ظلت المجتمعات العربية والإسلامية عرضة لموجات الإرهاب الذي دك بناها المجتمعية دونما اعتبارا لأوضاعها الإنسانية، أو ثقافتها القائمة على الوسطية والرحمة، ولما كان الإرهاب غريب على ثقافة الدين الإسلامي التسامحية الوسطية، فقد استهجنته أمم وشعوب العالم العربي والإسلامي.
بيد أن الإرهاب بعنفوانه، وجحيمه، ووباله على المجتمعات يستحق منا أن نضعه محلا للبحث العميق في سبل مواجهته لتحصين مجتمعاتنا من مآسي الوقوع في براثنه، مركزين على ضالة الإرهاب ومحور اهتمامه، وهم فئة الشباب. فالإرهاب إن كان له سبق الترصد لنيل مبتغاه، فخط "الشباب" هم مضمار سباقه، ووقود جماحه المتفلت، فأينما يكون هناك "دماء فائرة"، و"عقول مسطحه"، و"أمراض الفقر الفتاكة تنهشها"، فهناك شعاب مرجانية خصبة ومغرية لشبكات الإرهاب للصيد فيها بسهولة، وغالبا ما نجحت تلك القوى الإرهابية المأفونة والمصنعة في نيل مراميها في قطف زهرة الشباب بطريقة هي الأكثر استغلالا ووحشية دونما مروءة أو ضمير أو خلق أو دين يردعها، فهي قد جبلت على حب الشر، والعيش على موائده اللئيمة، ولا يهمها ما يلحق من أذى ومآسي بالمجتمعات التي تعبث فيها إن كانت تحقق مآربها، ولا تعنيها تلك الوحشية، والفزع الذي تتركه في خيالات المجتمع وتصوراته، كما لا يهمها ما سوف يلحق بأسر الضحايا من عذابات ومعاناة وحسرة من فقدان لأحبابها "مفجرين" و"ضحايا" على السواء لتلك التفجيرات المروعة.
إذ لا تزال تلك الصور التي خلفتها اعتداءات العرضي في العاصمة صنعاء عالقة في أذهان الناس، ولن ينسى الضمير اليمني، مآسي تلك المخلوقات الوحشية التي لا تمت بصلة للخلق الإنساني، وحتى شريعة الوحوش تعافها، وتربأ الانغماس فيها. ناهيك عن ما تشهده بعض المحافظات الجنوبية والشرقية هذه الأيام من نشاط لجرائم الإرهاب الذي فتح حربا على الدولة، وانتشار عدوى ذلك الإرهاب الفاجر قتلا وتخريبا في معظم محافظات الدولة اليمنية.
وأمام تلك الحقيقة المأساة، والظاهرة المخيفة التي تسمى الإرهاب لا بد وأن تكون لنا جهود تتضافر وتتكامل حتى تستأصل شأفته السرطانية من أوساط مجتمعنا الضحية من خلال تحصين المجتمع، وتحديدا الفئة الأكثر سقوطا في دائرة "السطو الإرهابي" وهي فئة الشباب. ومحط اهتمامنا هنا ينصب على التوعية الإعلامية والإرشادية المركزة والكافية لكشف عورة الإرهاب وزيفه، وتفنيد مزاعمه، وتبصير المجتمع بصنوف وألوان مغالطاته وأكاذيبه، وتوضيح مخاطره ومآسي السير في طريقه، وحماية الشباب والنشأ من أن ترد حياضه وساحاته، في إطار رؤية حقوقية، خصوصا وأن واقعنا اليمني بكل تفاصيله الاقتصادية والاجتماعية مغري ويسيل لعاب الفئات الضالة المتوحشة لنيل مراميها.
إن انتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة بفعل الانفلات الإعلامي، وازدهار وسائل الاتصال الجماهيري كانت له انعكاسات كبيرة على الإرهاب، بحيث شهدنا زيادة ملحوظة في الأعمال الإرهابية والاغتيالات السياسية والنزاعات الطائفية في اليمن، وقد بات من المستحيل فرض رقابة صارمة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فلا بد بالتالي من تركيز خطاب تصحيحي يفند الفكر الضال، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر.
