التاريخ يعيد نفسه القوى الرجعية هي القوى الرجعية، والحصار هو الحصار، والشعارات الهجائية مساحتها بألوان أيديولوجية من تهمة اليسار الشيوعي إلى اليمين الإسلامي الثوري. ما زالت نغمة الإعلام الرجعي التي كانت تبث من منطقة الجوف تتردد صداها في أسماع الآباء الذين عاصروا الإمامة ووباء حكمها إبان حصار العاصمة صنعاء في العام 1968، أو ما يعرف بحصار السبعين من قبل المعسكر الرجعي، حينها كان الشعار الذي يحرك جحافل الإمامة ويدغدغ مشاعر أنصارها هو إسقاط وإخراج الشيوعي "حسن العمري" من صنعاء ودحر مليشياته المسلحة "والمقصود بهم أبناء شرعب والمناطق الوسطى وغيرها من المناطق" حماة الثورة وصناديدها المغاوير، الذين جعلوا من أجسادهم متاريس في خندق حماية الجمهورية، وهزيمة قوى الشر الإمامية، ومن يقف خلفها آنذاك.
الغزل هو ذات الغزل من "رموز الرجعية" إلى "رموز الرجعية" ومموليها، والقوى الاستعمارية التي تسندها وتخطط لها، والعدو المشترك هي النهضوية، التي تسعى للخروج عن عباءة التخلف والكهنوت والوصاية ومسارها التقليدي الهزيل.غزل رجعي مولع بالقربى من الغرب ومحاكاة رغباته في وأد أي قوى ثورية طامحة، فالرجعية بكل تخلفها وشعاراتها المناوئة كانت تغازل أمريكا وحلفائها في المنطقة ومازالت، ففي فترة الستينيات كانت تحت مسمى الوقوف سدا في وجه الشيوعية، واليوم إسقاط القوى الثورية ذات الطابع الإسلامي وحاضنها القبلي. ثوب الحوثي الدكن، الذي يتدثر به اليوم ثوب ملون بالنفاق، فالشعارات الموت لأمريكا..تدحضه لغة القربى لأعداء الثورة، وأن الهدف من ذلك هو الإصلاح ورأس القبيلة العاصي للأم النكداء، التي تتأذى من أي طالع ثوري ولو في منامات الأحياء.
تصم منابرهم المضللة آذاننا من لبنان إلى طهران، فصنعاء إلى صعدة بذات النغمة الرجعية الإمامية الملونة، مع اختلاف مسميات القوى المستهدفة من قوى يسارية إلى قوى إسلامية ثورية. فإسقاط عمران هي مغامرة محمودة فقط لإخراج مجاميع الإصلاح والقوى القبلية الداعمة له، شعار تستهويه قوى الفلول وأنصارها، والقوى الخارجية المتربصة بالثورة والثوار. والغاية الانقلابية الكبرى لا تختلف وهي رأس النظام الذي أثمرته الثورة الشعبية التي أطاحت بالحكم الأسري، وليس فقط رأس اللواء القشيبي والقوى الثورية المساندة له.
اليوم رياح الإمامة ومصائبها تهب من ذات المواقع الصدئة، وبذات الأبواق البالية، والنفوس المريضة الحاقدة، رياح السموم العاتية التي تدمر الحرث والنسل، روائح رجعية كريهة تنتشر رعبا وقتلا وتدميرا لكل الحياة بما فيها "مساجد الله" لبئس القوم قوم الحوثي شر من عرفته التراب اليمنية الطاهرة، ألا بعدا وسحقا للحوثي كما بعدت دولة الطاغية أحمد.
حصار عمران اليوم وتدميرها من تكتل قوى الشر والرجعية الانقلابية تحت غطاء حرية البشر التي تكن لها مشاعر متضاربة، ليست سوى أهداف نبيلة، وتحرير للإنسان من أفيون الثورة، وانتشال عمران من القوى الإسلامية الثورية. ومؤسسة الحوثي الخيرية بكل مآثرها ترجوا بعد ذلك أجرها من الله، كل ما في الأمر مهمة تحرير وطنية إسلامية مهمتها المواطن وحياته وسلامة أمنه وحفظ حقوقه، وأبلغ لمن لم يصدق حماية الطفولة ورعاية معانيها، فقد جاء على لسان المرجعية والحوزة العمياء، أنه في حل من أمره في عمران، إذا لم يتم تسليم الفرقة لعبد القادر هلال فورا، كبادرة حسن نية لطفولة صنعاء، فهل بعد هذه الأهداف النبيلة من مزايد في مضمار حصار عمران ومعارك إسقاطها؟ أولئك هم الحوثين فأتني بمثلهم إذا جمعتنا يا فلول المجامع.
