يدور منذ أيام – على استحياء- جدل بين النخب السياسية في الشارع اليمني - يحاول النظام إظهار أنه غير مهتم به نهائياً- حول مدى شرعية أو عدم شرعية عبد ربه منصور وبقاءه رئيساً لليمن وذلك بعد انتهاء مدة التفويض الشعبي الاستثنائي و الخاص والمقيد والتي منحت للرجل قبل سنتين في انتخابات فبراير 2012م ، ومن يتابع وسائل إعلام النظام يظهر له العكس فالنظام مرتبك ويحاول اظهار الشرعية من خلال مقابلات يوميه في الشوارع مع أفراد منتقون بعنايه ومن خلال لقاءات بقادة الجيش لاظهار الولاء له ، ومن المفارقات الغريبة أن بعض الرافضين لتلك الانتخابات يومها هم من أكثر المتحمسين حالياً للرجل لكي يبقى إلى أجل غير معروف على وجه الدقة حتى الان ومن أولئك بعض من دخلو مؤتمر الحوار أو نالوا مناصب أو مكاسب ولعلها سر تغيرهم .
يحاول هذا المقال عرض رؤية قانونية لموضوع شرعية عبدربه منصور مابعد تاريخ 21فبراير2014م ومناقشة ما هي الشرعية التي بموجبها تم انتخاب عبد ربه منصور هادي قبل سنتين؟
يدعي المتحمسون لبقاء عبد ربه منصور هادي أن شرعية الرجل ((شرعية توافقية)) وأنها ((شرعية المبادرة الخليجية)) وبحسب ما تعلمنا في القانون الدستوري لم نسمع يوماً عن شيء اسمه الشرعية التوافقية وليس في القانون الدستوري سوى نوعين من الألفاظ أولهما ((الشرعية الدستورية)) وثانيهما((المشروعية الدستورية)) وفي الفكر السياسي وعلم السياسة لاوجود سوى لهذين اللفظين أيضاً .
وفي حين كان يتم أيهام الشارع وصغار السن والمندفعين خلال 2011م بإنه يوجد شيء اسمه((الشرعية الثورية)) رغم أن ذاك اللفظ مفهوم منتقد سياسياً وغير موجود قانوناً ، نلحظ أن هذا اللفظ يتم استدعاءه وقت الحاجة ومن بين أهم أوقات الحاجة للنظام اليمني الحالي هذه الأوقات الصعيبة التي يمر بها هذه الأيام فتم بالفعل استدعاء مصطلح الشرعية الثورية من قبل المستفيدين من النظام للضغط على الخصوم للقبول ببقاء النظام واستمراره لأجل غير معلوم يقيناً، وكان ذلك عبر عودة ما يسمى بجمع ((شارع الستين)) التي لا معنى لها سوى الضغط على أي رافض لبقاء الرئيس عبد ربه بعد 21 فبراير، والتهم جاهزة ويمكن إخراجها من صندوق المصطلحات المركون في الزاوية (بقايا النظام المخلوع) (حالمون بعودة الماضي) (رافضون لمخرجات مؤتمر الحوار) ( مخالفون للإجماع الوطني ) (معرقلون للتسوية السياسية) (طامعون بالمناصب الحكومية)(متآمرون على مقررات مؤتمر الحوار) إلى أخرها من مصطلحات التخوين والسب والشتم.
قبل سنتين بالضبط كان يقال أن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية تم((تزمينها تزميناً دقيقاً)) ولم يكن هناك أي تشكيك في أن مدة السنين كافية لتحقيق كل مهام الفترة الانتقالية وكان الجميع يؤكد أن 21 فبراير 2014م سيكون يوم الانتخابات الجديدة في اليمن لاختيار رئيس جديد وفقاً للدستور الجديد ، كان على رأس المرددين لهذا الموضوع عبد ربه منصور هادي نفسه وبدأ بيوم تسلمه السلطة وهو إلى جوار الرئيس الأسبق حيث قال باللفظ الصريح ((أنه يتمنى أن يقف بعد سنتين في مكان علي عبدالله صالح ويقف الرئيس الجديد مكانه وهذه هي سنة الحياة في التغيير)) لكن يبدو أن سنة الحياة في التغيير لم تعد كذلك فقد تم تغيير سنن الحياة بقرار من أمين الموفنبيك أحمد بن مبارك ومن قبل مبعوث الأمم المتحدة لشئون التمديد والتقسيم جمال بن عمر اللذان يحق لها تغيير كل شيء حتى لو كان سنن الحياة؟؟؟!!!.