ولما كانت اليمن من أكثر الدول إصابة بداء الإرهاب وتأثرا بنتائجه، فمن الضروري أن نتوصل إلى رسم إستراتيجية إعلامية يمنية لمواجهة قوى الشر الإرهابية، كهدفاً حكوميا وشعبيا ساميا، بعد أن أضحت اليمن من أكثر دول العالم تعرّضاً لمخاطر الإرهاب والتطرّف والمغالاة، وتكتوي بنيرانه كل يوم، وهو أمر دفع بالحكومة اليمنية للعمل وفق جهد مشترك بين عددا من وزاراتها إلى الوقوف على هذه الظاهرة، وكشف تبعاتها ونتائجها السيئة التي تؤثر بشكل مباشر في الأمن والسلم والاستقرار المجتمعي في البلاد. فضلاً على ضرورة التخطيط العلمي والإعلامي المتنوع لمواجهتها.
وعندما نخوض في غمار تقديم إستراتيجية إعلامية إرشادية وتربوية متكاملة، فذلك يعني أننا نسهم في العمل لانحسار ظاهرة الإرهاب، والحدّ منها في المجتمع اليمني، فضلاً عن كشف الفكر المضلّل الذي يسوقه الإرهابيون، وهم يستهدفون الحياة والإنسان والبيئة في آن معاً، ودونما تمييز، وهي دعوة إلى مختلف الجهات الإعلامية أن تبذل مزيدا من الجهود المنظمة من أجل أن تتجسّد هذه الإستراتيجية الإعلامية التوعوية كواقع وممارسة من قبل القائمين على وسائل الإعلام الرسمي بوجه عام والإرشادي "المسجدي" بوجه خاص، كسلاح فعّال ضد ظاهرة الإرهاب التي تصنع من الشباب وقودا لمعاركها التي تلقي بتبعاتها الأمنية والاقتصادية على البلاد. وأمام هذا التحدي لا بد من إستراتيجية واضحة ومدروسة، تضع خطاب وتوعية منهجية إعلامية قائمة على الاعتدال والتسامح والاعتراف بالآخر.
مسألة التحصين الإعلامي التوعوي للمجتمع من أن يقع في حبائل الإرهاب هي مهمة وطنية وضرورة ملحة لا تهاون في مناهزتها، ولا تعني جهة بعينها سواء كانت رسمية أو غير رسمية، ففي حين يضطلع الإعلام الرسمي وغير الرسمي بمختلف وسائل اتصاله وقنواته بالمجتمع في وضع الخطوط العامة، وتوفير هامش كافي لمخاطبة عقل المجتمع بمخاطر الإرهاب وأضراره الكبيرة بالمجتمع وتكويناته الشبابية، هي أيضا مهمة الخطاب الإرشادي المسجدي، وذات المهمة تقع على الحواضن التربوية "المدرسة" و"البيت"، عدا عن كونها مهمة مؤسسات المجتمع المدني الرائدة في العمل التوعوي، بأن تقوم بتوضيح الآليات الكفيلة التي تحول وسقوط الشباب في قبضة الإرهاب، ونبذ هذه الظاهرة الخطيرة، وحراسة المجتمع لنفسه من أن يتسلله "طاعون الإرهاب" القاتل. ففكر المجتمع بحاجة لجرعات كافية من التوعية المركزة إعلاميا، والمستهدفة لكل شرائح المجتمع رجالا ونساء حتى يكونوا أمام عين الواقع بكل مخاطره، وعيونهم ساهرة لحراسة أبنائهم من أن يبسط الإرهاب يده عليهم، أو يغتال فتوتهم على حين غفلة ليذهب بها في محارق الهلاك، وأودية الشر.
مسلما به أن لكل وسيلة إعلامية روادها وجمهورها، فهناك جمهور القنوات الفضائية، وهناك أيضا جمهور الإذاعة، وآخرين منهمكين على موائد النت الطويلة والفضاءآت الواسعة، سوى أن هناك مواقع لا يصلها الإعلام، وهي "محاضن تربوية" لا يستهان بها، فغالبا ما تستغلها بعض الأفكار المشوهة المفرخة للإرهاب، وهي "منابر المساجد"، ذات النفس "الطائفي" و "المناطقي" أو "التكفيري". هذه المحاضن مغرية للعناصر الإرهابية ويرتادها الناس خمس مرات في اليوم، ويثمنون كل ما يقال فيها ويأخذونه في حسبان اهتماماتهم، وأكثر من ذلك يمثل المسجد منارة التوجيه الحياتي دون سواه عند كثير من الناس، فليس هناك منبر يوجه ويؤثر في توجه الناس مثل المسجد، وبالتالي فالدور الإعلامي لا يكمله منبر تربوي مثل محضن المسجد، ولا يوازي تأثيره في عقول الناس أي قناة أو وسيلة إعلامية مهما بلغ تأثيرها في أوساط الناس.
