لن تستمر الحالة اليمنية رهينة الحكمة المفتوحة، رغم الحاجة لمفردات الحكمة في التعامل مع الملفات الأكثر خطرا وسوء على البلاد، وعدم استغناء أي سياسي حاذق عن الأداة السياسية لمعالجة مدخلات الأزمة بأنواعها، والتي تدور رحاها في بلد تحظر فيه تقريبا نماذج من مشاكل الإقليم والعالم وتناقضاته؛ ابتداء بالخطر الكوني المتجسد في شخص الإرهاب، ووجد في اليمن مرتع فقر مغري، مرورا بردة معاول الفساد الشرسة على سلطة ما بعد الثورة لشل إرادتها وإفساد جهودها في إصلاح منظومة الحكم واستحقاقات مخرجات الحوار، وانتهاء بالعبث الحوثي فاقد العقل ومفتوح الشهية للخراب والقتل، ويتنفس العمالة على مصراعي شعاراته ولاء وبراء دونما خجل. الخطر يزداد كل يوم وتحديدا من مليشيات الحوزة، وقطعان القاعدة العمياء، المفلستان سوى من سياسة الأرض المحروقة، وتدمير كل من يقف في طريق حلمهما المريض ولو كان سلاح الدولة الشرعي، وأمام كل تلك الآفات والمصائب التي تتركها بلد خلفه العجز والفقر، وتركة ثقيلة سابقة تنؤ عن حملها الجبال، ناهيك عن تدخل خارجي هو الأخطر على أمن وسيادة البلد.
وفي ضوء معطياته الخطيرة نتساءل؛ ماهي القبضة المناسبة لدرأ هذا التدخل؟
ببساطة ووضوح اليمن بعد الثورة خطت طريقا صعبا وشاقا، بيد أن آمالا كبيرة تراود أحلام اليمنيين إن قدر لهذا التوجه النجاح، فالحوار كان أول ثمار ما بعد الثورة، وقد راهنت كثيرا من قوى الداخل والخارج على فشله وسعت لإفشاله بكل الوسائل والتكتيكات القذرة، وبعض تلك القوى تعلم بأن قطرة ماء واحدة لوجهها القبيح لم تعد متوفرة، وما سكوت وتجاهل اليمن لخراب تدخلها، ونكث وعودها بالدعم الإيجابي سوى واقع الحال وقلة الحيلة، وسفاهة الأدوات الداخلية المنفذة بكل جرأة ووقاحة، غرها في ذلك حكمة السلطة ونفسها الطويل في التعامل مع قوى الشر.
بلغ سيل التدخل الزبى، ووصل حدا يستحال السكوت عليه، خصوصا وأن تهديدات هذا التدخل لم يعد هامشيا ولا رئيسيا بل ذهب وطال مدى المصالح المصيرية والحيوية للبلد، وأصبح ينذر بخطر مستطير يمكن أن يجرف الحلم اليمني في حال استمر السكوت على عجرفة هذا التدخل. العبث بأمن البلد وقضم بعض أجزائها من قبل قوى التخريب بمختلف مسمياتها؛ هو الخطر المصيري والحيوي، الذي لا يجب السكوت عليه، وتجنيب حكمة التعامل معه، لأن طبيعة مثل هكذا خطر لا ينفع التعامل معه سوى بقبضة الدولة الحديدية الكفيلة بشفاء وساوسه وغروه، والحفاظ على كينونة الدولة وقوامها ومنظومة أمنها.
قطع الطريق على قوى التخريب المأجورة لا يحتمل إغفال الرصد والتعقب والضرب بيد الحديد والنار لطيش تلك القوى العابثة، وتفويت مسوغاتها في الاستفادة من بعض استحقاقات التنظيم الأقاليمي المنبثق عن مؤتمر الحوار في النيل من السيادة الترابية للبلد، وتهيئة ساحتها للعبث الخارجي الغشوم والحاقد، والأكثر خطرا وفتكا بالحاضر اليمني ومكتسباته الثورية والديمقراطية مقابل الريالات والدراهم الرخيصة كأصحابها وأذناب من هو على شاكلتهم.
