مكر الانقلابيين ودسائسهم، وتجارتهم اللئيمة بحق الوطن ومكسبه الثوري، وسعيهم لإشعال الحرائق الانقلابية في البلاد، دفعت الرئيس هادي أخيرا للخروج عن مألوف الصبر، إلى حنكة التعامل مع الأوغاد من ذات الكأس الذي لا يشتهون ولا يتوقعون. طمعت القوى الانقلابية في حكمة الرئيس وجعلها تتمادى في ممارسة زعرنة تخريبية يربأ عنها كل ذي أنفة وطنية، ناهيك عن إنسانية تلجم أنانية أمراضهم النفسية، فبعد جرأة ممارسة كل محذور وطني قررت الحكمة ذاتها أن تأتي على بعض وسائل المكر الإعلامية والسياسية التي بين أيديهم.
خطوة أولية مباركة على الطريق الصحيح سيادة الرئيس توجه لك مقابلها جموع الثوار تحية وطنية مسنودة بدعم لا تقهره عجرفة المخربين، ولا تقبل مواقع الهزيمة قواميسها الوطنية الشجاعة، وتعاهد الله أن لا يعود الطواغيت الفاسدين إلى السلطة إلى بعد أن تعلوا أجسادها توابيت العز والكرامة.
القرارات الأخيرة باستثناء القرار المتعلق بالأستاذ صخر الوجيه، الذي حمل أكثر مما يحتمل من وجهة نظري هي رسالة رئاسية لمن يقتاتوا على موائد اللئام، وينهقون بـ"سلام الله على عفاش" تقول لهم ولى عهد التسلط والفساد والأسرية إلى غير رجعة، ذهب طفاح إلى أودية التخريب السحيقة، ولن يعود إلى السلطة بكذبة الأمان الزائف، والتلاعب بسوق المشتقات ما دامت هناك إرادة ثورية واعية تقف له بالمرصاد، وإن كان ولا بد من عودة فهي إلى مواقع الخزي وأسواق البوار، وفي أحسن الأحوال إلا السجن تلاحقه جرائمه التي لا تحصى.
كان لابد للرئيس هادي من قرارات غير متوقعة، قرارات رادعة، تكون بمثابة حدث انقلابي سياسي وإعلامي على ما هو مألوف، عميق في دلالاته وجريء في بعده السياسي والإعلامي يصيب الخصم بالصدمة، ويربك حساباته، يلقي بأثره على الساحة اليمنية ويشد أنضارها، ويضع المخربين في موقع رد الفعل، وللقيادة السياسية زمام المبادرة، هذه الضربة خلطت أوراق الانقلابيين وآلتهم الإعلامية المأجورة، وأعادت انقلابهم إلا نقطة الصفر. انطلاقا من المثل القائل خير وسيلة للدفاع الهجوم، والتموضع دائما في مربع اللافعل وتلقي الضربات أن تأتي ضربة كبيرة تذهب بتماسكك وتؤدي إلى سقوطك.
اليوم قدم هادي باقة ورد لأسر الشهداء، ودموع ضحايا الفساد، وأناة المقهورين من عبث وبلطجية الأسرة، هذه الأخيرة التي استمرأت الظلم والعنجهية واحترفت التخريب بلك صوره، وتمادت في مكرها حتى بلغ بالشعب غصة لن تعالج إلا مع غياب حثالة عفاش التخريبية، ألا سحقا للانقلابيين كما سحقت جموع الثوار أركان الطغاة.
الرئيس هادي في صف الشعب، والشعب لن يبخل بأن يكون حامي تلك القرارات وضامن تنفيذها، فهو الإرادة التي لا تقهر مهما كانت قوة المتربصين وإمكانات داعميهم. إن وتيرة الأحداث الأمنية في البلاد التي سارت بوتيرة بالغة في الخطورة، واحتمالات كارثية السكوت عليها، إذ لا تختلف أوضاع بلادنا كثيرا عن ما حدث في مصر، ووهم الطمأنينة والاستثناء الذي تمليه خصوصية التغيير في اليمن، لن تسعف في مواجهة المخاطر العديدة في الداخل والخارج ما لم تكن هناك سياسة نوعية وقوية وشجاعة لصانع القرار تغير من مجرى المعركة، وتخلط أوراق المخربين الساعين لإسقاط النظام من رموز النظام السابق والداعمين الرئيسيين لهم.
فبعد أن تيقنت وأدركت قيادتنا السياسية بأن القوى الانقلابية قد حسمت أمر الإطاحة بنظام ما بعد الثورة الذي يقوده الرئيس عبدربه منصور وحكومة باسندوة، وتابعت بكل حذر ذلك السيناريو الأكثر بشاعة ووقاحة!! وممارسة ذلك السيناريو الانقلابي الفاضح بكل شفافية، قررت نسف هذا السيناريو وفرملته خصوصا الأداة الخارجية التي احتكرتها في ظل وضع دبلوماسي يدين بولائه لها، إن لم يكن مساند لهذا السيناريو الأسوأ، ومؤشرات ذلك العداء لنظام الرئيس عبدربه طفحت بها لسان القربي كل يوم في لقاءاته وتصريحاته الانقلابية وتواصلاته المشبوهة، واستماتته في الحيلولة دون إنزال عقوبات بولي نعمته صالح، أو حتى توجيه الاتهام له بالتعطيل.
وحده الوضع الأمني والعسكري في الداخل أصبح مقلقا، ولم يعد يبعث على الطمأنينة، وينذر بشر مستطير، وهو ما وضع الرئيس أمام خيارات صعبة من قبيل هذه القرارات الأخيرة، ولم يعد يخفى على سيادة الرئيس أن مراوحة النظام في مربع المعالجات الآنية والمتواضعة في التعامل مع مخاطر الداخل رغم خطورتها نظرا لبعض المحاذير والحسابات التي تراها القيادة السياسية قد ضاعف من معاناة المواطنين وتحديدا في أساسيات الحياة كالطاقة وغيرها، وفاقم من احتمالات الخطر في عدم توفيرها، كما أن الحكمة المبالغة في التعامل مع بعض تدخلات الخارج السافرة جعلت الرأي العام الشعبي المساند للرئيس متململا ومتذمرا، ويرى المراقبون للشأن السياسي العام بأن النظام بشكل عام كاد يخفت وهجه، ويظهر بموقف العاجز والمتفرج، وأمام ذلك كان لا بد من قرارات وإجراءات شجاعة خارجية وداخلية تعيد قوة الرئاسة وحنكتها إلى الواجهة من جديد، وتسعف في كبح قوى الانقلاب في الداخل والخارج، وتشعل الساحة اليمنية على طول البلاد وعرضها بما يضمن التفاف شعبي كبير حول توجه الدولة ممثلة برئاستها للخروج بالدولة من أتون أزماتها الخطيرة والمعقدة.