الرئيسية - أخبار محلية - رسالة الصابرين إلى أصحاب القرار والسلطة : لسنا نطلب فوق طاقة الدولة ولا ننازعها سلطانها ولسنا طامعين في ترفٍ أو عطايا.. إنما فقط نذكركم بحقنا البسيط في "الحياة"

رسالة الصابرين إلى أصحاب القرار والسلطة : لسنا نطلب فوق طاقة الدولة ولا ننازعها سلطانها ولسنا طامعين في ترفٍ أو عطايا.. إنما فقط نذكركم بحقنا البسيط في "الحياة"

الساعة 08:55 مساءً



�نا عدن | مقالات
محمد العتواني
كاتب |
بالأمس، كنتُ أجلس مع عددٍ من زملائي الجنود. كلٌّ منّا يشرح للآخر كيف يواجه الحياة بصبرٍ ثقيلٍ لا يحتمله إلا من جرّب الجوع والانتظار. 
جلسنا نتحدث عن الرواتب التي غابت، وعن الأيام التي تتوالى ولا تحمل معها إلا القلق.

كلّ واحدٍ منّا يرثي حال الآخر، وكأننا نتبادل الشكوى أكثر من تبادل الأحاديث.
 أحدنا يقول: "لم أعد أملك أجرة المواصلات إلى الجامعة." ، وكما تعلمون بأنا نحمل بأيدينا قلمٌ وبندقية، وآخر يهمس: "الديون خنقتني، والبيت ينتظر ما لا يأتي".

نظرت إليهم، فرأيت في عيونهم وجوه وطنٍ بأكمله؛ وطنٍ يتقاضى الوعود بدل الرواتب.

من المسؤول عن هذا؟..
 من الذي جعل الجندي ينتظر راتبه كما ينتظر طلقة النجاة في معركةٍ طويلة؟ من الذي جعل المعلّم يشرح دروس الصبر قبل دروس المنهج؟ من الذي جعل الموظف ينظر إلى تقويم الشهر بخوفٍ لا برجاء؟.

تقولون إن الريال اليمني بدأ يتعافى، ولكن أيّ تعافٍ هذا إذا كان شريان الدولة موظفوها، ما زالوا ينزفون العوز؟.

تقولون إن قرارات البنك المركزي ستُحسّن الأوضاع، فأين هذا التحسين؟ في جداول الأرقام أم في الموائد الخالية؟

يا سادة القرار…
لسنا نطلب فوق طاقة الدولة، ولا ننازعها سلطانها، ولا نمدّ أيدينا طمعًا في ترفٍ أو عطايا، إنما نذكّركم بحقٍ بسيطٍ هو ثمرة جهدٍ وإخلاصٍ وولاءٍ صادقٍ لوطنٍ أحببناه رغم الجوع والتعب، حقٍّ نعيشه بعرقنا ونصبر عليه بإيماننا، لنواصل واجبنا بثباتٍ لا تهزّه قسوة الظروف، فهو حقٌ يحفظ الكرامة، لا أكثر.

فمن الذي تجرأ على تأخير حقّ الجندي الذي يقف في الخندق؟.
من الذي رضي أن يرى المعلّم واقفًا على باب المدرسة بدون أن يجد ما يسد به رمقه ، في بلدٍ يقال إنه يستعيد عافيته؟.

لا تقولوا إن المعالجات قادمة، فقد سئم الناس انتظارها.
الناس لا يعيشون بالوعود، ولا يطعمون أبناءهم بالبيانات الصحفية.
من يعيش واقع الجوع لا يعنيه تحسّن المؤشرات الاقتصادية، بل يعنيه أن يجد ما يسدّ رمق أسرته آخر الشهر.

سيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، سيادة رئيس الوزراء، كل يومٍ يتأخر فيه الراتب، تفقد الدولة شيئًا من ثقة شعبها، وكل شهرٍ يمرّ بلا حلول، تتسع الفجوة بين الوعود والواقع.

أعيدوا للناس حقهم قبل أن تنكسر أرواحهم،أعيدوا للجنود رواتبهم قبل أن يخفت إيمانهم بما يدافعون عنه.

أعيدوا للمعلمين كرامتهم قبل أن تصمت الألسن في المدارس، فليس أخطر من جنديٍ بلا طاقة، إلا وطنٌ بلا صوتٍ يعلّم أبناءه معنى الكرامة.

الراتب ليس غايةً نعيش لأجلها، بل حقٌّ نحفظ به كرامتنا ونحن نؤدي واجبنا.
فنحن نعمل بعقيدةٍ لا تهتز، ولكنّ الصبر لا يعني أن يُنسى حقّ الصابرين، والوطن لا يُبنى على جوع أبنائه.