام العِرَاقي لوطنه، مؤكدًا أن ذلك الموقف كان آخر ما توقعه هو وقادة وحكومة وشعب الكويت من اليمن، والتي -يقصد الكويت- كان لها الفضل بعد الله، في المُسَاهمة ولم شمل قيادتي شطري اليمن ولقائهما في الكويت قبل الوحدة وصولًا إلى تحقيقها! الخ.. وهو صادق! أتذكر أنني كتبتُ رأيه ورأي غيره أيضًا، إضافة إلى ردودنا ولقاءاتنا الصحفية والإعلامية بالكويت، بنفس مقالتي التي أشرتُ إليها آنفًا!
لنأتي إلى السبب أو الدافع لما أسهبتُ بذكره هنا، والذي يتمثل بمقالة للعزيز الدكتور سعد بن طفلة العجمي، وزير الإعلام الكويتي الأسبق، الذي كثيرًا ما أتابع وأقرأ له عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ومن ذلك مقالته أو منشوره موضوع هذه "الدردشة" يوم 31 يناير الماضي، نَقَلتُه من حسابه على منصة إكس: "إندبندنت عربية"، بعنوان: "أنجيلا ميركل، والوحدة اليمنية.. دعوة للتفكير خارج الموروث السياسي الخيالي، ومراجعة الشعارات.. للوصول لحلول عقلانية وسلمية!".
فبدأ يذكر عند قراءته لمذكرات المستشارة الألمانية السابقة وعنوانها: "الحرية" (لم أقرأها شخصيًا حتى اللحظة!)، والتي تتحدث في مذكراتها تلك عن حياتها الأُولى وصولًا إلى أعلى سلطة ببلادها كمستشارة أو كرئيسة للوزراء في ألمانية الاتحادية طيلة 16 عامًا.. الخ..
وينقل موضوع عنوان هذه الدردشة عن أنجيلا، حديثها عن "سقوط جدار برلين وتوحيد الألمانيتين، ودون أن يُقتل إنسان واحد في عملية الوحدة الاندماجية الألمانية"، ثم تتساءل، هل يقصد سعد أن أنجيلا ميركل هي التي تتساءل، أم أنه هو الذي يتساءل، حينما نقل من المذكرات قولها أو قوله: "تتساءل.. أو يَتَساءل كم دفع اليمنيون من الدماء والخراب والحُرُوب من أجل توحيد اليمن!"، إلى آخر تلك الجُمل أو الفقرات، والتي منها ذلك التساؤُل الذي أعتقد أنه هو الذي يتساءل وليس أنجيلا، بدليل قوله -أعني سعد- بعد ذلك وبالنص: "من أجل ماذا؟! من أجل توحيد يَمَنين لم يكونا مُوَحَّدين أبدًا طوال تاريخهما؟!
فلم يعرف التاريخ يمنًا موحدًا، بل عَرف مَمالِك ومشيخات وسلطنات مُتنَاثِرة عبر تاريخه، بينما كانت ألمانيا واحدة حتى عام 1945م حين قسمها الحُلفاءَ بعد الحرب العالمية الثانية"، هكذا قال! وبعد حديثه عن انفصال تشيكوسلوفاكيا التي أصبحت جمهوريتين، يُواصل حديثه ضد اليمن ووحدته، فيتساءل: "لماذا لا ينفصل اليمن ويُصبح يمنين؟ ولِمَ لا نفكر خارج الصندوق، ونُعيد فصل شمال اليَمن عن جُنُوبه؟!"..