كرر صاحب الشأن التأكيد أكثر من مرة أن مدة فترته الرئاسية هي سنتين ففي خطاب طويل بداخل قاعدة الديلمي قال أنه مستعد أن يذهب ((للفراغ الدستوري بعد فبراير 2014م)) ، وهذا كله يجعل (اليقين) هو أن صاحب الشأن وهو الأعلم بحقوقه بالتأكيد لم يكن لديه أدنى شك في أن مدة تفويضه الإستثنائي من قبل الشعب للرئاسه هي سنتين فقط ، ويجعل مما لا جدال فيه وبحسب القواعد الأساسية في القانون أن (يفسر الكلام بحسب ما قرره ظاهر اللفظ) وأنه (يجب إعمال الكلام في مقاصده) وأن (الأصل في الكلام الحقيقة) ،اللهم إلا إذا كان جمال بن عمر سيدرسنا القانون بمذهب جديد ليصير هناك مدرسة قانونية ثالثة تسمى ((المدرسة العمرية)) غير المدرستين القانونيتين ((المدرسة الفرنسية)) و((المدرسة الأنجلو سكسونية))؟؟!!!.
حين نتحدث عن الجانب القانوني الذي بموجبه اكتسب عبدربه منصور هادي قبل سنتين شرعيته ينبغي استيعاب النقاط التاليه:
أولاً: تم مخالفة الدستور النافذ لليمن والساري حتى اليوم فالدستور الساري لليمن منذ سنتين وحتى اليوم ينص في مادته 106 على أن ((أ- رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويتم انتخابه وفقاً للدستور ب- يكون لرئيس الجمهورية نائبا يعينه الرئيس وتطبق بشان النائب أحكام المواد 107و117و118و128من الدستور)) وهذه المادة لم يتم العمل بها من حيث المبدأ فلم يتم انتخاب الرئيس وفقاً للدستور بل بطريقة هجينة بين نصوص الدستور وبين مخالفة للدستور كما سأبينه في البند ثانياً ، كذلك تم مخالفة الفقرة ب من المادة ولم يتم تعيين نائب للرئيس حتى اليوم .
ثانياً: تم مخالفة المادة الأساسية في إجراءات اختيار الرئيس وهي المادة108من الدستور والتي نظمت بدقه إجراءات الترشيح والانتخاب لرئيس الجمهورية في اليمن فلم يتم تقديم الترشيحات إلى رئيس مجلس النواب ولم يتم فحص الترشيحات للتأكد من انطباق الشروط الدستورية على المرشحين في اجتماع مشترك لهيئتي مجلس النواب ومجلس الشورى ولم تعرض أسماء المرشحين الذين تتوافر فيهم الشروط في اجتماع مشترك لمجلس النواب والشورى للتزكية ، وتم مخالفة أهم فقرتين في المادة 108 وهما الفقرة د التي اشترطت أن يتم تزكية 3 أشخاص على الأقل تمهيداً لعرض المرشحين على الشعب في انتخابات تنافسية لا يقل عدد المرشحين فيها عن اثنين والفقرة هـ التي اشترطت أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية ، وحصل أن تمت انتخابات أشبه بالاستفتاء( نعم أو لا) وهنا وقعت المخالفة الأهم للدستور النافذ.
ثالثا:تم الالتزام بالمادة 109 من الدستور حيث أدى عبد ربه منصور هادي اليمين الدستورية قبل مباشرته لمهامه.
