ثلاث دلالات رئيسية في بيان مجلس الامن

2014/08/30 الساعة 04:55 مساءً

 حمل البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن الدولي حول بلادنا بتاريخ 29/8 ثلاث دلالات رئيسية هى :

الدلالة الاولى :دعم دولي للرئيس هادي في مواجهة الحوثيين ،ويظهر ذلك من خلال التالي :

1-حرص المجلس في ارسال رسالة دعم قوية للرئيس هادي قبل انعقاد اللقاء الوطني الشامل ورفع فرص نجاح الاجتماع بما يعزز من موقف الرئيس الداخلي في مواجهة الحوثيين .

2-تأكيد صحة وقانونية موقف الرئيس من القضايا الخلافية مع الحوثي في الازمة الراهنة من خلال دعم هادي في قضيتين يطالب الحوثي بإعادة النظر فيهما وهما: الهيئة الوطنية لمراقبة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني و الإصلاحات الإقتصادية،وذلك بترحيب البيان بالتئام الهيئة الوطنية واعتبار ذلك تقدما في مسار الإنتقال السياسي، وتماشيًا مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكذا الترحيب بالإصلاحات الإقتصادية ودعوة المجلس بضرورة إجراءها من اجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي الشامل

3-تبنى المجلس في بيانه موقف الرئيس هادي ومطالبته الحوثيين قبل ايام بتنفيذ ثلاث نقاط هى سحب قواتهم من عمران وإعادتها إلى سيطرة الدولة ووقف كافة الاعمال العدائية المسلحة ضد الدولة في الجوف وإزالة كافة المخيمات وتفكيك نقاط التفتيش التي أقاموها في صنعاء وضواحيها.

4-دعوة المجلس كافة الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي في اشارة غير مباشرة لايران كونها المشتبه في تدخلها في اليمن بهدف تأجيج الصراعات وزعزعة الإستقرار،وهذه الدعوة تنسجم مع اتهام الرئيس هادي قبل ايام لايران بالتدخل في شئون اليمن.

-الدلالة الثانية :تحول جوهري في نظرة المجتمع الدولي من الحوثيين :

-تبني مجلس الامن لمطالب هادي في الازمة الراهنة يظهر الخطأ الكبير الذي  ارتكبه الحوثيين بمحاولتهم الاصطدام  بالرئيس كونه يضعهم في صدام مباشر مع المجتمع الدولي الذي تحاشى الاشارة اليهم مباشرة في معظم بياناته وقراراته السابقة عن اليمن وحتى في الحالات القليلة التي اشار اليهم كان حريصا على تجنب ادانتهم اوتصنيفهم ضمن معرقلي التسوية السياسية مع الاشارة الى ان المواجهات التي يخوضونها مع جماعات مسلحة اخرى وليس مع الجيش ،لكن الوضع اختلف في البيان الرئاسي الاخير من خلال :

1- اعتمد البيان لغة حازمة ومباشرة  في مخاطبة الحوثيين بمطالبته لهم بالانسحاب من عمران ووقف عدوانهم في الجوف و انهاء التصعيد في صنعاء ومحيطها بصورة يفهم منها وجوب تنفيذ الحوثيين لتلك المطالب فورا وعدم  رهنها لأي مفاوضات.

2-رفض البيان تحقيق الاهداف السياسية عبر تبني اعمال العنف معناه أن مجلس الامن لايعتبر ما تقوم به جماعة الحوثي في العاصمة ومحيطها على انها مسيرات واعتصامات سلمية قانونية وانما هى اعمال عنف واستفزازات لتحقيق اهداف سياسية ،وهذا قد يكون بمثابة ضوء اخضر من المجلس للرئيس هادي باستخدام القوة لإنهاء الازمة .