وتأتي أهمية الدور الإرشادي والتربوي للمسجد انطلاقا من كونه منارة دينية يرتادها الناس كل يوم خمس مرات، تسكن وتطمئن فيها نفوس الناس، وتستمد منها قبس الهداية وروح الآداب الإسلامية لتمتثلها سلوكا حياتيا في مختلف مجالات الحياة، وفقا للتعاليم التي يتلقاها أفراد المجتمع مهما كانت طبيعة تلك التوجيهات والآداب من حيث المدى والحدة، هذا التأثير ينعكس في سلوكات أفراد المجتمع خصوصا فئة الشباب، ويتحدد تفاعلات السلوك المجتمعي وفقا لنوع الخطاب ومستواه ومحدداته، فقد يصل في أحايين إلى خطاب يغلق على رواد المسجد مجرد الاستماع لأي قنوات أخرى مهما كانت مفيدة تحت طائلة الحلال والحرام بل وواحدية التعبئة والمرجعية والتوجيه، وهو ما يساعد ويدفع نحو انحراف الشباب عن الخط الوسطي والسير في مسار خطر ينتهي بهم في مآسير الإرهاب المروع، وما يحمله من مآسي على المجتمع والدولة. وفي المقابل يمكن الاستفادة القصوى من المنبر المسجدي في تنوير الشباب برؤية إسلامية وسطية تسامحية تقوم على الرحمة والعدل والتكافل، والحظ على الخير والمساهمة فيه، بحيث يصبح الشباب أملا في صلاح واستقامة المجتمع الذي تسود فيه الرحمة والتكافل الإنساني بكل صوره.
لذا كان لا بد من أخذ دور المسجد بعين الاعتبار، وتأهيل الخطاب الدعوي ليكون عند مستوى المسئولية والفهم بكيفية درء مخاطر الإرهاب عن المجتمع، وتحصين هذا الأخير من دائه خصوصا في أوساط الشباب.
رسالة المسجد يجب أن تسير بتناغم وتكامل ورسالة الإعلام حتى تؤدي الدور المطلوب، وتكون لها أبلغ الأثر في ثقافة ووعي الناس بمخاطر الإرهاب، إذ لا بد بأن يكون هناك درجة عالية من التنسيق والترتيب بين نوع الخطاب الذي يضطلع به الإعلام والتوعية والإرشاد الديني في المساجد. وما يختص به الواعظ أو الخطيب في المسجد من رسالة موجهة لمجتمع ما هي ذاتها ما يمكن أن يتابعها المواطن بطريقة عقلانية إرشادية في القنوات الفضائية، مثلما أن المعالجات بأنواعها التي يقدمها الخطيب في منابر المسجد هي ذاتها التي يعرضها الإعلام في برامجه الإعلامية المختلفة.
إذ لا بد من عقد دورات تدريبية يحضرها إعلاميين وخطباء مساجد يتم مناقشة الدور التوعوي الإعلامي المتكامل الفاعل والمؤثر بين كل تلك المنابر، وكيف يمكن أن تكون هناك منظومة متكاملة من شأنها أن تحول بين الإرهاب والمجتمع خصوصا قطاع الشباب.