إلى غير ذلك من (التفاهات) التي قالها سعد بن طفلة العجمي، وإنما أقول (تفاهات) لأن ما قاله هو كذلك، بخاصة قوله: "فلم يعرف التاريخ يمنًا واحدًا"! وهي الجملة التي دفعتني لهذا الرد الموجز بالذات، بعد تردد لبضعة أيام، ولأنني لم يسبق أن قرأتُ له ما يدعو لانفصال اليمن قبل اليوم، كما هو حال المدعو أحمد الجار الله، الذي كان يطلق عليه زملائي الكويتيون أيام دراستنا بولاية "إنديانا" الأمريكية "الفرخة"، أو أحمد الشليمي، أو حتى الدكتور محمد الرميحي، وإن لم اقرأ له ما ينكر تاريخ اليمن الموحد حتى اللحظة.. وغيرهم من بعض الأشقاء الكويتيين الذين بدلًا من تحمسهم لانفصال اليمن، يُوجهون حماسهم لحماية وطنهم الكويت الذي لايزال محل أطماع بعض الدول الإقليمية وغيرها، لأسباب، منها استمرار توجهاته القومية العربية الأصيلة، ولو لم يبق من مثقفي ورموز الكويت الشقيقة مع وحدة اليمن عدا الدكتور عبدالله فهد النفيسي، لكان ذلك لنا كيمنيين كافيًا!
أقول، لأن سعد بن طفلة العجمي، لم يسبق أن قرأتُ له ما يدعو لانفصال اليمن قبل موضوعه موضوع هذا الرد أو "الدردشة"، وبنفس جوهر ما قال، ولأنني مازلتُ أحسن الظن فيه، رأيت الرد عليه بهذه الأسطر، حتى إن تأكيده: "أن التاريخ لم يعرف يمنًا موحدًا!" قد لا يكون ذلك جهلًا منه بقدر ما هو تَجَاهُل ومغالطات وتحامل وصولًا إلى كراهية لليمن الموحد بل لوطن والدته وأجداده لأُمه حسب ما قيل لي، وإن كنتُ أشك! ثم، لأنه ظل مع الوحدة اليمنية حتى بعد وقوف الرئيس الأسبق ضد وطنه، وهو ما سمعته منه عند اللقاء به كما قد ذكرتُ ذلك.
وقد يكون التغيير عنده وعند غيره سواء في الكويت أو غيرها، ربما بسبب انقلاب شيعة اليمن الأعلى أو من يطلق عليهم أمثالي "أنصار أنفسهم"، على شرعية اليمن ونظامه الجمهوري ووحدته، بجانب ارتباطهم بإيران الفارسية، رغم أنهم لا يصلون إلى نسبة اليمنيين المؤيدين لهم باليمن إلى 10% من كل سكان اليمن! وربما لأسباب أُخرى يجهلها أمثالي.. وأيًا كان سبب تغيير سعد وأمثاله من اليمن الموحد، فإن ما قد يُميزه عمن عداه -حسب ظني به- أنه يعرف جيدًا أن اليمن المُوحد، هو الدولة الوحيدة التي ظلت كذلك قبل الإسلام وبعده، بل اليمن هو المُنفرد بذلك من بين دول ودويلات وإمارات وسلطنات ومشيخات الجزيرة العربية القائمة اليوم وغيرها!
كما أحسب أنه يعرف أيضًا أن تسمية "اليمن" تعم المساحة الواقعة جنوب الجزيرة العربية كلها، والتي تُعرف اليوم بـ"الجمهورية اليمنية"! ولو لم تكن التسمية تدل على وَحدة الأرض والإنسان، لكان لكل قسم منها اسم مُستقل معروفٌ به تاريخيًا!
أما تسمية "اليمن الشمالي" و"اليمن الجنوبي"، فإن هذا من أهم الأدلة التي تؤكد أن هذا التقسيم الطارئ، إنما نتج عن الاستعمار البريطاني للجزء الجنوبي من اليمن، والذي رُغم بقائه 128 عامًا، إلا أنه لم يقدر على إلغاء اسم "اليمن" من هذا الجزء رغم محاولاته المستميتة، ومن خلال أسماء وصفات متعددة! ليظل مكتفيًا بتحديد الجهات فحسب! وما ذلك إلا لوجود النَّفَس اليمني في قلوب ووجدان وشعور أبناء المحافظات والمناطق اليمنية الجنوبية، كما هو حال أبناء المحافظات والمناطق اليمنية الشمالية، إضافة إلى واحدية القيم والعادات والتواجد والاختلاط في الأحساب والأنساب والتوافق في أسماء بعض الأمكنة والمناطق وغير ذلك، وبمختلف المُدن والمحافظات والمناطق الجنوبية والشمالية منذ الأمد، وُصولًا إلى تجسيد ذلك كله، في النضال المُشترك ضد الإمامة (العَفِنة) في الشمال التي كانت لا تقل سوءًا عن الاستعمار البريطاني، وضد ذلك الاستعمار نفسه في الجنوب!
