لا تتصيّدوا عواطفنا يا حوثة

2014/08/26 الساعة 07:09 مساءً

الشباب الصادق الذي انطلق أمس الأول من جولة عصر عابراً شارع أبي الأحرار محمد محمود الزبيري، يشق بقدميه الأرض وبصوته السماء، معبّراً عن حقه وحلمه في دولة مدنية، لا سيّد ولا مسود فيها، لا شيخ ولا رعوي، هم هؤلاء الجذور والبذور التي سيتخلّق منها يمن الغد، وليس من حملوا السلاح وامتطوا عاطفة الناس، يريدون إسقاط قرار اقتصادي بالقوة المسلّحة.


لستُ متشائماً حين أقول: اقتحمت صنعاء يوم سقطت عمران، أقول ذلك لاعتبارات جيوسياسية، فعمران هي البوابة الشمالية للعاصمة، وهي عمقها الاستراتيجي الشمالي، وقبيلة حاشد – بكل سوءاتها - ظلت الرديف المناصر للثورة والجمهورية والوحدة، ومن الطبيعي أن ينصب عليها الحقد الإمامي وتعود سلالة الكهنوت للانتقام من حاشد، بمجاميع مرتزقة من أبناء شيوخ حاشد، الذين سال لعابهم حين رأوا الدولارات والشيكات تتقافز بين أصابعهم.
تظاهرة الأحد في صنعاء لم يُحشد لها من كل اليمن كما فعل "عبيد السيد" بل تداعى لها كل سكان العاصمة، بأحزابهم وأيديولوجياتهم وتنوّعاتهم وشرائحهم وفئاتهم.. أكثر من مليوني يمني صرخوا في وجه الحوثة: لا تتصيّدوا عواطفنا، فأنتم أسوأ من ألف جرعة، وأخبث من كل قرار.
هؤلاء سند اليمن وذخرها، ومن يعوّل عليهم إنقاذ البلاد من نيران الحروب التي تحشر لها المرتزقة يا سيد الكهوف..تدفعوا منذ الظهيرة في الشوارع وتحت وهج الشمس ليهتفوا في وجوه القبائل المرتزقة والمجاهدين بالأجر اليومي، اسمعوهم أصواتهم الصادقة إلى ثكنات الكراهية التي يرابطون فيها على تخوم العاصمة، بانتظار إشارة الحرب، ليس لكي يقاتلوا في سبيل فكرة أو هدف نبيل، بل لكي يتفيّدوا ينهبوا ممتلكات الناس، كما فعل آباؤهم وأجدادهم عقب فشل ثورة 1948 حين استباحوا صنعاء ونهبوا منها كل شيء، حتى أخشاب السقوف.
كان الرئيس هادي يتحدّث بلسان شعبه حين لمز الحوثي قبل أيام: "نحن في عصر التكنولوجيا والمعلومات ولسنا في عصر الكهوف" وظل يرفض حتى اللحظة الانجرار وراء دعوة الحرب، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الحوثة على بعد مرمى حجر من مقر القيادة العامة للقوات المسلّحة.
تظاهرة الأحد الماضي لمن يعرف صنعاء كان أولها في باب اليمن وآخرها في جولة عصر، على امتداد كامل شارع الزبيري، الذي أصبح الحوثيون يسمونه "شارع الرسول الأعظم".. حتى لا يبقون أية ذكرى أو أثر لرواد ثورة سبتمبر المجيدة، وبعناية تم اختيار اسم الرسول الكريم مطية حتى لا نتجرّأ على نقده، لكنه فعل مكشوف بتصريحات بغيضة لأحدهم على الفيسبوك: "بعد قليل سيعود الحق لأسياده يا حثالة سبتمبر"... وما أشبه الليلة بالبارحة وهم يعيدون ذكرى حصار الملكيين الرجعيين لصنعاء 70 يوماً، في عام 1967.. واندحروا بعدها، فالشعب قد عرف طريق خلاصه، ولا يمكنه العودة إلى تقبيل الأيدي والرُكب، عند من يرون أنفسهم سادة وسواهم عبيداً.
لا نُكرهك وجماعتك يا عبدالملك.. وكل خلافنا معك هو فكرك المتعالي، حتى على الهاشميين أنفسهم، نريدك أن تعود مواطناً صالحاً، وتسعى إلى بناء اليمن الاتحادي الجديد، وأن تعمل على تنوير هذا المجتمع وإزالة امتيازات وترسّبات الماضي البغيض.. كُن لبنة قوية في تجسيد ثقافة التسامح والقبول بالآخر.. جرّب يوماً أن تقول: أنا الآخر.