حدود التعاون بين كل المحاضن الإعلامية التربوية يجب أن تسير بالتوازي مع المنظومة التعليمية التي يتلقاها الشباب في المدارس بمختلف مستوياتها حتى يتم تحصين الشباب في مختلف محيطه البيئي، فالإعلامي، والخطيب، والمعلم كلهم سلاحا حادا يفتك بالمنظومة الإرهابية، ففي المدرسة جرعة، وكذلك المسجد والبيت، والبرامج التلفزيونية، وبالتالي لن يكون الشباب صيدا سهلا، ولن ينفذ إليه الإرهابيون بسهولة، إذ سوف يجدون تحصينات من الصعب اختراقها لنيل مرادهم، وبالتالي فلن تكون مهمة الإرهاب سهلة خصوصا إذا ترافقت هذه المهمة التربوية والإعلامية مع معالجات اقتصادية وتعليمية تحول وانحراف الشباب عن الطريق الصحيح، ناهيك عن الجهود الأمنية التي يبذلها الأمن والجيش، والتي هي بمثابة العصا الفتاكة بحق الإرهاب.
تنوع وسائل الخطابي الإعلامي وتكاملها
تمثل وسيلة القنوات الفضائية ضمن الوسائل المهمة وواسعة التأثير، حيث أن هامش الإرهاب ضيق في استغلال ممثل هكذا وسيلة إلا في حدود ضيقة وتحت مسميات طائفية و مناطقية، أم المسمى التكفيري فيتم ترجمته لكن في حدود بسيطة، وليس بشكل رسمي، لذلك، يمكن الاستفادة من ثغرة البث الفضائي لهزيمة الإرهاب، فهي قناة اتصالية فعالة وواسعة الانتشار وجمهورها كبير ومتنوع، لكونها إحدى القنوات التي ما زالت محرمة عند بعض فئات الإرهاب.
الساحة الإلكترونية، وهي ساحة خطر مفتوحة، ومرتع آمن لآلة الإرهاب الإعلامية، والمواجهة معها واسع وشائك في هذا الحقل الإعلامي، وفريق ومجاميع الإرهاب تنشط فيها بقوة وزخم لا تتمتع به تلك الجماعات الضالة في بقية قنوات الاتصال، نظرا لما تتمتع به هذه القناة التواصلية على غيرها في صعوبة التحكم بها وفاعليتها وسرعتها وقلة تكلفتها.
دور خطباء المساجد في التوعية والنصح والإرشاد وتحصين أبناء المجتمع من الأفكار المنحرفة والضالة، وإرشادهم إلى سبيل الحق والسلام والوسطية والاعتدال. خصوصا وأن المنبر المسجدي من أهم أدوات التوعية، وقد بدأ ينحسر فيه نشاط وأصوات التكفيريين وغيرهم من دعاة العنف بمشاربهم المختلفة. ونحن بحاجة ماسة لإيجاد آلية موحدة لعملية الإرشاد وتوحيد الخطاب الديني في عموم مراكز ومحافظات الدولة، وبما يضمن تعزيز الأداء الفاعل للخطباء والمرشدين في التوعية السليمة لكافة أبناء الوطن والقوات المسلحة والأمن.
كما أن تكامل الخطاب الإعلامي يقتضي العمل على تفعيل عقد دورات تدريبية ودعم وتوسيع المحاضرات والخطب الدينية لخطباء القوات المسلحة في الفترة القادمة لتزويدهم بكل ما يتطلبه العمل الإرشادي والخطابي.. ومنوهين للدور الذي يطلع به الخطباء والمرشدون في إيصال رسالة الإسلام الحقة التي تحث على مكارم الأخلاق وحسن المعاملة بين أبناء المجتمع الواحد وترسيخ مفهوم الاعتدال والوسطية وقيم التسامح ونبذ الفرقة وكافة أعمال التخريب والإرهاب.
أهمية تنسيق وتكامل هذه الجهود الإعلامية في الوعظ والإرشاد بين دائرة التوجيه المعنوي ووزارة الأوقاف والإرشاد ووزارة الإعلام، وبما يسهم في الارتقاء بمستوى العمل الإرشادي في أوساط منتسبي القوات المسلحة والمواطنين وتقوية أواصر الإخاء والتعاون المثمر ورص الصفوف لمواجهة كل من يحاول المساس بأمن الوطن واستقراره أو العبث بمقدرات أبناء الشعب.
التعاون والتنسيق بين وزارتي الإعلام والأوقاف والإرشاد بالدور الذي يمكن أن تؤديه الوزارتين للاضطلاع بمهمة إرشادية فاعلة في أوساط الشباب، وعقد الدورات التي تجمع الإعلاميين والخباء لتنسي الرسالة الإعلامية، كما أن هناك دورا للتوجيه المعنوي في إسناد هذه المهمة .