فدولة اليمن الواحد ليست وليدة القرن المُنصرم كما هو حال معظم دول الجزيرة والخليج العربي، والتي كانت هي الأُخرى وبصورة أشد وأعمق، مُجرد ممالك ومشيخات وسلطنات متناثرة! حتى ولو أن اليمن، بخاصة جزءًا منه، قد تحرر منها، وبعد استقلال جنوب اليمن بوجه خاص، وإن ظلت بعض رواسبه مستمرة كما هو حال معظم الدول العربية، فإن ذلك لايزال موجودًا أكثر في دول الخليج بما فيها المسميات، وإن طغت الدولة المدنية عما عَدَاها، بخاصة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة التي استطاع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود توحيدها، وبصورة يعجز الوصف عن وصفها!
وللتأكيد على أن التاريخ يعرف يَمَنًا واحدًا، وليس العكس كما يزعم سعد بن طفلة العجمي، ودون الحاجة هنا للإسهاب في السرد وكنموذج، وتذكير له، فإن دولتي "سبأ" و"حِمير" قبل الإسلام، كان حكمهما شاملًا لكل اليمن المعروف اليوم بشماله وجنوبه وشرقه وغربه وموانيه وجُزُره... الخ،
وهو ما ينطبق على عهد الرسول صلَّى الله عليه وسلم، من خلال واليه على اليمن "باذان"! واستمرار ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وفي الدولتين الأموية والعباسية، حيث أنشأ محمد بن عبدالله بن زياد (إمارة) شبه مستقلة عن العباسيين عام 204 هجرية، وكانت عاصمتها "زبيد"، والتي امتدت سلطتها إلى عدن وحضرموت والشحر والمهرة وغيرها، وبعدها الدولة الصُليحية خلال الفترة 429-532 للهجرة، وامتد نفوذها إلى الحجاز، لتأتي الدولة الرسولية خلال الفترة 626-858 للهجرة، فالدولة الطاهرية (858-945هـ)، وصولًا إلى ما تسمي الدولة القاسمية في القرن الحادي عشر للهجرة، والتي امتد نفوذها على مساحة اليمن كلها والمعروفة اليوم! حتى وإن حدثت بعض التجزئة لتنفصل بعض المناطق، عند ضعف الدولة المركزية، والتي حدثت فعلًا أكثر من عشرين مرة، فإن ذلك يقتصر على فترات زمنية قصيرة وتحدث حروب متعددة بسبب ذلك ولهدف إعادة الوحدة ذاتها والتي تعود فعلًا!
فاليمن ظل مُوحدًا في أكثر مراحل التاريخ، ولاتزال آثاره وحضارته وتاريخه خير شاهد على ذلك، وتلك هي ميزة ينفرد بها اليمن عما عداه، بخاصة عن دول الخليج المعروفة بأسماء مختلفة اليوم، وهذه هي الحقيقة التي يستحيل على الأُستاذ سعد وغيره كائنا من كان إنكارها!
