عجز الفاسدون أن يقدموا شيئا غير تخريب البلاد، هذا هو دأبهم وتخصصهم، ومنهجهم الذي أتقنوه طوال حكمهم البغيض، لغة النجاح ليس لهم فيها نصيب، ولا ينتموا لمدرستها الوطنية، شهية الخراب لا تخجل بأن ورثت القيادة السياسية الحالية ركام فسادها الثقيل لعقود، بل تصر على إغراق السلطة في وحل الفوضى، ومحارق يضرم نارها في كل مكان، وبمسميات ومظالم لا حصر لها.
تتوزع الفوضى على معظم التراب الوطني عناوينها جراثيم الحكم السابق، وأذياله من ألفت نفوسهم جشع العيش على حساب معاناة الناس وأمنهم بدافع الثمن المغري لكل "تفخيخ" و "قتل" و "ترويع" و"تدمير". رصد كل مسلسل الفوضى والشر الذي تزرعه أيديهم أصبح مستحيلا، فكل يوم تظهر علينا مصائبهم، وقطعانهم الحيوانية المنفذة أصبحت جيوش من العمائم الناطقة "القاعدة" وبعض "القبائل المارقة" المتعاطفه مع خرابهم، التي تفجر في كل مكان بدون تفكير أو رحمة، سوى من بعض الشعارات التي لا تعي من أمرها شيئا، وتتنقل، وتهاجم بعنفوان يذكرنا بأبشع عصابات الموت والقتل الفاشية.
مآسي التخريب وتجارها في مآرب، وحضرموت، وشبوه، وعمران وغيرها من المحافظات لم تعد مزعجة ومكلفة، بل أصبح لا يحتمل سماعها، أو مناقشة أسبابها المقرفة، مستقبل البلد اقتصاديا وأمنيا أضح رهينة "الخراب" و"المخربين"، الذين استمرؤوا الفوضى والتدمير في ظل مهادنة واسترضاء الدولة، الذي تجاوز مدى الحكمة في التعامل، فهل من العقل أن يمنح المواطنين في مآرب وحضرموت حكم أقاليمي في ظل انتشار عصابات التخريب ومآسيها المروعة بحق البلد وتلك الأقاليم؟ الأقاليم لا تبنى على ركام الفوضى، ولغة التخريب، وثقافة الشر، والممارسات الهمجية، هؤلاء الذين ينشرون الخراب مدفوع الأجر في مآرب بتدمير أبراج الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط، وينشرون الترويع والقتل في حضرموت وشبوه يقفون ضد مصلحة أبناء مآرب والجوف وحضرموت الذين ينتظرون بفارغ الصبر تسليمهم أقاليمهم الريعية، التي سوف تدر عليهم "خيرا" و "فرصا" لا تتوفر لبقية الأقاليم، وتدفع بالقيادة السياسية التراجع أو تأخير إنشاء مثل هكذا أقاليم تحت مبرر عدم "رشادة" و "أهلية" سكان تلك الأقاليم في إدارة أنفسهم وتدبير أقاليمهم المهمة والحيوية للبلاد، وهذا ما يريده تجار وحيتان النظام السابق بالتنسيق مع بعض المنتفعين والنافذين في إقليمي سبأ وحضرموت وغيرها من الأقاليم...
لا شك أن منهج الأقاليم قضى على أطماع الفاسدين من تجار السياسية والحروب، وأصاب نهم أطماعهم بمقتل، مثلما أصاب جماح الشر في نفوسهم بجنون افتك عقاله على طول البلاد وعرضها خرابا ودمارا، لكي يوقف عجلة النظام "الأقاليمي"، التي بدأت معالم نجاحها بعد مؤتمر الحوار، وليس أمامه من سلاح هو الأكثر فتكا في جسد هذه الأقاليم المستقبلية من تعميم الفوضى وزرع الخراب، وتدمير المكتسبات الحيوية، وهذا ما هو قائم في حضرموت ومآرب وشبوه وغيرها من المحافظات.
فكل يوم تطالعنا تحذيرات وإشعارات وتحركات قبيلة كذا..وقبيلة كذا.. تحذر من عدم تلبية مطالبها، باجتياح لمبنى أمني أو معسكر أو منشآت نفطية أو غازية، ما هذا الهراء؟ وكأننا في غابة وليس دولة، هل هذه القبيلة أو تلك هي سلطة التنفيذ؟ وصاحبة القوة القهرية حتى توجه تهديدات متكررة للدولة بتنفيذ إملاءاتها مهما كانت غير شرعية؟
إن هذه التحركات المتهورة ومن يقف على رأسها، والممولين لها هي من سوف تعصف بحلم أبناء هذه المحافظات في الاستفادة من مزايا الأقاليم التي تدفع السلطة القائمة نحو تحقيقها، وما يمكن أن تستفيد منه هذه الأقاليم. فما لم نكن حذرين ومتيقضين لما يحيكه الفاسدين الحاقدين من شر لمصالحنا العامة والخاصة، وتفويت حلم الفوضى الذي تزرعه أياديهم الخبيثة، فلن نحصد سوى الشر والمعاناة الطويلة.
بالعقل، هل نتوقع أنه في ظل العصف الأمني القائم، والتخريب على طول البلاد وعرضها أن تتقدم الدولة خطوة واحدة نحو تدشين الأقاليم بصفة رسمية، إذ لا يمكن أن يطالب عاقل الدولة بتدشين رسمي للأقاليم في ظل أوضاع أمنية مهترئة كهذه التي تمر بها البلاد، ولا يجب أن نحمل الدولة وقيادتها وحدها فشل عرقلة استحقاقات الحوار إذا كنا مواطنين سلبيين، نرى التخريب والمخربين دون أن ننبس ببنت شفه أمام تخريبهم، وعوض زجرهم وتأنيبهم ومساعدة الدولة في حصار هذا البرنامج التخريبي الممول بسخاء داخلي وخارجي، نوفر خطوط لوجستية آمنة لهؤلاء المخربين بمسوغات غير صحيحة.
لكن في المقابل، هل نترك لهذا الشر أن يزرع الخراب بدون عقاب رادع كي نصبح على وطن تعمه الفوضى، وتتوزعه قوى الشر التي ألفت العبث فيه، والتلذذ بعذاباته لتحقيق أطماعها ومكاسبها وتنفيذ أجندة القوى الحاقدة والمتربصة بالبلد؟ طبعا لا، ويجب أن تكون هناك إرادة سياسية قوية مدعومة بجهد شعبي منقطع النضير لدك أوكار الشر، ورموز العمالة لحماية البلد ومكتسباتها، وحياة أبنائها..