التنبه لبعض الأخطار الواقعية، حيث تخوض وسائل إعلام محلية وإقليمية بتطبيق أساليب إعلامية طائفية مهمتها إضفاء صفة الثورة على حالة التمرد ضد سلطات الدولة اليمنية، والتركيز على شرائح ومناطق يمنية معينه وإبراز العمليات العسكرية فيها بكونها استهدافا لها، بالرغم من أن العمليات التي ينفذها الجيش اليمني في شبوه وأبين والبيضاء وعمران يصطف خلفها غالبية اليمنيين. وتسعى إلى تطهير الأراضي اليمنية من الجماعات الإرهابية والبؤر الحاضنة لها.
وعوضا أن تقوم بعض وسائل الإعلام الخاصة بجهد إعلامي يصب في مصلحة البلد بعقلانية ومنطقية، سوى أن بعض القنوات تقوم بمهمة تسميم الواقع الملغوم مثل "المسيرة" و"عدن لايف" وتصب الزيت في نار الواقع الصعب وهو ما يدفع إلى مزيد من تدهور الأوضاع وتضرر مناطق وشرائح معينة من جراء العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش اليمني تستمر في منطق تشجيع ودعم التخريب، وهذا يكرس قناعة لدى المواطن بأن هذا النوع من الوسائل الإعلامية باختلافها أن هدفها الأول هو العمل بتوصيات الممول من تجار الحروب والدماء وإن كانت تَضر وتُسيء إلى الناس بل وتقتلهم وتحرق مناطقهم.
أخير ظهر نوع جديد من الخطاب الإعلامي القائم على تفتيت الدولة اليمنية وإرجاعها إلى بعض المكونات الفرعية، حيث يطالب ثلة من السياسيين وشيوخ القبائل المدعومين من الخارج بمقاومة الجيش اليمني واستهداف أفراده ومعداته في كثير من المحافظات. وتصوير حرق مقرات الأمن وتقتيل الناس في الشوارع أعمالا بطولية في مواجهة الغوغاء وصفحة الغدر والخيانة كما وصفوها تعسفا سابقا. هناك أيضا الخطاب الإعلامي الداعي إلى انفصال الجنوب عن الشمال وتبعات العنف الذي يمكن أن تخلفه، وتحاول تلك القوى أن تستغل استحقاقات الفيدرالية، والذي برز أيضا من خلال تهديدات بعض المسئولين المحليين الذين وقفوا بالضد من الفيدرالية عندما طالب بها غيرهم، واليوم تتحول الى مطلبهم الأساسي لأنها تغطي مصالحهم الخاصة حيث أصبحت مثل هذه المطالبات صفة ملازمة لكل أزمة في البلد واصبح الكثير ممن كانوا يتلعثمون عندما يذكرونها يتحدثون اليوم عنها برحابة صدر وتسوق إعلاميا وكأنها الحل الوحيد للأزمات.
التوعية الإعلامية بوسائل المطالبة الحقوقية ومخاطر وسائل العنف
إن ثقافة المواطن التقليدية في حصوله على حقوقة الاقتصادية والاجتماعية بما تمثله من خدمات عامة وخاصة غالبا ما تترجم من خلال وسائل تقليدية، تنتهج العنف بكل آلياته وصوره إيمانا من جمعوع المواطنين بأن ثقافة الحصول على الخدمات العامة والخاصة، وطريقة الحصول على المنافع والحقوق المدنية والسياسية لا يمكن أن تتحقق أو تلبى بالوسائل السلمية، التي ينص عليها القانون وإنما لغة العصا الثقيلة والمؤلمة هي وحدها من تكلفل تمتع المواطن بالحق، وبالتالي فإن المواطن في عموم محافظات اليمن وتحديدا في "صنعاء- صعدة – عمران - الجوف - مأرب – وحضرموت – وشبوة – وأبين – والضالع" بحاجة ماسة لتوعيته بأهمية الوسائل الحديثة والقانونية التي يمكن أن يحصل فيها على كامل حقوقه بدون أن تكون هناك أضرار على المستوى العام أو الخاص، وهذه إن نجحت سوف تخدم البلد على وجهين فهي من ناحية وسيلة آمنة وقانونية لحصول المواطن في هذه المحافظات على حقوقه المحروم منها، ويذوق حرمانا كبيرا من كثير من الخدمات التعليمية والصحية، خصوصا في بعض المحافظات السالفة الذكر، ويخدم نفوذ وفاعلية الدولة في مناطق هي بأمس الحاجة إلى تكريس واقع الاستقرار والأمن والتنمية بحيث الدولة على الاستفادة من خيرات هذه المحافظات التي تزخر بموارد هائلة ومخاطر هائلة، حيث أن مناطق في الجوف ومأرب يؤدي الجهل الحقوقي ووسائل المطالبة به إلى تكليف الدولة لخسائر مهولة مالية نتيجة لاستمرار حالة التفجيرات بالمنشآت العامة كالنفط والكهرباء وآثارها المدمرة لاقتصاد البلد.