رابعاً:تم مخالفة المادة 110 من الدستور حيث لم يعمل عبد ربه منصور هادي على تجسيد إرادة الشعب لإنه لم يتم إعطاء الشعب أي فرصة لاختيار غيره ، وخالف عبد ربه منصور الدستور والقانون فكان ينص في ديباجة كل قرار يصدره إلى أنه ((بعد الإطلاع على الدستور وعلى قانون .... )) ثم يختمها بلفظ (( وعلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وأليتها التنفيذية)) رغم أنه لا يجوز ان تضمن هذه العبارة كون المبادرة ليست قانوناً صادراً عن مجلس النواب وكما سأوضحه لاحقاً، كما تم مخالفة هذه المادة الدستورية حين لم يقم عبد ربه منصور بحماية الوحدة الوطنية فهو سمح برفع أعلام دولة شطرية سابقة وعين مسئولين في مناصب وزارية وفي الجيش ينادون باستعادة دولة سابقة ، كما خالف عبد ربه منصور مبادئ وأهداف الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) حين سمح لمليشيات تنادي بعودة مسميات ما قبل الثورتين (سواء لفظ الإمامة أو لفظ الجنوب العربي) بالنشاط العلني بل وسمح لها بالتوسع ، ثم خالف الدستور حين لم يتم العمل بالتداول السلمي للسلطة لأنه لم يلتزم بالمدة المحددة سواءً في الدستور أو في التفويض الشعبي الخاص المحدد بسنتين فقط ، كما خالف ذيل المادة 110 حين لم يمارس صلاحياته على. المبين في الدستور بل كان يعتمد على ما يمسى بشرعية التوافق وشرعية المبادرة الخليجية!!!.
خامساً:تم مخالفة المادة 112 من الدستور التي تحدد مدة سبع سنوات لرئيس الجمهورية المنتخب وفقاً لكل المواد سابقة الذكر وليس المنتخب عبر مخالفتها وهذا يضع الأمور في مشكلة دستورية أكثر صعوبة.
كل ما سبق كان هو المفترض وفقاً للدستور النافذ والساري وغير المعطل، ولأهمية أن يفهم الجميع أن الشبهة التي ستمر بخاطر القاري فور قرأته لما سبق وهي شبهة أن الدستور معطل وأن الألية التنفيذية للمبادرة الخليجية قد جعلت الالية فوق الدستور أوضح التالي:
أولاً: تم الطعن بعدم دستورية التمديد وفقاً لألية المبادرة الخليجية أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في اليمن من قبل الطاعنة إبتسام محمد الحمدي وقررت الدائرة الدستورية في تاريخ 1/7/2012م قواعد هامة منها مالفظه ((أن الاتفاق بين القوى السياسية الذي أشارت إليه المدعية لا يصلح لأن يكون محلاً لدعوى دستورية فهو ليس تشريعاً)) وأن الخصومة أمام الدائرة الدستورية في اليمن ((ليست ساحة لتقرير ترتيبات سياسية أو حسم صراعات سياسية)) وبالتالي فإن الذي يفهمه كل قانوني من هذا الحكم التاريخي والذي تم إخفاءه وعدم الترويج له إعلامياً عمداً ، هو أن ما لم يكن هناك قانون صادر من مجلس النواب بجعل المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تشريعاً نافذاً فإن الألية تصبح غير ذات حجية قانونية ،علماً أن الحكم نفسه كان قد اعتبر أن مدة مجلس النواب سارية ليس وفقاً للنص الدستوري مادة 95 بل وفقاً للتعديل الدستوري المنصوص على أجراءته في المادة 158 من الدستور، وأدعو الجميع لقراءة الحكم التاريخي لفهم تفاصيل أكثر حرصاً على عدم التطويل هنا .
ثانياً: يمكن للجميع بالتالي أن يستوعب أن نص المادة 4 من الألية التنفيذية والتي لفظها ((يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة(( لاقيمة قانوناً له لأنه ليس تشريعاً صادراً عن مجلس التشريع ، كما أنه لا قيمة قانوناً له على غير الموقعين عليه لإن الأصل أن العقود ملزمة للموقعين عليها ولا تخص غير الداخلين فيها أو الموقعين عليه وهذا من البديهي قانوناً، كذلك لا قيمة قانوناً للألية لأنها لم تلغي الدستور وتصدر دستوراً جديداً كما أنها لم تصدر بنصوصها إعلاناً دستورياً أو تصدر به قانوناً صادراً من مجلس النواب ، وبالتالي فهي أمام الدستور لا تمثل أي قيمة قانونية ، ويمكن التأكد أن الالية كانت تعتمد في أغلب نصوصها على الدستور النافذ ويظهر ذلك بمراجعة نصوصها مثل المواد 5 و6 الفقرة ب و 11و 14 وغيرها كثير والتي تشير جميعها إلى الدستور النافذ وتفصيلاته وتنظيماته مايجعل من القول بإن الالية التنفيذية حلت محل الدستور مجرد رأي إعلامي لاقيمة قانوناً له .
