حتى اللحظة لاتزال كل الاتفاقيات بين اللجنة الرئاسية والحركة الحوثية غامضة، وكل التناولات هي «تسريبات» ترعاها أطراف هدفها التنكيل بالآخر أو نفخ نار التشفي وتسعير المعارك، وهو ما يتمناه تجار الحروب والقضايا.
حديث مستشار الرئيس الدكتور فارس السقاف عن مطالب حوثية بتقديم قتلة الضحايا الذين سقطوا في نطاق الحرم الأمني لرئاسة الوزراء وأحداث جنوب العاصمة «حزيز».. ووعود بإمكانية التحقيق في ذلك، مكر يكشف عن نضج سياسي لدى الحركة الحوثية؛ لأن الحوثي يريد هنا أن يهين قيمة الدولة والمؤسسة العسكرية تحديداً، ويقدم الجنود بأنهم لا قيمة لهم ولا وزن، بل إن الاصطفاف معه هو أضمن وأسلم لهم.
الحوثي يريد أن يقول بصوت خفي: إن قتلى عمران العسكريين والأمنيين لا قيمة لهم، فيما لا يتهاون هو بدم أعضائه.
الجنود الذين سيودعون الزنازن كقتلة ومتسببين في أحداث حرم مجلس الوزراء وحزيز، سينظر لهم رفاق السلاح باعتبارهم ضحايا دولة؛ تطلب من جنودها حمايتها، ثم إذا ما دافعوا عنها واقترفوا خطيئة ساقتهم إلى السجون والمشانق سيكونون ضحايا الحفاظ على مؤسسات الدولة، والدفاع عن شرفهم العسكري وليسوا ضحايا مليشيات مسلحة حاولت اقتحام أهم مؤسسة وطنية، وهي رئاسة الحكومة، ولم يقم الجند بغير واجبهم الطبيعي.
من هي الدولة التي سلمت جندياً واحداً تسبب بقتل متظاهر إلى المحكمة؟.. لا أحد، لا دولة في العالم تسلم جنودها إلى المحاكم في حال اقترافهم لخطأ أثناء دفاعهم عن مؤسسات الدولة ضد المتظاهرين والمحتجين، فما بالكم بالوقوف ضد مليشيات مسلحة تحاول اقتحام رئاسة الحكومة... وهذا فعل اعتدنا رؤيته أمام مقرات الحكومات والبرلمانات في عدد من عواصم العالم، وعادة ما يتم دفع تعويضات مجزية واعتذارات لأسر الضحايا، وإقرار رواتب شهرية لأسرهم... لكن ذلك لا يعني مطلقاً السماح للجنود بوضع أصابعهم على الزناد وتصيد رؤوس من يطالبون بحقوقهم المشروعة، وهناك أساليب أجدى وأحدث كالرش بالمياه الباردة والساخنة والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والعصي البوليسية ووضع الحواجز الخرسانية والأسلاك الشائكة... وغيرها.
حتى الوعود بإمكانية تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الحادثة سيدفع الجندي إلى التخلي عن واجبه مستقبلاً؛ فالجنود ليسوا خرفاناً في مزارع، لا يعون ولا يفقهون، بل سينظرون لدولتهم وهي تسارع في تشكيل لجنة للتحقيق في قتلى الجماعة الحوثية، في الوقت الذي لم تحقق فيه في حادثة قتل أكثر من 200 جندي في اللواء 310 بعمران، واختطاف وقتل قائده، ونهب كامل عتاد أكبر معسكر في اليمن، بل إن سلطات الدولة لم تصدر بياناً توضيحياً حتى الآن، وتقول للشعب ما الذي حل بجيشه وأسلحته.
وهنا يجب إصدار لجان تحقيق متعددة للبحث والتقصي في كل الحوادث السابقة، في دماج والرضمة وعمران، والجوف، ومديريات غرب مأرب، وهمدان وثلا، ومعبر وآنس وعنس، والجحملية في تعز.
وما يريده الشعب اليمني من قيادة الدولة هو مكاشفته بحقيقة ما يدار له، وما يريدون للشعب الوقوع فيه، فالضحية في الأول والأخير الشعب اليمني، وليس القادة السياسيين ولا الحزبيين ولا العسكريين ولا أياً من أسر هؤلاء، فكل واحد منهم لديه تأمين مالي وتجاري وسكني يكفي للحفيد الرابع عشر في السلالة سعيدة الحظ.
"الجمهورية"