كما أن من شأن انتهاج المواطن للوسائل السلمية القانونية سوف يمكنه من الحصول على الخدمات العامة التي هو بأمس الحاجة لها، ناهيك عن امتياز حصوله على فرص عمل مهمة خصوصا في المناطق الشرقية والشمالية بدون أن يلجأ المواطن للحصول على حقوقه إلى الضغط على الدولة من خلال انتهاج التخريب والتقطع، وتجنبا لاستخدامه كأداة بيد جهات خارجية أو داخلية تملى على الدولة وتدفع ثمنها باهضا.
الأسس والمنطلقات الإسلامية التي تقوم عليها هذه الإستراتيجية
مهمة الإعلام الرسمي وغير الرسمي أن يوضح بأن الأمن هو الحكمة الكامنة من وراء اختيار الإسلام عنوانا لهذا الدين. حيث سعى الإسلام منذ مطلع فجره وبزوغ نوره إلى تحقيق الأمن والسلام من خلال تشريع الأحكام وإرساء القيم وغرس المبادئ التي تجسد الأمن وتجعله جزءا من كيان المسلم وعقيدة من عقائده وهو أكبر نعمة أنعمها الله على الإنسان قال تعالى: “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ” وجعل الله مكة – مهبط الإسلام – حرما آمنا وأقسم أنها البلد الأمين، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يبد لهم من بعد خوفهم أمنا وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) وقال: (من أخاف مؤمنا كان حقا على الله ألا يؤمنه من إفزاع يوم القيامة) وتكفي هذه النصوص لبيان أن تخويف الآمن بدون وجه حق من المنكرات التي تتنافى مع الأخوة الإنسانية والتي تحول دون التطور الذي يلزمه الهدوء والاطمئنان على الحقوق. وتقع على الإعلام مهمة توضيح مقومات الأمن والسلام من العدل والمساواة والتسامح بين الناس، وأن الإسلام ألغى التفاضل بينهم على أساس اللون والجنس والغنى والفقر قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كلكم من آد م وادم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، وجعل الإمام العادل أحد الأصناف السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ويجب الإشارة الإعلامية إلى أن تقرير هذه المبادئ لم يكن تقريرا نظريا كما حدث في بعض الدول، وفي هيئة الأمم المتحدة حيث وضعت المبادئ ولم ينفذ منها إلا القليل بحسب ما تريد الأمم القوية و إنما دعا الإسلام إلى هذه المبادئ وامتلثلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والتابعين، وعمت المجتمع الإسلامي في أقطار الأرض، وهناك صور عملية للعدل والمساواة في الإسلام كثيرة والمجال لا يسع لذكرها. ومهم أيضا أن يذكر الإعلام بمبدأ السلام في الإسلام، وأنه دين الأمن والسلام والمسلمون محبو الأمن ورافعو لواء السلام في كل زمان ومكان، ويحث الإسلام أتباعه ويحفزهم على إفشاء السلام في المجتمع حرصا على تسليط الأجواء الآمنة ويؤكد على بذله قبل الكلام لأنه أمان ولا كلام إلا بعد الأمان والاطمئنان، وهو مأخوذ من مادة السلام فإنهما يتفقان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة.
ملاحظة: "هذه الإستراتيجية هي مختصر لبحث تم إعداده ولم ينشر بعد لكاتب المقالة البحثية"