�نا عدن | مقالات
فيروز الولي|
في مسرح الدمى السياسي الذي تحوّل إليه اليمن، لم تعد السعودية تبحث عن "رجال دولة"، بل عن "موظفين بنظام التوصيل السريع"، تضمنهم ملفات فساد دسمة، وتسيطر عليهم برسائل "واتساب" من موظفي الدرجة الثالثة في الرياض أو أبوظبي.
فمن يعتقد أن اختيار رشاد العليمي، أو غيره من الوجوه المكرّرة، جاء من باب الكفاءة أو الكاريزما، فعليه أن يراجع مفهوم "الشرعية الحديثة" في الزمن الخليجي، حيث الفاسد ليس مشكلة، بل ميزة.
مشاهد من مسرح الفساد
في عام 2018، أودعت السعودية ملياري دولار في البنك المركزي اليمني. ظنّ البعض حينها أن الدولة ستُبعث من تحت الأنقاض. لكن الحقيقة أن الأموال استُخدمت، بحسب تقرير أممي، في عمليات فساد واسعة، منها تلاعب بهوامش سعر الصرف، استفاد منها تجار مرتبطون بالنظام، بينما كان المواطن يتفرج على الريال وهو يحتضر في السوق السوداء¹.
وتقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير (2024) يصنّف اليمن في المرتبة 176 من أصل 180 دولة، بتقييم 13/100، في بيئة سياسية واقتصادية تعتبر "مثالية لتكاثر السُّراق"².
لماذا تختار السعودية الشخصيات الفاسدة؟
الإجابة ببساطة: لأنها قابلة للسيطرة.
القائد الحقيقي مزعج. يسأل، يناقش، وربما يعترض. أما الفاسد؟ يمكن ابتزازه، تحريكه، تهديده، وحتى الاستغناء عنه بلحظة.
العليمي، على سبيل المثال، لا يحمل مشروعًا وطنيًا، ولا قاعدة جماهيرية حقيقية. هو موظف إداري جاء من "ذاكرة النظام السابق" ليجلس على رأس سلطة هزيلة، تخاطب العالم من فندق، وتخاطب الداخل من لا مكان³.
السعودية تريد "رئيسًا بلا طموح"، لا "زعيمًا وطنيًا". ولهذا ترى في الفساد ضمانًا، لا خطرًا.
تعددية الرؤوس.. بلا عقل مشترك
ظنّت السعودية أنها وجدت الحل السحري حين استبدلت الرئيس هادي بـ "مجلس قيادة رئاسي". لكن، كما يحدث دائمًا في وصفات المطابخ السيئة، زادت المكونات واختلّ الطعم.
ثمانية أشخاص، سبع مرجعيات، ثلاث عواصم قرار. كل واحد منهم لديه داعم خارجي، وأجندة، وفاتورة انتظار. النتيجة؟ لا قرار موحّد، ولا مشروع دولة، بل "مهرجان توقيعات"، الكل فيه يُمثّل على الكل⁴.
كوميديا سوداء.. بنكهة الدعم الخليجي
السعودية والإمارات تنفقان مليارات الدولارات في اليمن، لكن المواطن لا يجد دواءً في المستشفى، ولا راتبًا في نهاية الشهر، ولا كهرباء في عزّ الحر.
المنح الدراسية تُمنح لأبناء المسؤولين، الجوازات تُباع في السوق السوداء، والموانئ والمطارات أصبحت "عقارات سيادية مؤجّرة"⁵.
هل هذا فشل؟ أم نجاح لسياسة "الإبقاء على اليمن ضعيفًا ومشتتًا" حتى لا يتحوّل إلى دولة مستقلة تُطالب بجزرها وثرواتها وسيادتها؟
هل نحن أمام تدمير متعمّد؟ أم غباء متكرّر؟
هناك من يرى أن السعودية وقعت في فخ "عدم فهم اليمن"، فتعاملت معه بعقلية المحافظات لا الدولة، وبالولاءات لا المؤسسات.
وهناك من يذهب أبعد: أن المملكة لا تريد يمنًا مستقرًا، بل يمنًا بيدقًا، لتظل هي "الوسيط الدائم"، و"الراعي الإقليمي"، و"مصدر الحماية والشرعية".
وأيًّا كان الجواب، فالحصيلة واحدة:
شعب جائع، دولة ميتة سريريًا، وسلطة تتحرك بالريموت كنترول.
خلاصة غير قابلة للمجاملات:
لم تختَر السعودية العليمي لأنه الأفضل… بل لأنه الأقل إزعاجًا.
ولم تترك الفساد لأنه خطأ… بل لأنه وسيلة لضمان الولاء.
ولم تتعثر في بناء الدولة… بل لم تُرد بناء دولة من الأساس.
المراجع والحواشي:
1. تقرير فريق الخبراء الأممي حول اليمن (2018)، يتهم البنك المركزي باستخدام وديعة السعودية في عمليات فساد – OCCRP
2. تقرير منظمة الشفافية الدولية – مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 – Transparency.org
3. تحليل لمركز "الموكا" للدراسات الاستراتيجية حول ضعف مؤسسات الشرعية وغياب الرقابة – Yemen Monitor
4. ورقة تحليلية لـ "Brookings Institution" عن دور المجلس الرئاسي وتدخلات السعودية والإمارات – Brookings.edu
5. تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش (2022) عن الموانئ والمطارات اليمنية التي تديرها الإمارات والسعودية – HRW.org