الرئيسية - عربي ودولي - وثيقة إماراتية "مسربة" تكشف: كيف خطط محمد بن زايد لإضعاف نفوذ رئيس الدولة "خليفة" في الداخل قبل ازاحته نهائيًا بالقتل

وثيقة إماراتية "مسربة" تكشف: كيف خطط محمد بن زايد لإضعاف نفوذ رئيس الدولة "خليفة" في الداخل قبل ازاحته نهائيًا بالقتل

الساعة 04:19 مساءً



�نا عدن | متابعات
وثيقة سرية مسربة من دواليب السلطة الإماراتية ، تمثل إحدى هذه اللحظات الفارقة، إذ تكشف بوضوح صادم عن طبيعة الصراع الذي دار في الظل بين رجلين من أقوى شخصيات الخليج: الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الرئيس الرسمي الذي غيّبه المرض عن المشهد، ومحمد بن زايد، الحاكم الفعلي الذي حوّل اليمن إلى مختبر لمشروعه الإقليمي ومسرح لصراعه على السلطة.

الوثيقة، هي اعتراف موثق بحرب باردة استُخدمت فيها كل أدوات الصراع السياسي الحديث: المال، النفوذ، التجسس، الإعلام، وحتى الاستعداد للمواجهة العسكرية. 

ما يجعل هذه الوثيقة استثنائية هي الجرأة التي تصف بها تحركات محمد بن زايد بـ"التوجهات المتطرفة"، وهو وصف يحمل دلالات سياسية وأخلاقية عميقة، خاصة حين يصدر من مؤسسة رسمية تحمل اسم رئيس الدولة.

في قراءة متأنية لهذه الوثيقة، يمكن استخلاص ثلاثة مستويات للصراع: المستوى الأول يتعلق بالسلطة داخل الإمارات نفسها، والثاني بالنفوذ الإقليمي وتحديداً في اليمن، والثالث بطبيعة المشروع السياسي الذي يسعى محمد بن زايد لفرضه.

 
الوثيقة تبدأ بما يشبه الاتهام الصريح: "إن التوجهات المتطرفة لسمو الشيخ محمد بن زايد في اليمن والتي انكشفت في الكثير من التحركات، خاصة في سقطرى وعدن، حدا بنا إلى بذل المزيد من الجهود لتقليص تلك التحركات"فاستخدام مصطلح "المتطرفة" لوصف توجهات ولي العهد  هو موقف سياسي واضح يعكس رفضاً جذرياً لأساليبه وأهدافه. 
وهذا الوصف يضع محمد بن زايد، الذي يقدم نفسه للعالم كرجل اعتدال وحداثة، في خانة التطرف السياسي، أي الخروج عن المألوف والمقبول، والذهاب إلى أقصى الحدود في السعي للسيطرة والهيمنة.

ما الذي يجعل توجهات محمد بن زايد "متطرفة" في نظر مؤسسة خليفة؟ الوثيقة تقدم تسعة أهداف كان ولي العهد يسعى لتحقيقها في اليمن، وكل هدف منها يكشف جانباً من مشروعه الحقيقي. الهدف الأول، والأكثر فضيحة، يتعلق بمحاولته السيطرة على واردات المشتقات النفطية اليمنية لصالح شركته الخاصة "حصراً". هنا نحن أمام تجسيد واضح لما يمكن تسميته "خصخصة السياسة الخارجية"، 
 الهدف الثاني،تشكيل جيش خاص في اليمن ونقله إلى الإمارات "في حال اندلاع صراع داخلي على الحكم". هذه العبارة تستحق التوقف عندها طويلاً، لأنها تكشف  أن محمد بن زايد كان يتوقع، أو ربما يخطط، لسيناريو صراع مسلح داخل الإمارات، وأنه كان يستعد له بكل الوسائل الممكنة.
 العدف الثالث ، تسيير رحلات أسبوعية بين أبوظبي وسقطرى لنقل الأسلحة وإخفائها، يكشف عن بعد سري خطير في مشروع محمد بن زايد وتشديد الرقابة على تحركات مؤسسة خليفة عبر السيطرة على شبكة الاتصالات في سقطرى، 

،كانت مؤسسة خليفة بن زايد تخوض معركة دفاعية يائسة. الوثيقة تكشف عن شبكة معقدة من العمليات السرية التي نفذتها المؤسسة في مختلف المحافظات اليمنية، من سقطرى إلى عدن إلى حضرموت إلى المهرة. هذه العمليات، التي كلفت عشرات الملايين من الريالات، كانت تتراوح بين شراء الولاءات، وتمويل الإعلام، والتجسس على مواقع الأسلحة، وحتى دعم عمليات التعامل مع قادة عسكريين موالين لمحمد بن زايد



بينما كانت مؤسسة خليفة تنفق الملايين في اليمن كان محمد بن زايد يسيطر على كل مفاصل الدولة في الامارات هذا الفارق الاستراتيجي يفسر، إلى حد كبير، لماذا انتصر محمد بن زايد في النهاية.
في مايو 2022م، توفي خليفة، وتولى محمد بن زايد رئاسة الدولة رسمياً. لكن هذه الوثيقة تذكرنا بأن الطريق إلى العرش كان محفوفاً بالصراعات والمؤامرات. 

