ظنناها ستمر جمعة عابرة كسائر الجمع التي سبقتها . وسميناها جمعة الكرامة . لم يكن يدور في خلد أحد منا حينها أن القدر كان لذلكم اليوم يكمن بالمرصاد . لم نكن ندرك أن الله قد بعث هذا الاسم من مكامن القدرة الربانية لينطق به على لسان شاب ثائر من الثوار حين أقترحه وصادقت عليه اللجنة التنظيمية للثورة . لكن حقيقة ألأمر أن هذا الاسم كان يمثل قدر الله الأزلي المختبئ بين ثنايا ثورة عفوية شبابية نقية كنقاء قلوب اليمنيين ، وطاهرة كطهارة أرض ساحات الاعتصام ، ومكرمة ككرامة الشهيد عند الله .
ومثلما ظنها الثوار الأحرار جمعة عابرة . ظنها المجرمون الأشرار أيضا مجرد يوم من أيام الجمع العابرة . فجمعوا كيدهم ثم أتوا صفا ظنا منهم أن الفرصة الأجمل قد سنحت لهم ، وأن اللحظة الأمثل قد جنحت على شاطئ أحلامهم الكابوسية .
فالتقى الجمعان على أمر قد قدر . جمع الأخيار المحتشدين في ساحة الشرف ونهار جمعة الكرامة والذي ما لبث تأثير ذلكم ألاسم أن تسربت فيوض كرامته في مسام الساحات ومن حل بها فصارت تغشاهم الكرامة وتحفهم من كل مكان . وجمع الأشرار الذي حشروا أنفسهم خلف متاريس الموت وفي خنادق الخسة والأجرام الذين زين لهم الشيطان سؤ فعالهم فنفخ في مؤخراتهم أوهاما وأحلاما ما لبثت أن تبخرت سرابا حين أدرك عليه لعنة الله أنه قد بات محشورا في زاوية الهزيمة فصاح فيهم إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون . فنكص على عقبيه تحت وقع صيحات شباب باعوا أرواحم لله رخيصة وتسابقوا نحوا الكرامة كفراشات جميلات تلتحم بالنور وتستميت على عتباته وهي ترقص فرحا وطربا . فانهار إبليس وولى هاربا بينما تدافعت فيوض الكرامة هذه المرة تلفظ رجالا وشباب كحمم البراكين الساخطة في وجه جدار الموت ودخان الجحيم . فتدكدكت الأسوار التي ظنوها منيعة وتبددت حمم الدخاخين التي ظنوها ستحجبهم عن مرأى عين الحقيقة . ثم حشر الشر نفسه في عمارة الضرار التي احتضنت مهندسي ومنفذي البشاعة والأجرام . ثم ما لبثت فيوض الكرامة المتدفقة من ساحات العزة والكرامة حتى غمرت ذلكم الوكر بسيلها الجرار وأغرقتها في بحر ثورتها الهادرة ثم تداعى بنيانهم الذي بنوه على شفاء جرف هار ليهوي بمن فيه إلى قاع الهوة السحيقة التي تبتلع الأشرار ممن ماتت ضمائرهم وفقدوا إنسانيتهم وأحتوتهم دوائر الشيطان المختلفة . فباعوا أنفسهم للمال الحرام المدنس او الشهرة والجاه وحب النفس . فكانوا عبرة لكل معتبر . فاعتبروا يا أولي الأبصار .