ثالثاً: حتى بإفتراض حجية الألية التنفيذية للمبادرة الخليجية فإن مدة الرئاسة فيها واضحة بموجب نص المادة 7 والتي لفظها مايلي ((تبدأ الفترة الانتقالية مع بدء نفاذ هذه الآلية.. وتتألف الفترة الانتقالية بعد ذلك من مرحلتين:
(أ) تبدأ المرحلة الأولى مع بدء نفاذ هذه الآلية وتنتهي مع تنصيب الرئيس عقب إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة.
(ب) تبدأ المرحلة الثانية ومدتها عامان مع تنصيب الرئيس بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد)) ولاأظن أن الفقرة ب والتي حددت مدة العامان تحمل معنى غير العامين اللهم إلا إذا كان العرب قد قرروا تغيير لغتهم وبعثوا سيبوية من قبره لتغيير قواعد النحو؟؟؟!!!! كذلك للتوضيح أكثر فإن حجة علماء التمديد حاولت التمسك بالمادة 24 والتي لفظها ((ستنتهي مدة ولاية الرئيس المنتخب وفقاً للفقرة 7 من هذه الآلية لدى تنصيب الرئيس الجديد المنتخب حسب الأصول ووفقاً للدستور الجديد.)))ولا أظن أنه يمكن أن يقال أن المادة عندما أحالت إلى النص المقيد والمبين والموضح تحتمل غير معنى السنتين ، فالمطلق يفسره المقيد والعام يفسره الخاص والمجمل يوضحه المبين وكل قانوني وكل ذي بصيره لايمكن أن يقال أن المادة تحتمل غير ذلك من معنى قانوني أو لغوي اللهم إلا إذا كان القائل بغير ماسبق مستفيداً من التمديد، فاستفادته من التمديد قد تدفعه لتفسير كل شيء على أنه يعني بقاء عبدربه حتى نصوص القران الكريم يمكن أن تفسر بإنها جاءت مؤيدة للتمديد لعبدربه منصور هادي؟؟؟!! .
خلاصة هذا المقال أنه من الأهمية بمكان أن تتولى الجهات القضائية تقرير الحل للمعضلة المسماة (( بقاء عبد ربه منصور هادي بعد تاريخ 21 فبراير)) ولا يجوز لأحد المستفيدين من بقاء عبدربه منصور هادي أن يكون هو المرجعية ، وحتى مع تفسير مجلس الأمن في مشروع القرار الجديد المزمع إصداره لمدة الرئاسة بخلاف ذلك فإن الأمر لا قيمة له قانوناً في حال أصدرت المحاكم اليمنية خلاف قرار مجلس الأمن ، وينبغي أن نعي جميعاً أن أي تفريط في القاعدة الأساس قاعدة ((أن الشعب مصدر السلطة ومالكها الوحيد ومانحها الوحيد)) سيكون كارثياً على الجميع وأول من سيحرق بنار المخالفة هم من أسميتهم أنا ((الممطون)) بدلاً عن الممددين كما أن القول أن الشرعية تستمد بغير الوسائل الديمقراطية التي تتحدث عن انتخابات يظهر من خلالها قبول الشعب لأي أجراء أو القول أن الهراء المسمى قيام أعضاء الحوار بالصياح والتصفيق وبالروح بالدم هي إرادة الشعب وهي الإجماع الوطني أيضاً كلها هراء وسخافات وعودة إلى أقبح ما في الماضي ، فمن أراد أن يرى شرعية أي قرار يصدره في اليمن عليه أن يستفتي شعب اليمن ، ولا يستفتى شعب اليمن عن طريق الشوارع فلا شوارع تتسع لأربع وعشرين مليون يمني بل وحدها الصناديق الانتخابية هي الوحيدة كمقياس موضوعي وعملي لمشروعية وشرعية كل فعل يتم في اليمن وكل مخالفة لمعيار صناديق الإنتخابات ليست سوى عودة إلى الوراء واستبداداً مغلفاً بالشوارعية التي سيندم عليها مروجوها قبل الآخرين وعلينا الاختيار بين الديمقراطية عبر الصناديق أو مخالفة الديمقراطية والإعلان رسمياً عن يمن جديد عاد إلى الوراء بدلاً من التحرك إلى الأمام .