 

3- رغم أن الازمة الحالية تتعلق بدرجة رئيسية بتصعيد الحوثي في العاصمة ومحيطها الا أن مجلس الامن في بيانه السابق قام بفتح ملف عمران وادان الاجتياح الحوثي للمحافظة بعد ان تجنب ذلك لاسابيع على سقوطها،كما فتح ملف الجوف ايضا رغم مضي اسابيع على تفجر المواجهات فيها مع ملاحظة التحول في نظرة المجلس لتلك الاحداث ،فبعد أن كان يعتبر المواجهات في عمران بين الحوثيين وجماعات مسلحة اخرى متجنبا أي ذكر للجيش في بيانه في يوليو الماضي ،اشار في البيان الاخير الى اجتياح الحوثيين لعمران وللواء عسكري وكأنه يقول أن المعركة كانت مع الجيش والدولة وهذا الامر كان اكثر وضوحا في مطالبته بوقف كافة الاعمال العدائية المسلحة ضد الحكومة اليمنية في الجوف، فهو  يعتبر ما يجري في الجوف على انه اعتداء من الحوثيين على الدولة ولم يعتبرها مواجهات بين جماعات مسلحة .

4-اشارة  البيان لعبدالملك الحوثي ولابو علي الحاكم بالاسم للمرة الاولى تعتبر رسالة قوية وحازمة من المجلس لقيادة الجماعة وامكانية فرض عقوبات عليها واستعداد المجلس للذهاب بعيدا في مواجهة الجماعة اذا ما استمرت على سياستها الحالية .

الدلالة الثالثة :انتهاء  دور بن عمر :

هناك أكثر من نقطة تدل على انتهاء مهمة المبعوث الدولي الى اليمن جمال بن عمر او على الاقل تراجع كبير في الدور المكلف القيام به في الفترة المقبلة ومن ذلك التالي :

1-صدور البيان الرئاسي عقب تقديم جمال بن عمر احاطته الى المجلس عن التطورات في بلادنا، في حين يستغرق المجلس عادة عدة ايام وربما اسابيع قبل اصداره لبيان رئاسي او قرار عنه،ما يشير الى ان احاطة بن عمر كانت مجرد اجراء روتيني ولم يكن لها أي تأثير في مضمون البيان الصادر الذي كانت مسودته النهائية  على مايبدو جاهزة قبل عقد الجلسة ،ويشير الى صحة ذلك قراءة بن عمر في مؤتمره الصحفي بعد جلسة المجلس لاحدى فقرات البيان الصادر وليس للحديث عن ابرز ما جاء في تقريره المقدم الى المجلس كما جرت عليه العادة .

2- من غير المستبعد ان يكون لبريطانيا -التي قدمت مشروع البيان الرئاسي وباعتبارها الرئيس الدوري للمجلس لهذا الشهر - دور رئيسي في لهجة البيان القوية ضد الحوثيين كرد قوي على مهاجمة الحوثي في  خطاب سابق لسفراء الدول العشر وخصه بريطانيا وامريكا بالاسم وانتقاده لتدخلهما في الشأن اليمني .

3-البون الشاسع بين ما جاء في البيان الرئاسي وبين البلاغ الصحفي لبن عمر بتاريخ 26/8 وتقريره المقدم الى مجلس الامن ومن ذلك :

أ-عدم اشارة بن عمر الى الحوثيين بالاسم في بلاغه الصحفي واحاطته حول التطورات في العاصمة بخلاف تركيز جل البيان الرئاسي على الجماعة وذكر قادتها الرئيسيين بالاسم،وكان اللافت مطالبة بن عمر لجميع الاطراف عدم التصعيد والامتناع فوراً عن استخدام العنف والمعروف ان طرفي الازمة الراهنة في العاصمة هما الدولة والحوثيين وليس كما كان في عمران .