يرى البعض بأن الحوثي كشف ورقة هلال"في حديقة الفرقة"، فطالما تنكر جناب عبدالقادر هلال عن انتمائه للحوزة عبدالملك، وأبلى بلاء حسنا في انتحال شخصية الرجل الوطني الحريص على أمن واستقرار البلد، وبعده عن عجرفة الحوثي، وحرصه على سلامة العاصمة التي يديرها بالسخاء كما هي حنكته التي خبر بها، سوى أن مطالب الحوزة الرجعية بتسليم الفرقة في هذا الظرف الخطير، تظهر وكأنها تميط اللثام عن سر ارتباطها برجل الأمن عبدالقادر هلال، وخيوط مؤامرة تسعى لإسقاط العاصمة بيد الحوثي، وذلك عندما رفع الحوزة سقف مطالبه لوقف الزحف البربري على مدينة عمران بتسليم مقر الفرقة الأولى ربما ليده الأمامية أمين العاصمة هلال والفلول المتربصين بالرئيس هادي. ورقة الفرقة تثير الشبهات والشكوك حول عبدالقادر هلال، وتضع الكثير من علامات الاستفهام حول حوثية هلال من عدمها.
كارثة الطلب مجلجلة، فأن يضغط في أمر الفرقة رأس الحوثية، التي تعبث بالوطن، وتتاجر بأمنه ودماء أبنائه خدمة لأطماعه ونزواته الشيطانية، وتمارس تدمير الحياة خارج العاصمة ليسعد أهالي العاصمة بتدشين حديقة لأبنائهم هي محل لإعادة النظر في جماعة آخر ما يمكن أن يحضر في سياستها الانتهازية والمخيفة هم الأطفال.
عبدالملك الحوثي ليس آخر من يتحدث باسم الأطفال، بل حرام أن نقبل حديثا عن الأطفال ممن يفترس الطفولة في المعارك كل يوم، وحديثه عن الأطفال فقط يجوز في إطار حساب محارق ومعارك إبادة الأطفال عند محاكمته، الحوثي؛ الذي يجرم في حق الطفولة كل يوم، وسلوكه لا يمت للطفولة بصلة كونه أحد ألد أعدائها، والشعب اليمني يعرف ذلك ويتيقنه، أليس من يزج بالأطفال ويقتلهم في معاركه العبثية بشعاراته الخادعة والمضللة هو العدو الأول للطفولة؟ يهدم البيوت على رؤوس الطفولة، المجرم الأول في تزايد عدد الأيتام كل يوم، وفجأة يطالب الرئيس هادي بتسليم الفرقة لعبدالقادر هلال، وهذا ما يثير الشبهات حول هذا الأخير، ويثير مخاوف بأن تسليم الفرقة لأمانة العاصمة ليست سوى مقدمة لحصار صنعاء وتفخيخها من الداخل.
عبدالقادر هلال يبدو مغبون بورقة الحوثي، وهي ورقة خاسرة بالتأكيد إن لم يدحض عن ننفسه شبهات هذه الورقة، وتماهيه مع مطالب الحوثي سوف ينهي حلم وصوله لمقر الفرقة الأولى، وربما تخرجه من معادلة أمانة العاصمة، وكان من الأولى الصبر حتى يقرر هادي تسليمه الفرقة، أما وقد جرب اللعب على الأوراق الخطيرة، فقد سلك وادي لن يصل فيه إلى الفرقة، بل سوف يخرجه من باب أمانة العاصمة الواسع من منطلق الحس الوطني الإستراتيجي لدى القيادة السياسية، إذ لا يمكن للرئيس هادي أن يقبل أن يكون من رجالاته القائمين على أمر البلد ورقة بيد من يهدد سيادة البلد ويتاجر بقضاياه. فهل تُراك سيادة الرئيس كنت على تغرير بعبدالقادر فأرتك أفعاله الحق؟ أم كنت على بصيرة فوقعت تحت ضغوط الاستحقاق؟ أم أن الصورة الرمادية في السياسة لا مكان لهما؟ ولا طعم ولا رائحة لها؟ انتبه كثيرا لرجالاتك، فالواقع السياسي والأمني لا يرحم وفق الله اليمن وأهله لما فيه الخير.