هذا الأسبوع خرجت مجاميع من أهالي منطقة السنينة؛ مصحوبة بثور؛ في مسيرة سلمية إلى مكتب أمين العاصمة عبد القادر هلال تناشده سرعة تنفيذ مشروع مجاري الصرف الصحي قبل حلول كارثة أسوأ نوعاً من انهيار.. سد مأرب!
منطقة السنينة ابتلاها الله تعالى بمنحة صارت محنة؛ وأقصد بها مجاورتها لمنزل الوالد رئيس الجمهورية منذ كان نائباً للرئيس، وبرغم ذلك فيمكن القول بدون تجاوز إن هذه المجاورة صارت محنة إن لم نقل إنها صارت من قبيل العقوبة! وعلى اهتمام المجلس المحلي للأمانة بتزيين شارع الستين المواجه لمنزل الرئيس بمشاريع حضرية تجميلية متوالية (آخرها طلاء جوانب الجزر أو تجديدها) إلا أن هذا الشغف بإرضاء الرئيس لم يمتد ليشمل جيرانه من البشر على غرار أعمدة الكهرباء والجزر الأسفلتية!
بإمكان أي جهة دولية محايدة (ولا يقبل إلا أن تكون دولية!) أن تجري مقارنة بين منطقة السنينة جارة الرئيس وبين مناطق مشابهة بل أبعد منها عن قلب العاصمة (السنينة لا تبعد إلا مساحة عرض شارع الستين الغربي) ليكتشف الناس مقدار الإهمال (هل نقول: إنه متعمد؟) في إيصال الخدمات العامة إليها، وترك الحالة البيئية تتدهور دون أن يفكر أي مسؤول في الأمانة أن هناك بشراً يعيشون في ظروف خارجة حتى عن المقاييس اليمنية المعروفة!
لا نتحدث هنا عن فقط عن انعدام خدمات الصرف الصحي والمياه النقية؛ بل حتى عن مشاريع رصف الطرق التي تعد في العاصمة مثل الكلأ، ووصلت إلى مناطق تقع على حدود همدان وأرحب وخولان.. وفي الوقت الذي تتدفق فيه المشاريع الحضرية إلى مناطق كانت قبل سنوات قليلة شبه مهجورة؛ تظل منطقة "السنينة" خاضعة للعنة أمين عاصمة سابق رفض باشمئزاز إيصال أي مشروع إليها بوصفها منطقة عشوائية، وهو نفسه الذي حول دائرته الانتخابية الغارقة في مياه المجاري إلى منطقة نظيفة تتمتع بكل الخدمات؛ بما فيها حديقة دولية! وفي المقابل تحولت مناطق مثل سوق المقالح وما بعده جنوباً وشارع الثلاثين شمالاً إلى مناطق متحضرة مرصوفة الطرقات، ونظيفة الشوارع، وصلتها خدمة المياه والصرف الصحي.. وما تزال الإعلانات في الصحف تتوالى عن مشاريع جديدة فها وأبرزها: الجسور والأنفاق.. وفي السنينة يضطر المواطن الذي يسكن في طرفها الشمالي أن يقطع عدة كيلومترات ذهاباً وإياباً إن أراد أن يسعف مريضاً إلى المستشفى المجاور له! أو يقطع المسافة نفسها إن أراد أن يعبر إلى شارع الرباط المواجه لحارته! وكل ذلك لأن مشاريع الأنفاق والجسور في العاصمة تتلمس الأحياء الأخرى المحظوظة وتتعامى عن حاجة منطقة رئيس الجمهورية إلى جسر صغير يربطها بشارع الرباط، ويوفر على الناس الاضطرار للذهاب إلى عصر أو مذبح للخروج أو الدخول إلى.. السنينة!
تبقى الحاجة إلى مشروع الصرف الصحي أكثر إلحاحاً؛ فالمنطقة التي تبدو أكثر تكدساً بالسكان والمنازل لم يعد فيها متسع لمزيد من البيارات الشعبية، ويقال إن سكاناً اضطروا لحفر بيارات داخل أحواش منازلهم بعد امتلاء البيارات القديمة ولم يعد هناك مجال يسمح بحفرها في الطرقات!
المشكلة أنه كان هناك حديث، وأخبار في الصحف، وتأكيدات من داخل مؤسسة المياه والصرف الصحي أن مشروع المجاري الخاص بمنطقة السنينة قد تم اعتماده مالياً بعد سنوات من اعتماد المخطط الفني، والتعاقد مع الشركة المنفذة، ولم يبقَ إلا التنفيذ في إطار مشاريع عدة مناطق منها مثلاً؛ منطقة حي النهضة حيث يكاد المشروع ينهي أعماله!
