الصيد في الماء العكر مهنة جديدة لبعض السلفيين، تسليط الضوء على معركة القاعدة بأنه جزء من الحرب على التيار الإسلامي أو تقطيع لأذرعه، أو مقدمة لضرب بنية الإصلاح سياسيا وعسكريا، هي جزء من حملة تستهدف القوى الوطنية الإسلامية، والأخطر من ذلك، أن يصفها آخر بأنها جزء من نسخة منقحة لرابعة ويذيل صفحته بأن الله من وراء القصد، وهو بذلك يقدم خدمة جليلة لبعض المرضى بأن يصدقوا أن معركتهم مع الإصلاح تبدأ باستئصال شأفة القاعدة، المصيبة بأن الكثير من المواقع القريبة من توجه الإصلاح تتهافت، أو تسارع، وأكثر من ذلك تروج لنشر سموم هذه الكتابات بدون فهم لأبعاد مخاطرها وكوارثها.
آخر، يضع عنوانا يشد القارئ ويوحي برسالة بأن الأستاذ محمد اليدومي هو المشرف على نشاط القاعدة عندما ينتقي عنوانا "اليدومي وصالح وعلاقتهما بالقاعدة" بغض النظر عن محتوى المقال، أنا لا أفهم هل هؤلاء يعقلون مخاطر هكذا كتابات وعناوين في ضل وعي يمني مسطح، أم أنها مجرد مراهقة كتابية هدفها الظهور ليس إلا، أنا لم أعد أفهم كثيرا في مصائب بعض هذه الكتابات السلفية المريعة.
حسب متابعاتي المتواضعة لم أرى مثل القاعدة تيار خراب وعدمية يرمي بمصائبه الحركة الإسلامية، وما زالت تدفع ثمنها كل يوم وفي مختلف بقاع البسيطة، حتى وإن كانت أبعد ما تكون عن فكر القاعدة وتوجهها وخرابها، ولم يستفيد أعداء التيارات الوسطية الإسلامية المدنية من فزاعة للنيل من هذه التيارات مثل استفادتهم من التيار العدمي الذي يسمى "القاعدة" في تشويه وشيطنة التيارات الإسلامية المعتدلة، ناهيك عن أن تيار القاعدة هو التيار الإسلامي الأكثر اختراقا وتوظيفا من قبل تجار الحروب والسياسة، فهو الأداة الأكثر ألعوبة لتنفيذ أجندة القوى الخبيثة والمتربصة، وتحديدا منها الأنظمة المستبدة والمتسلطة والفاسدة في المنطقة العربية، التي تتاجر كل يوم وكل ساعة ببضاعة القاعدة الرخيصة.
تتعامل مع هذا التنظيم بازدواجية واضحة، فهي تبارك القاعدة الجهادية في الصومال وتحاربها في أفغانستان ومصر، تدعم أنشطتها في اليمن وتحاربها في السعودية والعراق. لا يوج هناك مستفيد من خدمات القاعدة مثل الأنظمة المريضة في المنطقة، فقد تذرعت ردحا من الزمان بالإرهاب للتنصل من مطالب الإصلاح الملحة والضرورية، وظلت تروج بضاعتها للغرب بأن البديل لها ليس "ديمقراطية جيفرسون" بل الحركات الإرهابية. وليس هناك من عبئ أثقل على نشاط الحركة الإسلامية الوسطية من عبئ هذه المنظمة العبثية. وتطلع علينا بعدها بعض الأقلام لتحلل، وتنظر، بأن استهداف القاعدة المخربة في أبين هي فقط جزء من مقدمة إستراتيجية للنيل من التوجه "الإخواني" أو "الإصلاحي"، والكارثة الكبيرة أن الصحافة العاشقة لمثل هذه الأخبار تفرح بالتهم، وتنشط بصورة ملفته لتوجيه الأنظار نحو هذه النوع من بعض السموم السلفية على الإصلاح؛ الحزب المعروف بوسطيته واعتداله ونشاطه المدافع عن الثورة والقيادة المنبثقة عنها.
القاعدة لا يستفيد منها سوى هواء التخريب وتعميم الفوضى في الساحة اليمنية على وجه الخصوص والعربية والعالمية على وجه العموم، وتستهويها في اليمن كل قوى التخريب المتربصة بالبلد، وتبارك أنشطتها بعض دول الجوار التي تتعامل مع هذه النبتة الشريرة عن طريق الوسطاء من المرجعيات العفنة مقابل إثراء هؤلاء المرجعيات، وكل جهود القاعدة في اليمن هي إسناد لعبث الحركة الحوثية والحراك المسلح، ومن يقف خلف نشاطهما.
قليلا من العقل يا من تتهافتون وراء بعض الكتابات المسمومة، وتروجون لها بدون فهم لتبعاتها ومآسيها على البلاد بشكل عام والإصلاح بشكل خاص، القاعدة والفكر السلفي القريب منها هم أكثر عداء للتيارات الإسلامية الوسطية، وأول من يبارك جنائزهم، وسند الاستبداد وعدته، وقد رأينا بأم أعيننا ما تفضل به حزب النور الشغوف بالذباح السيسي ورفاقه من عتاولة الجيش.
لا تكن الأحزاب الوطنية الأخرى من قومية ويسارية ذات العداء الذي تضمره القوى "السرفية" وليس السلفية تجاه الأحزاب الوسطية القريبة من حركة الإخوان، فهم في نظرهم زنادقة، وضلل، وتجار الحزبية والكلام، كما كانوا يروجون وحاكوا فيها الإخوان بعد أن أعطوا الضوء الأخضر من راعيهم الحصري في دول الجوار، فهم أهل السمع والطاعة للتسلط والفساد، وكفر الخروج على الوالي وإن جلد ظهرك..وإن..وإن..الخ" قبل الثورة، وبعدها هم رواد إصلاح، ويجب أن يتصدروا الساحة السياسية، وينخرطوا في فتاتها، وتشكيل الأحزاب حراسة للثورة ومكاسبها والله من وراء القصد. هذه هي مهزلة بعض القوى السلفية، واليوم تصطاد في الماء العكر عندما رأت توجه الدولة نحو تمشيط القاعدة التخريبية في بعض المحافظات الجنوبية، لتذهب القاعدة وتجارها إلى الجحيم، لا يعني الإصلاح أمرها فهي كغيرها من حركات التخريب في البلاد التي يجب أن تواجه بقوة الدولة.
صناعة وفبركة الأخبار بأن توجه الدولة نحو خراب القاعدة لا تصب سوى في خدمة أعداء الثورة، فتحرزوا أن تفتحوا ثغرة مهمة للكتاب الذين يكتبوا لمجرد الكتابة، أو لاختراق الساحة الإعلامية للإعلام الذي يقف سندا للثورة، ومهما كان هناك من ملاحظات وخلاف مع القيادة السياسية، فهي أرحم من أن نرتهن في توجهنا للقوى المدسوسة من سياسية وإعلامية.