وحينما جاء الاستعمار البريطاني لعدن ثم ليمتد نفوذه على بقية المناطق والمحافظات الجنوبية، ومع قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة عام 1962، ضد الإمامة في الشمال، قام كفاح يمني جنوبي مسلح ضد الاستعمار حيث انطلق يوم 14 أكتوبر من عام 1963، وشارك فيه كل أبناء اليمن دون استثناء حتى تم الاستقلال يوم 30 نوفمبر 1967، والذي لولا انشغال الشمال بالدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وحصار العاصمة صنعاء، لكانت الوحدة تحققت بعد الاستقلال مباشرة، ولكن، ومع انقسام الولاء والنفوذ للخارج بين شطري اليمن خاصة مع استمرار الحرب الباردة يومها، حدثت بعض الحروب القصيرة بين الأشقاء التي ظلت تقتصر على المدن والمناطق الحدودية، والتي كانت تحدث غالبًا بين الجندي الجنوبي وشقيقه الجنوبي ضد الجندي الشمالي وشقيقه الشمالي والعكس صحيح أيضًا... الخ.
وتم التوقيع والالتزام بالاتفاقيات الوحدوية التي كانت حدثت بلقاءات سابقة أثمرت عن تشكيل لجان من مسؤولي الشطرين لإعلان صياغة دستور دولة الوحدة وكل ما له صلة بذلك، بجانب الاتفاق على الخطوط التنفيذية لإعادة الوحدة حتى تحققت يوم 22 مايو 1990م، بعد استفتاء شعبي على دستور دولة الوحدة، وشارك فيه مختلف أبناء اليمن بشماله وجنوبه وشرقه وَغربه، وحصل على نسبة 98.5% من التصويت، لتعود الوحدة اليمنية كما عادت الوحدة الألمانية بطريقة سلمية، ودون أن يُقتل في عملية إعادة الوحدة الإندماجية إنسان واحد، واعترفت منظمة الأُمم المتحدة وغيرها وكل دول العالم باليمن المُوحد، وفي مقدمتها دولة الكويت الشقيقة.
ولكن، من سوء حظ اليمنيين كما هو كذلك أحيانًا، أنه بعد إعادة الوحدة بأقل من ثلاثة أشهر، حدثت كارثة "الخليج الأولى"، بعد مغامرة صدام حسين في دخوله دولة الكويت، وكان يُفترض على الرئيس الأسبق صالح الوقوف مع الكويت أو الالتزام بالحياد على الأقل، لكنه بخاصة مع التأثير عليه من بعض قيادات حزب البعث باليمن ومن المُنتمين للبعث من نفس قبيلته يومها..!
لا أقول إنه وقف مع العراق وضد الكويت بكل وضوح، وإنما لم يكن واضحًا لما حَدَث! وساد الأمر على اليمن سُوءًا، عدم تصويت ممثل اليمن بمجلس الأمن، حيث كان دور عضوية اليمن بمجلس الأمن حينها، على القرار الذي دعا إلى إخراج العراق من الكويت.. الخ، فزاد ذلك من فهم دول الخليج وتأكيدها على وقوف اليمن ضد الكويت، مما أدى إلى العديد من التباينات والأخذ والرد بين قادة اليمن المُوحد الشمالي والجنوبي وصولًا إلى حرب عام 1994م، والتي كانت نسبة المشاركين ضد عودة الانفصال من أبناء المحافظات الجنوبية هم الأكثر، بمن فيهم من كانوا قد لجؤوا إلى شمال اليمن بعد حرب يناير عام 1986م بين الرفاق، وبالطبع حدثت تجاوزات وظلم بعد انتهاء هذه الحرب، وكنتُ شخصيًا ممن كتب وظل ولايزال يكتب ضد ذلك..
وقد نفذ عمليًا منذ أكثر من سنتين فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ما ظلت معالجة آثار تلك الحرب وأسبابها مجرد قرارات وتوجهات نظرية! ولو لم يذكر الأُستاذ سعد حرب عام 1994م لَمَا ذكرتها هنا كونها تحتاج لسرد مفصل، وهو ما قد كتبتُ بعضه بجانب غيري من الصحفيين وَغيرهم.. وفي نفس الوقت، فإن سعد يعرف جيدًا أسباب ودوافع وممولي تلك الحرب المؤلمة، والتي جاء بعضها كجزء من العقاب لوقوف بضعة أفراد ولو كانوا هم القادة مع حاكم العراق الأسبق، ليعم الضرر كل أبناء الشعب اليمني بشماله وجنوبه، والذي لايزال هذا العقاب حتى اللحظة، وإن تباين ذلك بالطريقة والأداء! وهذا قدرنا كيمنيين في كل الأحوال.