المشكلة تشمل أيضاً إمدادات المياه غير الحكومية؛ فعلى اتساع المساحة وازدحام السكان فإن موارد المياه محدودة، وفي أي وقت يمكن أن يجف المشروع الأهلي فيها، ويعيد السكان قصة هجرة اليمنيين بعد انهيار سد مأرب!
لكن لأنها السنينة.. ولأنها جارة الرئيس هادي.. ولأن غالبية الأهالي فيها من المستضعفين في العاصمة (بمن فيهم وزير الشؤون القانونية!).. لكل ذلك فلم تحظ بنظرة حنان واهتمام من أمانة العاصمة، وظلت حالتها الحضرية تتدهور دون أن يفكر مسؤول أن يمنحها اهتماماً مثل الاهتمام بالإسفلت المجاور لمنزل الرئيس.. أو يهتم بإنارتها كما يهتمون بأعمدة النور في المساحة نفسها، ولعلهم يظنون أن عملهم هذا يعفيهم عند الرئيس من إهمال جيرانه!
من العار على مسؤولي الأمانة وفي مقدمتهم عبد القادر هلال أن يظلوا محافظين على موقفهم العدائي من منطقة السنينة ويعضون عليه بالنواجذ كل هذا الوقت! ويستمر إهمالهم لمنطقة يجاورها رئيس الجمهورية نفسه ويسمحون للشكوك أن تزداد في أن فعلهم هذا متعمد لإحراج هادي وإظهاره عاجزاً عن عمل شيء للحي الذي يعيش فيه؛ على العكس مما كان يمكن أن يحدث لو كان المخلوع هو الساكن الرئاسي فحينها كانت الأمانة ستحول السنينة إلى ورشة عمل لا تهدأ ليل نهار كما يحدث بالفعل في المناطق التي يسكنها كبار أنصار صالح (لاحظوا ماذا تم عمله فقط للحي الذي يسكنه ابن صالح في فج عطان!).
الأسوأ من ذلك أن الأخ أمين العاصمة يبدو مشغولاً جداً بمشاكل مأرب وصعدة، ونظنه لو منح منطقة السنينة نصف هذا الجهد، واستقر فيها عدة أيام ليتابع حالتها لكان قد أدى جزءاً مهماً من الأمانة التي أر?'قت عمر بن الخطاب تجاه البغلة العراقية المحظوظة!
وبمناسبة الإشارة إلى جهود أمين العاصمة في محافظات أخرى؛ فالواضح أن الرجل لم يعد متفرغاً بالشكل المناسب للعاصمة التي تحتاج مشاكلها إلى أمين متفرغ لها.. وليستفد رئيس الجمهورية كما يشاء من مواهب هلال في حل المشاكل الوطنية بتعيينه مساعداً خاصاً له أو مفوضاً باسمه يوجهه حيث يريد.. لكن ليس على حساب العاصمة.. وليس على حساب السنينة يا فخامة الرئيس التي تحتاج إلى أن ترى القول المأثور "أولئك قوم لا يشقى جيرانهم" متحققاً على الأرض قبل أن يأتي يوم يوجهون فيه إليك استغاثة.. من تحت الماء حقيقة لا مجازاً!
سميع مصر.. محظوظ!
مع اشتداد أزمة المشتقات النفطية، ودورها في انقطاع الكهرباء فلا خصم لكتائب الإنترنت إلا.. صالح سميع وزير الكهرباء! ويبدو وزير النفط محظوظاً رغم أنه المسؤول الأول نظرياً، ولا يكاد أحد يسمع اسمه رغم هو أيضاً للأمانة لا يتحمل مسؤولية في الأزمة التي هي نتاج لواقع متأزم اقتصادياً وأمنياً، وورث أسوأ منظومة إدارية وسياسية وأمنية تكرست بالفساد والفشل. ورغم ذلك فاللحن السائد هو: ما معانا إلا سميع.. على وزن: ما لنا إلا علي! ولعل اللحنين يخرجان من مشكاة واحدة!
أخيراً.. ألا تلاحظون أن الذين يتخذون من أزمة المشتقات النفطية والكهرباء في اليمن دليلاً على فشل الثورة الشبابية، وفشل وزرائها، هم أنفسهم الذين يهللون لنظام الانقلاب العسكري في مصر، ولا يجدون في أزمات مصر الهائلة دليلاً على فشل أصحابهم في حل أزمة المشتقات النفطية والكهرباء؛ رغم 20 مليار دولار ضختها دول الخليج نقداً في الخزينة بالإضافة إلى مواد بترولية بالمليارات.. وهو دعم كان يكفي نصفه لحل أزمات اليمن بعد رحيل كبار اللصوص عن السلطة!