التخريب يستنزف البلد، يدك بنيته الأمنية بكل قوة، لايهمه أن يحول اليمن إلى مقبرة، وأن يحول اليمنيين إلى نازحين أقل من العبيد في دول الجوار، تتغذاهم يد العنصرية والظلم، وثقافة الاستعلاء التي تعافها الحمير، التخريب والتوسع على حساب الدولة خطر مصيري، وتحديدا عندما تقف خلف هذا الخطر قوى إقليمية غشومة وأدواتها المالية فاعلة ومؤثرة بعمق، تتنفس الحقد، وتسعى لترجمته ولو أدى ذلك لحرق البلد بمن فيها، وتمزيقها، وتحويلها إلى كانتونات تحكمها عمامات وعصابات تسمى "حوزات" "سلاطين" و"مشيخات" عافانا الله من وبالها ووبائها.
كما أسلفنا ونردد ونكرر مهمة مواجهة قوى التخريب باختلاف مصادرها ومشاربها، والجهات التي تقف خلف مآسي عبثها على بلد أنهكته الصراعات، لا تقع فقط على الرئيس هادي وحكومته الضعيفة، والمشلولة أذرعتها وتحديدا منها الأذرعة الخارجية، وجهود الجيش والأمن المشتتة من حروب القاعدة وأسلوبها في الكر والفر الاستنزافي إلى زحف جموع الحشاشين الحوثة على القرى والمدن بعقلية القرون الخرفة، ومن بلطجية التفجير مدفوعة الأجر بكل مكتسب إلى حثالة المرتزقة ذوي الارتباطات المباشرة بالخارج من بعض رجالات القبائل والتجار. يجب أن نعترف بأن الخطر كبير، ومطالبه مرهقة ولا تحتمل، وتفكيره، وطريقة التعامل معه مقرفة، وأكثر من مكلفة لمقدرات البلد وسيادته، كما أشار إلى ذلك ضمنا وصراحة الأخ رئيس اليمن الموحد عبد ربه منصور، ومواجهة خطر بهذه المواصفات يتطلب الترفع عن الحسابات الضيقة، والمصالح التي تمليها وساوس وشكوك المرحلة السابقة، وأن يتكتل جهد النظام السياسي برمته رسميا وشعبيا لمواجهة الخطر.
لم يعد بإمكان البلد تحمل التمترسات والمناكفات والمزايدات التي لا تغني شيئا في حسابات المخاطر ومآسيها وتبعاتها على البلاد. تسجيل النقاط والتفكير الضيق بلغة المكاسب في أوضاع كهذه ضربا من الوهم والخسائر غير المحسوبة، لذلك يحب أن لا نكتفي بترديد المعزوفة هناك رئيس وجيش تقع عليهم كامل المسئولية، ومواجع البلد لا تسعف بمواجهة كل تلك المخاطر، ومصائب القوى السياسية والمشاريع الصغيرة لا تخمد، ولا تنتهي كوابيسها ساعة من نهار، فهل لغة الخطر المحدق، والمواقف المفصلية الحرجة تحتمل أن نحمل بعضنا البعض تبعات الوضع، ونكتفي بالبحث عن تبريرات واهية لمجمل التصرفات السياسية، أو نتجه لشيطنة مؤسسة الرئاسة وتحميلها وحدها تبعات المشهد برمته دون إنصاف، ودعوة الخارج لمحاسبة هذه المؤسسة أو التخلص منها والنتيجة ماذ؟ نذهب إلى الفوضى جميعا.....
يجب أن نغادر من مربع الخلافات الهامشية، ونتصدر بمسئولية وطنية موقف المواجهة بكل تفاني وصدق ومثابرة، ونشد من أزر القيادة السياسية والجيش لبتر الخطر المتزايد على البلاد، بتعزيز الثقة بين القوى الوطنية بعيدا عن نهم التقاسم وحسابات شكوكها، وإعادة روح الثورة القوية وألقها بجهد وطني نستشعر فيه الروح اليمنية الصادقة بكل تجلياتها، نبعث فيها رسالة للجرذان بأن اليمن رقم صعب وعصي على التطويع، وأننا يدا واحدة لتأديب الثعالب التي ترغي، وتعيش غمرة شيطانية تتوهم تدمير مكتسبات البلاد للعودة بها إلى حكم الكهنوت، وجرها إلى مربع التمزق والفوضى بتفكيك قوتها الوحدوية وآمالها الثورية الطموحة.
رسائل للقيادة السياسية والقوى الوطنية لمواجهة التحدي الأخطر!!