ب- رغم اقرار بن عمر أن الازمة الراهنة هى الاخطر الا انه واصل سياسة النفس الطويل واللهجة الهادئة حتى مع ادراكه الحاجة الى لغة اقوى ونبره حازمة لتجنب انفجار الوضع وانهيار كل شيء وأكتفى بكلام انشائي بقوله "حان الوقت أن تتكثف الجهود لتمكين الدولة من ممارسة سلطاتها على أراضيها كافة" وتجنب مطالبة الحوثيين صراحة تسليم عمران كما ذهب اليه البيان الرئاسي ،كما تحاشى تحميلهم مسئولية الازمة الراهنة وذهب الى تحميل جميع الاطراف مسئوليتها بخلاف ما جاء في البيان،وتجنب  ايضا ابداء دعمه للاجراءات الاقتصادية التي اتخذها الرئيس خاصة انها جاءت استجابة لمطالب دولية ولتجنب انهيار الاقتصاد بصورة مغايرة لدعم المجلس لتلك الاجراءات .

ج-تغاضى بن عمر عن ابداء دعمه للجهود التي بذلها هادي لحل الازمة بالطرق السلمية عبر تشكيل لجنة وطنية رئاسية من كافة الاطياف وارسالها الى صعدة ، كما تجاهل الاشادة بالمرونة الكبيرة التي ابداها هادي وانفتاحه مع شروط الحوثيين مقابل تعنت الطرف الاخر حسب ما ظهر من تصريحات اعضاء في اللجنة كحسن زيد وسلطان البركاني وعبدالملك المخلافي ،واكتفى بن عمر بإشارة خجولة لدعم المجتمع الدولي للرئيس هادي بعكس الدعم اللامحدود الذي ابداه المجلس في بيانه لهادي .

4-اشارة  البيان الرئاسي في احدى فقراته الى ترحيب المجلس بدور جمال بن عمر جاء في عبارة تكميلية وصيغة ضعيفة شكلية بعكس الدعم الدولي القوي لمهمته في البيانات السابقة، وكان لافتا تواري بن عمر خلال الشهرين الماضيين عن الانظار رغم سخونة الاحداث التي شهدتها بلادنا ولم يظهر الا في الاسبوع الماضي وظلت لقاءاته واتصالاته بعيدة عن وسائل الاعلام حتى خروجه على وسائل الاعلام لقراءة البلاغ الصحفي وكان واضحا اضطلاع اعضاء لجنة العقوبات الدولية وسفراء الدول العشر بمهمة التواصل والالتقاء مع مراكز القوى والنفوذ وقادة الاحزاب في الاسابيع الماضية وبحث التطورات على الساحة .

- كل ذلك يرجح انتهاء دور بن عمر في اليمن خاصة بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين دول خليجية بسبب اعتراضه على ايفادها مبعوث خليجي يمثلها الى اليمن وقبل ذلك شخصنته الخلاف مع الرئيس السابق وما نجم عنه من ثغرات واخطاء في مضمون القرار 2140 - تناولتها بالتفصيل في مقال سابق بعنوان" أخطاء بن عمر تحولت الى قنابل موقوتة في القرار 2140 " -.

-رغم عدم الزامية البيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الامن بعكس حال قراراته ورغم اللغة القوية التي خاطب بها المجلس الحوثيين في بيانه الرئاسي الا أن البيان تجنب التهديد بفرض عقوبات على الحوثيين،لكن الاشارة  الى مواصلة الحوثيين واخرين إذكاء الصراعات في الشمال واعتبارها محاولة لعرقلة المرحلة الإنتقالية السياسية فيه تلميح بإمكانية فرض عقوبات على الحوثيين بدرجة رئيسية والاخوان والرئيس السابق بدرجة تالية في الفترة القادمة سيما مع اشارة البيان الى القرار 2140 والعقوبات التي اعتمدها ثم تأكيده على دعم جهود لجنة الخبراء في جمع وتحليل المعلومات بُغية اتخاذ التدابير اللازمة، خاصة فيما يخص مسألة تقويض المرحلة الإنتقالية السياسية،كل ذلك يدفع بالحوثيين الى مواجهة المجتمع الدولي والوقوع تحت طائلة العقوبات الدولية اذا لم يسارعوا بإعادة النظر في سياستهم الحالية.