وضع الرئيس يده على موضع الجرح؛ فتقافزت البكتيريا من أكثر من اتجاه ومن عدة أنساق؛ كلّها كانت كما اتضح وبان الآن جزء من برنامج العرقلة والتخريب، وتعمل ضمن شبكة منسّق واحد.
تختلف الأهداف وتتعدّد المنطلقات؛ غير أنهم جميعاً يتوخّون هدفاً جامعاً يتلخّص في عرقلة اليمن عن الخروج من شبكة النظام العصبوي الطائفي الاحتكاري القائم على الغلبة وتكريس التخلُّف وهيمنة الفرد والعائلة والعصبية القبلية.
كان الجامع «أبو ست منارات» الواقف في جانب الرئاسة جزءاً من أمن المنطقة الرئاسية؛ غير أن الصبر والمعطيات التي كانت قائمة آنذاك أجّلت إجلاء حرس الرئيس السابق ومنظومته الأمنية من الجامع، تماماً مثل ما أجّلت أشياء كثيرة من ضمنها هيمنته على المؤتمر الشعبي والتشبُّث برئاسته لاتخاذه منبراً للمناكفة والمشاركة في وقت واحد.
الآن أدرك الجميع دور الرئيس السابق في إعاقة المرحلة الانتقالية عن إنجاز أهدافها من خلال استخدام نفوذه وتحالفاته السابقة واللاحقة لإصابة الدولة بالشلل والضعف؛ متوهّماً أنه سيحصد النتائج، وأن الجميع سيعودون إليه هاتفين بيأس نحوه باعتباره ملاذاً وليس أسّ المشكلة: «سلام الله على عفاش»..!!.يخطئ كثيراً مشائخ الغفلة والمتعيشين الذين برزوا وتضخّموا تحت ظل «عفاش» يخطئون كثيراً لو تصوّروا أن الزمان هو نفس الزمان، وأن البلطجة وحشد الغرامة والمرافقين المسلّحين لايزال مجدياً للضغط وتثبيت رئيس آفل انتهى أمره ليكون رافعة نفوذهم ومصالحهم غير المشروعة من جديد.
ثم إن الأمر كلّه لا يعدو أن يكون محض مبالغة يتوخّى مروّجوها التخويف والهبرجة لدفع الدولة إلى التراجع عن إجراءاتها الحاسمة في اتجاه شل قوى العرقلة والتخريب والتي بدأت بالقناة والجامع، وستتواصل لتحرير المؤتمر المختطف، واستعادة أموال الدولة المنهوبة والأسلحة المهرّبة من المعسكرات التابعة للجيش، وإعادة هيبة الدولة والاستقرار لليمن.
في الجهة الشمالية من العاصمة صنعاء أيضاً كان هناك واهم كبير يستعيد تحالفه القديم ـ الجديد مع علي صالح، ويستأنف اعتداءاته وتفجيراته ضد القبائل والمناطق، مستمرئاً العناوين المطبخية المستهلكة في صحافة «عفاش» الظاهرة والباطنة التي تداعب وهمه وتثير غرائزه وتستثير نشوته بأخبار الانتصارات الوهمية المضخّمة التي تضاعف هوسه بالسلطة والاستيلاء على العاصمة صنعاء.
تفجير الحوثي للحرب في عمران وألعابه النارية في بني مطر وهمدان؛ توضّح أن التنسيق بينه وبين بقايا النظام السابق لم يكن مجرد استنتاجات أو استخلاصات ذهنية؛ بل تنسيق مضاد لليمن ومصلحتها الوطنية العامة ومستقبلها. يلتقي الحوثي و«عفاش» حول ضرورة هيمنة هضبة الغلبة التاريخية على السلطة في اليمن؛ وفي مضمون هذا الالتقاء عداء عميق لليمنيين وأولهم قبائل الهضبة العليا الذين ينظر إليهم ممثلو العصبوية القبلية والمذهبية الدينية باعتبارهم أدوات ووقود حروب؛ تستخدمهم النُخبة العصبوية لعفاش وكرادلة المذهب الاثني عشري الجُدد في اليمن «الحوثيون».
ونقطة الذروة في التقاء المخرّبين الكبيرين هي إفشال المرحلة الانتقالية والرئيس الذي أتى من خارج إطار نُخبة الهضبة التاريخية المهيمنة؛ هذه الأحقاد المتقادمة لن يُكتب لها النجاح؛ لأنها تتأسّس ضدّاً على الشعب اليمني كلّه ومصلحته ومستقبله، وضدّاً على مسار التاريخ الذي لا يعود إلى الوراء ولا يكرّر نفسه إلا كمأساة أو مهزلة. الازدواجية في المؤتمر الشعبي العام تؤدّي إلى ازدواجية بين سلطتين، الأولى مركز الرئيس عبدربه وسلطاته الشرعية؛ ومركز موازٍ يتمثّل في نفوذ وسلطة الرئيس السابق التي يمارسها عبر تشبُّثه برئاسة حزب شريك في المبادرة والحكومة، إضافة إلى هيمنته على السلطات المحلية والبرلمان وغيرها، ومضافاً إلى ذلك نفوذ صالح كرئيس حكم لأكثر من ثلاثة عقود. الأول الرئيس عبدربه يُقاس نجاحه بمدى استعادة الدولة لقدرتها وهيبتها، وإنجاز مهام المرحلة الانتقالية، والثاني صالح يُقاس نجاحه بمدى تدهور الوضع وإضعاف الدولة وتفاقم الفشل وتكريس عجز الحكومة وإفشال المرحلة الانتقالية.
وتالياً فإن إزالة هذا الازدواج يخدم المصلحة الوطنية العامة من خلال تقوية مركز الرئيس عبدربه منصور، وإبطال مفعول «برنامج» أساسي من برامج «العرقلة» إن لم يكن منظمها الحصري والمنسق بين «تحالفاتها».
بينما يخوض الرئيس عبدربه مواجهة «كسر عظم» مع زعيم العرقلة والتخريب؛ تفتح له قوى المحاصصة الصغيرة جبهة صغيرة للبحث عن ذاتها في كل قرار أوتغيير يُقدم عليه كمسؤول يتحمّل مسؤولية بلد.
تكالب الأوباش من كل جانب على الرئيس هادي؛ يعني أن الرجل تموضع وتثبّت في المسار الصح وبدأ إظهار مكامن قوته وتعطيل «صواميلهم» التي اعتقدوا أنها مهّدت لهم طريق العودة المأمولة.
ما يؤكد ذلك هو شعبية هادي التي صعدت في الأسابيع الأخيرة إلى نفس مستواها في بداية الانتقالية.. «فاتكم القطار يا أوباش»..!!.