لقد أوردتُ بكل إيجاز ممكن بعض ما يؤكد وحدة اليمن الطبيعية، وكرد موجز على (فريَّة) الأُستاذ سعد بن طفلة العجمي حينما أكد بدردشته وقال: "إن التاريخ لم يعرف يمنًا واحدًا".. ولأهمية تاريخ فترات حكم بعض الدول اليمنية التي حكمت المُوحد والموجزة جدًا، ولعدم وجود مكتبتي الخاصة والمراجع عند كتابة هذا الرد، فقد استعنتُ بالأخ الأُستاذ عبدالعزيز المنصوب -رعاه الله- بما يخص الفترات الزمنية بالذات، مكررا هنا أن الأُستاذ سعد لا يجهل تاريخ اليمن الموحد، وإنما أراد التجاهل أو ترضية طرف وبعض أطراف إقليمية استغلت قبل فترة التدخل الإيراني الفارسي في مساعدة فئة من نفس المذهب باليمن الأعلى، وليحدث ما حدث، ويتدخل تحالف دولي مع الشرعية اليمنية برئاسة المملكة العربية السعودية الشقيقة، ضد تلك الفئة الباغية، مشيرًا هنا إلى أن الدولة أو الدول الإقليمية الداعمة لانفصال اليمن، ليست السعودية ولا وطنه الكويت الذي لايزال رغم ما حدث مع وحدة اليمن!
مع أن بعض الراغبين بالانفصال ظاهريًا من اليمنيين، وهم من منطقتين من مناطق محافظتين من محافظات اليمن الجنوبية كلها، بسبب الدولة الإقليمية الممولة، وهي معروفة للجميع..! أكتفي بالرد عليهم بما يكتبه معظم أبناء اليمن من أبناء المحافظات اليمنية الجنوبية قبل غيرهم، بجانب الرد على مَن لايزال يُمول دعاة الانفصال، وهم قلة!
ومن ذلك مقالة لي شبه مطولة بعنوان "خطوات نحو الوحدة"، نشرت قبل أكثر من سنتين، والتي أكدتُ في نهايتها كما أكد ذلك غيري من داخل اليمن ومن خارجه، أن إعادة الوحدة اليمنية التي تمت باستفتاء شعبي تجاوز 98.5 %، وتم ترسيم الحدود بين اليمن الموحد وبين الشقيقتين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان في ظل دولة اليمن الموحد ودستوره.. لا بد من استفتاء مماثل يشارك فيه كل أبناء الشعب اليمني دون استثناء لإعادة الانفصال! مستغربًا هنا قول الأُستاذ سعد بنفس مقالته أو (تفاهاته!): "لِمَ لا نفكر خارج الصندوق، ونعيد فصل شمال اليمن عن جنوبه؟!"، وإنما أقول مستغربًا لأنه بما قال هنا، بقدر اعترافه أن إعادة الوحدة لم يتحقق عبر القوة، وإنما عبر صندوق الاستفتاء، وهو صادق! بقدر اعتباره أن الجوانب الديمقراطية أو الانتخابات البرلمانية والاستفتاءات وغيرها هي مجرد (ترف) في اليمن، لكنها بوجهة نظره، ليست كذلك لغير اليمن، بخاصة لأبناء وطنه الكويت الذين يتميزون دون غيرهم من أبناء أشقائهم بدول الخليج، بانتخابات برلمانية معروفة، حتى وإن تجمدت لظروف طارئة سرعان ما تعود، لأهمية ذلك لدى قيادات الكويت وشعبه ولحاضر ومستقبل وطنهم، بخاصة الانتخابات البرلمانية، والتي تقوم من خلال (صندوق الانتخابات الحُرة وليس من خارجه)!