الرئيس عبد ربه معني بتذويب أي جليد يصنع بينه وبين كل القوى الوطنية وتحديدا منها الثورية لأنها الأكثر حرصا على خروج البلد من مأزقه وأزماته، وهي سند الرئيس ورقمه الصعب الذي يمكن أن يتجاوز به تحديات المرحلة المقبلة، وأن يحذر القوى المتلونة، ولا يهمها أن تبيع وتشتري بثمن بخس، والرئيس لا شك يعلمها وأكثر من خبرها. وهذا يقتضي أن يمد الرئيس دائما يد الثقة ويشد من أسسها وفقا للمحدد الثوري واستحقاقاته.
القوى السياسية وتحديدا اللقاء المشترك وقوى الحراك الجنوبي وشرفاء المؤتمر وهم كثر، معنية بتجاوز حساباتها الضيقة، وتوهماتها التي أملتها معطيات التجربة المريرة السابقة، وشكوك الاستئثار والتسلط، والبناء على المكاسب السابقة، والحيلولة دون أي نوع من القطيعة خصوصا والبلد تمر بأخطر مرحلة تاريخية، تستهدفها قوى لن تفرق ولن ترحم أحد، والكل سوف يكون خاسرا لو حدث الأسوأ لو قدر الله شيء. لسان حالها نحن عدة اليمن ورصيدها النضالي ولن نقبل بهزيمة توقعها بنا القوى المتربصة بالمنجز الثوري خارجية كانت أم داخلية، وخلافاتنا البسيطة في إدارة شئون المرحلة لا تحول وتعاوننا غير المحدود مع القيادة السياسية، وتحمل تبعات المرحلة بمسئولية واقتدار وفق قاعدة الشراكة البناءة، والترفع عن عباية المزايدات وأصحابها، والمكاشفة حول أي اختلالات وتباينات من باب "المناصحة البناءة" وليس "التشهير" غير المباشر الذي يتجه بالعلاقات نحو مزيدا من التنافر والقطيعة، التي تدفع بالقيادة السياسية بدون شك نحو الارتهان على حساب البلد. فاتساع رقعة الخلافات بين القوى السياسية الوطنية سيجعل البلد مكشوفا بصورة تضاعف من مخاطر التدخل الخارجي الأخطر بكل كوارثه، وتضييق هوت الخلافات وتعزيز الثقة يحصن البلاد من هول المخاطر الخارجية.
الجيش والأمن هو عدة البلد وأداة هيبتها، وارتخائه، أو تعطيل أيا من أجهزته لا شك سوف يكون ثغرة تمنح هواة التخريب وداعميهم بأن يعبثوا بأمن البلد، وتعميم فوضى على ترابه، وتحقيق أجندتهم الخبيثة، لذلك لا بد من قبضة حديدية لكل من تسول له نفسه العبث بأمن البلد وسيادته أيا كان وتحت أي مظالم، إذ لا مجال للعبث ولا حديث معه سوى بلغة القوة، وواجب القوى السياسية دعم ورفع معنويات الجيش بكل السبل وأن تكون حاضنه الوفي، وعينه التي تحرسه من أن تطاله يد الغدر والتخريب. وفي المقابل هناك أدوات وقنوات لأي مطالب شعبية مهما كانت ملحة وضرورية، والقيادة السياسية الأمنية معنية أن تعمل بروح الفريق الواحد دونما أي حسابات سياسية، فالبلد لا تحتمل أمنيا أي خلاف بين الجيش والأمن،، أو أي اجتهادات غير منسقة لا تأخذ بعين الاعتبار مدخلات البلاد الأمنية ومخاطرها الكلية، وتفكيكها وفق قاعدة المصالح المشتركة لقوى التخريب بكل مسمياتها، إذا لا فرق سوى بالمسميات والنتيجة تدمير مكتسبات البلد الاقتصادية والسياحية، وهروب الاستثمارات الكبيرة مؤشرات أولية لتخريب البلد وتفكيك سيادته الترابية.
عين الحكمة لا تعني دائما أن نظل وقفا على مداراة المخربين واسترضائهم، لنرى أنفسنا في النهاية أمام معضلات أمنية لا تسعف كل جهودنا في تطويقها، حينها سوف نكون أمام حقيقة الحصاد المر على البلاد وأهلها، وهذا ما لايتمناه مواطن يمني.