لم يعد بوسع شخص أو جماعة استغفال شعب أو التلاعب بوعيه في عهد الإعلام الوسيط، ولم يعد هناك مجال للإعلام الواحد أو مخاطبة شعب عبر ميكرفون الزعيم أو صحيفة الملك أو خطاب السيد القائد، حتى الحظر الاعلامي ومحاولة تكميم الأفواه وتقييد الحريات لم يعد اليوم متاحا حتى لدى أقوى الأنظمة الشمولية في العالم، التحكم في الرأي العام ومحاولة توجيهه عبر كنترولات ومراكز تحكم تمارسها الحكومات فضلا عن قدرة جماعات أو عصابات على ذلك.
ليلة الجمعة الماضية وجه زعيم الجماعة الحوثية دعوة ﻷنصاره في صنعاء لترديد صراخهم المعروف في زمن محدد وموحد، ورغم أنه يحاصر صنعاء بمجاميع مسلحة منذ أسابيع تحت مبرر الاحتجاج على أسعار الوقود لكنه دعا للصراخ بشعار جماعته الطائفي والسياسي المعروف منذ سنين، ما يعني أنه يسعى فقط لاستعراض حشود وتهييج مشاعر اتباعه للضغط في سبيل تحقيق مطالب ومكاسب غير وطنية ولا علاقة لها بالهم المعيشي للمواطنين الصي يحاول استغلاله.
لم تكن المفاجأة الوحيدة هي الفشل الذريع الذي واجهته الدعوة الغريبة للصراخ في ليل صنعاء المتوجس، بل خلال ساعات فقط تداول اليمنيون وثائقا تاريخية ومؤلفات وقصصا من مرويات الثورة الإيرانية في 79م التي دعا فيها الخميني أتباعه بطهران لترديد نفس الشعار الذي يرفعه الحوثيين وفي نفس التوقيت – 9 مساء – وبنفس الآلية الغبية.
لم تكتفي الميلشيات بفشلها الذريع بل وانكشاف فضيحة محاولة استنساخ أحداث إيرانية تكشف هوس عبدالملك الحوثي أو من يحيطون به بتقمص شخصية الامام الخميني وشخصية حسن نصر الله.
قد يسعى شخص نتيجة عدم الثقة بالنفس لتقليد غيره من الزعماء والمشاهير ومحاكاة تصرفاتهم وحركاتهم، لكن التفكير في إمكانية إسقاط تجربة أو حركة لشعب على واقع شعب آخر هو نوع من العبث والغباء، ولو كانت تلك التجربة مشرقة ومتقدمة فضلا عن أن تكون حركة تؤدي إلى نشوء نظام ثيوقراطي طائفي مرتبك ومشوه غير واضح كالتجربة الايرانية التي يتوهم البعض إمكانية تكرارها في اليمن أو غيرها، ولا تكشف هذه الممارسات الا تخبط أهلها وعدم نضجهم السياسي والوطني.
بإمكانك أن تحظى – بواسطة التهريب واستغلال ظروف بلدك – ببعض الامتيازات المادية واللوجستية والذخائر والأسلحة من دولة ما لكي تحقق أطماعك التي تفتقر للإسناد الشعبي وتنفذ أجندة تلك الجهة غير الوطنية، لكن أن يصل الأمر لحد توهمك أو توهمها بإمكانية إنشاء فرع آخر لبلادها على أراضيك فهو غباء يستلزم لتحقيقه استيراد شعب من نفس الدولة التي صدرت لك البارود والذهب.
* مطابخ الأشاعة : من الانعكاسات السلبية لتطور تقنية الاعلام الجديد أنها تغيب فيها فرصة التثبت لدى بعض العوام ما يسهل تسويق الاشاعات والأقوال والمعلومات المنسوبة زورا إلى جهات ومصادر ليست صادرة عنها، ويتداول البعض هذه التفاصيل دون التثبت من صحة نسبتها ، وغالبا فإن بعض التسريبات التي يتم تداولها في الفيسبوك والواتس أب هي صادرة عن مطابخ تصنعها بغرض إحداث ارباك وخلط أوراق وتمرير أجندة معينة ما ينبغي الحذر من التعامل معها دون نسبتها لمصادرها بشكل موثوق.