وربما كان محمد بن زايد يقف وراء انهاك صحة الحاكم خلفية بن زايد ومن ثم القضا عليه

ثمة سؤال محوري تطرحه هذه الوثيقة، سؤال يتجاوز حدود الصراع السياسي المعتاد ليدخل في منطقة أكثر قتامة وخطورة.


ما الذي حدث فعلاً للشيخ خليفة بن زايد؟

 الرواية الرسمية تتحدث عن جلطة دماغية أصابته في يناير 2014م، أبعدته عن المشهد السياسي، وحولته إلى رئيس صوري يظهر في صور نادرة ومناسبات محدودة، قبل أن يتوفى في مايو 2022م. 

لكن هذه الوثيقة، بما تكشفه من عمق الصراع وشراسته، وبما تظهره من استعداد محمد بن زايد لاستخدام كل الوسائل الممكنة للوصول إلى السلطة، تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذا "الغياب الصحي" المفاجئ والمريب.

خليفة بن زايد، الذي تولى رئاسة الدولة في نوفمبر 2004م بعد وفاة والده الشيخ زايد بن سلطان، كان في الستينيات من عمره عندما أصيب بالجلطة المزعومة.

 كان رجلاً في قمة نشاطه السياسي، يمارس صلاحياته كاملة، ويحضر المناسبات الرسمية، ويتخذ القرارات.

 ثم فجأة، في يناير 2014م، يختفي عن المشهد تماماً، ولا يظهر إلا في صور نادرة تثير أكثر مما توضح.

 التوقيت نفسه يستدعي التساؤل

 لماذا 2014م تحديداً؟ ما الذي كان يحدث في تلك الفترة؟ وهل كان اختفاء خليفة مجرد صدفة، أم أنه كان جزءاً من مخطط أكبر؟

الوثيقة المسربة تكشف أن الصراع بين خليفة ومحمد بن زايد لم يكن مجرد تنافس سياسي عادي، بل كان صراعاً وجودياً، صراعاً على السلطة المطلقة، صراعاً لا يحتمل وجود طرفين في السلطة. 

 هذا المستوى من الاستعداد للمواجهة يطرح سؤالاً منطقياً هل كان رجل بهذه العقلية، وبهذا الاستعداد للذهاب إلى أقصى الحدود، سيكتفي بانتظار الموت الطبيعي لأخيه؟ أم أنه كان مستعداً لتسريع الأمور؟.

في تاريخ الصراعات على السلطة، خاصة في الأنظمة الملكية والوراثية، ليست حوادث "المرض المفاجئ" و"الموت الغامض" أموراً نادرة. 
بل على العكس، التاريخ مليء بقصص حكام أُزيحوا عن طريق أمراض مفاجئة، أو جلطات غامضة، أو حوادث غير متوقعة.


 السم كان، ولا يزال، أداة من أدوات الصراع السياسي، خاصة في الأنظمة التي لا تسمح بالتداول السلمي للسلطة. 

والسموم الحديثة، تلك التي طورتها أجهزة الاستخبارات المتقدمة، قادرة على محاكاة أعراض الأمراض الطبيعية، من الجلطات الدماغية إلى الأزمات القلبية، دون أن تترك أثراً يمكن اكتشافه بسهولة.

محمد بن زايد، كما هو معروف، يسيطر على أقوى جهاز استخباراتي في المنطقة.

الظروف المحيطة بغياب خليفة تثير الكثير من الشكوك.
لم يُسمح لأي جهة مستقلة بفحصه أو تقديم تقرير طبي شفاف عن حالته، يصبح من الممكن تماماً تنفيذ عملية "إنهاك صحي" دون أن يشك أحد. 
الأكثر من ذلك، أن وفاة خليفة نفسها، في مايو 2022م، جاءت في توقيت مناسب جداً لمحمد بن زايد. 
كان ولي العهد قد أحكم سيطرته على كل مفاصل الدولة، كان قد بنى إمبراطوريته الإقليمية، كان قد أنهى كل المقاومة الداخلية. 

الوثيقة المسربة لا تقدم دليلاً مباشراً على تورط محمد بن زايد في إنهاك صحة خليفة أو التسبب في وفاته.
 لكنها تقدم شيئاً ربما يكون أهم: تقدم صورة عن رجل لا يتوقف عند حد في سعيه للسلطة، رجل مستعد لبناء جيوش سرية، لإخفاء أسلحة، للاستعداد لصراع مسلح، لاستخدام المال والنفوذ والإعلام والتجسس، كل ذلك من أجل هدف واحد: السيطرة المطلقة. 
هل رجل بهذه العقلية، وبهذا الاستعداد للذهاب إلى أقصى الحدود، كان سيتردد في استخدام وسائل أخرى، أكثر قتامة، للوصول إلى هدفه؟التاريخ سيحكم.


 لكن في غضون ذلك، تبقى هذه الأسئلة معلقة، تطارد الرواية الرسمية، تشكك في النسخة المقدمة للعالم. 
تبقى هذه الأسئلة تذكيراً بأن الحقيقة، في الأنظمة الاستبدادية، نادراً ما تكون كما تُقدم للعلن، وأن ما يحدث في الظل غالباً ما يكون أكثر قتامة وخطورة مما يمكن تخيله.