وأذكِّر الأُستاذ سعد وهو يتساءل: "كم دفع اليمنيون من الدماء والخراب والحروب من أجل توحيد اليمن"، فتساؤله وإن كان فيه بعض الصحة، فإنه وغيره يعرفون أهم أسباب ودوافع ذلك ومموليها، بخاصة منذ انقلاب 21 سبتمبر عام 2014م المشؤوم، وما حدث منذ ذلك اليوم وحتى اللحظة من مصائب ومحن، وليصل الوضع المعيشي والأمني وغيرهما، مع عدم وضوح الصديق من العدو وعجزنا كيمنيين من زجر أعدائنا ووقف أذيتهم، ليصل الأمر ببعض اليمنيين إلى تمني الموت، وهو قمة المأساة، وذلك ما عبر عنه معشوقي "المُتنبي" مع الفارق، وكأنه يخاطبني بصفتي يمني أيضًا:
"كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا
تمنيتَها لمَّا تمنيت أن ترى
صديقًا فاعيًا أو عدوًا مداجيا"
ولولا وقوف الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، والذي يستحيل نكرانه، في التخفيف مما أصبحنا نعانيه، بخاصة مع استمرار وجود أكثر من مليونين يمني يعملون بها ويعيلون قرابة 15 مليون داخل الوطن، في الوقت الذي تُغلق أبواب دول الخليج الأُخرى، إلا بأعداد ضئيلة جدًا وبشروط شبه تعجيزية! ودون أن أنسى مساعدة دولة الكويت أيضًا، ومن ذلك إعادة الصندوق الكويتي للتنمية، استئناف بعض المشاريع التنموية في اليمن كما تابعتُ منذ يومين مضت، أقول، لولا ذلك لكان الوضع المعيشي بالذات، أكثر صعوبة مما هو عليه حاليًا!
وكل ذلك أقصد ما بتنا نعانيه هو بسبب ظلم ذوي القربى والبُعدى ومن أمثال سعد نفسه! ودون نسيان بعض ضعاف النفوس من أبناء اليمن نفسه الذين هم من أهم أسباب ذلك وفي المقدمة..
لكن ما أود تذكير سعد وأمثاله أيضًا، أن اليمني حينما تمر عليه بعض ظروف وأوضاع ومصاعب ومحن كما هو حاله اليوم، والتي يستحيل على غيره من الشعوب الأُخرى، بخاصة بعض أشقائه تحميل جزء يسير منها، فإنه سرعان ما يتغلب عليها بفضل إيمانه بعقيدته وقدراته، ثم بإعادة بعض أبنائه وهم القلة إلى الجادَّة، ونبذ كل من هم وراء نكباته، طال الزمن أو قصر..! وهذا هو ما يؤكد تاريخه وماضيه البعيد والقريب وهو ما سيحدث قريبًا بعون الله خاصة بعد تطهير الوطن ممن لا يملكون من اليمن عدى الاسم أعني ما يسمون "أنصار أنفسهم" بوجه خاص! فإفاقة اليمني من سباته ليست ظاهرة بقدر ما هي القاعدة دومًا.
وكنت أرغب بسرد المزيد عما بات يعانيه اليمن اليوم وأسباب ذلك ومموليه، لكنني اكتشفتُ فجأة أن في فمي حاليًا، ماء!
وهذا هو ما أردتُ إيجازه هنا عن "د. سعد بن طفلة العَجمي.. والوحدة اليمنية"، ملتمسًا العذر من القارئ إن وجد بسبب تطويل المقالة رغم حرصي على إيجازها، فإليه وإلى أمثاله مع التحية أو بدونها أهدي لهم هذه (الأحرف).
يحيى عبدالرقيب الجُبَيْحي