"الرويشان" عبث المال بالسياسة والثقافة مدخل "الدولة الرخوة"

2014/04/29 الساعة 03:01 مساءً

      وضع الدولة الرخوة ليس وليد الفترة التي جلس فيها عبد ربه على مقاليد السلطة في اليمن، بل تعود مؤشراتها إلى حقبة صالح، فقد بدأت تقارير الخارجية الأمريكية توصيف البلدان الرخوة منذ بواكير الألفية، وكانت اليمن في رأس القائمة المؤهلة، ثم يأتي الرويشان بأهازيجه وأراجيزه السياسية ليتحفنا بسرد مؤشرات الدولة الرخوة وكأنه صاحب الامتياز، ونسي أن منتج الدولة الرخوة كان حصيلة الأيام العجاف لحكم صالح وحكومته التي كان أحد أفرادها، وأحيل الرويشان لمراجعة تقارير الخارجية الأمريكية ليعلم أن الحقبة التي كان يحتل فيها وزير الثقافة هي الشؤم الذي دخلت معه اليمن مربع الدولة الرخوة حسب توصيف الأمريكان.

    لم يكن للدولة الرخوة أن تحضر بكل مؤشراتها لو لم يكن هناك قابلية واستهواء الارتخاء للمثقفين والمشائخ والعسكريين والسياسيين، الارتخاء تحت وقع نهم الإشباع المالي للبطون العفنة، فمن أي زاوية يمكن تحصين ارتخاء الدولة؟ لقد تغول الارتخاء في تفاصيل ثقافتنا المشدودة للمال ومصادره إلى مستوى أكثر من أن تعالجه المفردات الأخلاقية والعقابية، ويعلم الأستاذ الرويشان وأمثاله من المزايدين المنظرين "للرخوة" و "الراخي" أن ثقافة التهافت على المال تجعل المجتمع ورموزه تستهوي البحث عن المال ولو في صندوق إبليس واتباع أمره. كان هناك صندوق صالح فأصبح الكل في خانته، وبعد أن فقد صندوق البلد الرسمي وبقي صندوقه الخاص، بدأت النفوس الجائعة البحث عن صناديق أخرى لإشباع نهمها لترى في صندوق الحوثي المدعوم بسخاء ضالتها.

  وحده العبث المالي بالأمن والسياسة والثقافة المجتمعية هو مدخل للدولة الرخوة، فعندما نطلق لنفوسنا عقال "نزواتها" و"نزاعاتها" نكون أمام مشهد الانكشاف بكل تبعاته على الدولة وقياداتها، وعندما نتغلب على خلافاتنا، ونجتهد في ردم هوة نزاعاتنا، كقوى سياسية وجماعات وأفراد نكون بصدد حصار الانكشاف الذي يؤذي الدولة والمجتمع على حد سواء.

     مشكلة البلد في نظر الرويشان تقتصر فقط على سوء إدارة عبد ربه منصور لملف الدولة، والحقيقة أن  يد  الخراب التي تطال بالمال كل مقدرات البلد هي المعنية بكل هذا العبث القائم، وبذلك فقد حملت الرجل أكثر مما يحتمل، ثم أين غابت كل تأملاتك إبان حقبة المنكود صالح؟ ألم تكن وزير الثقافة المعني بزخرفة الديمة الخربة التي تولى صالح إدارة العبث فيها؟ لم تتفوه حينها ببنت شفه، ولم نسمع، ولم نرى كل هذه الجلبة والردهات الفلسفية التي عفى عليها الزمن، تتحدث على الدولة الرخوة وكأنك صاحب التسكين، تواضع يارويشان هناك من هو أكثر وطنية وإدراكا وفهما منك للواقع، لكن المرحلة أكثر من أن تحتمل المزايدة، وليست بتلك المثالية، وبإمكانك أن تنزل من كرسيك العاجي الذي حجزت مقعده بعد الثورة إلى سوق واقع التخريب والمتاجرة التي يتزعمها صالح، وتدرك طلاسمها المعقدة حتى يتسنى لك مراجعة كل شطحاتك الفلسفية العقيمة، وانبجاساتك  الباحثة عن الظهور والقرب المغبون.

    لتعلم أستاذ خالد بأن أحدا لم يعد يثق، أو يلقي اهتماما بمخلفات علي صالح مهما بالغ في التنظير لفهمه ووطنيته، فالكل يعرف بأن المستهلك يبقى مستهلك ولو أجرى كل الجراحات الطبية والهندسية، فالتشوهات أكثر من تصلحها يد العطار الماهر.

    كل يوم وتخرج علينا بتجليات وكأننا أمام "رجب أردوغان" أو "مهاتير محمد" أو "المهاتماغاندي" أو "نيلسون ماندلا"، يا أخي تواضع، على أي كوكب أنت تعيش؟ أنت على كوكب اسمه اليمن جل حيتانه ونافذيه تثأر وتعادي شعبها، وتتغذى على بعضها، تبيع وتشتري بكل شيء مهما كان ثابتا ومصيريا لشراكة العيش، لا تحكمها قيم، ولا ترعوي لثوابت، غابت جل منظومة القيم عن قاموسها المكيافيلي، وإن شئت فاسأل علي صالح معلمك وديدنك الأول، وإن لم تكتفي بصالح بإمكانك الاستعانة ببقية رموز التخريب من نداماك الأوائل، بإمكانك أن تحصل على معلومات منصفة من أقرب دكان في الحي ليوافيك بحجم الخراب والفوضى والعراقيل، التي يحيكها ويزرعها الزعران البائسين، ويعجز عن حلها الأديب الألمعي.

     مسلما به بأن هناك من يزرع الشوك للرئيس، ويصور للأخ عبد ربه بأن البلاد على ما يرام، وهي ليست كذلك، وبخلاف ما تزايد، لكن هل يعني ذلك بأن ما ذكرت وأوردت من تحامل هو عين الحقيقة؟ لا.. لا.. هناك مزايدة غير مقبولة، خصوصا وأنك تجلد في الضحية كل يوم وتعفي القاتل من أي عتاب، أو حتى إشارة نقد، هون عليك ! والله أنك كنت أقل من أن تكتب رسالة عتاب لعلي صالح، وبفضل الثورة أصبحت منظر للمزايدة أشبعت هادي نقد وبدون إنصاف.

     يا رجل الشعر والأدب اترك بحور السياسة لأهلها، واسلك سبل الشعر، وخلجان العواطف، والمشاعر الجياشة للزمن الغابر من حقبة الفساد السابقة والعامرة بكل ما تشتاق له أذن السامع، واكتفي بعبق التاريخ السابق الذي تأذى منه الأذى، واسرد لنا من مصائبه ولو النذر اليسير لو كنت بكل روح الشجاعة التي تدعيها في ثنايا كتاباتك، وتعرض فقط فن فصولها و تأملاتها في سوق ما بعد صالح، لقد غبت كل دهر مواقع البأس، وحضر فرسان الأقلام حينها، وغيبوا في سجون الظلم والطغيان، وعجزت قريحتك حينها أن تسعفنا بكلمة تكفكف بها دمعة سجين للحرية، ولم نسمع لكم "ركزا" أو "ذكرى" تجبر ألم المناضلين، وكثيرا ممن خرجوا علينا متأخرين هم حملة المباخر وسدنة الأصنام. غابت الأقلام المنافحة والشجاعة لتحضر أنت فقط في الزمن الخطأ، والتوقيت غير المناسب، حضرت ولكن حضور الباهتين الباحثين عن عز لا يدرك بالمزايدة والمماراة.