شبح الحرب يطل على صنعاء الحبيبة من جديد، يخيف وجهها البريء، ويشتت ذهنها النقي، ويفزع صوتها الشجي، لكنها صنعاء العصية دائماً، لن تموت ولن تنكسر.
صنعاء هي ذاكرتنا، وتاريخنا العفوي المدون في جدران المدنية وبيوتها وشوارعها وأزقتها الأنيقة... صنعاء ذاكرة وذكرى.
هي المدينة التي اكتشفنا الحياة فيها، ونشأنا بين يديها، وتعلمنا منها الصبر، حتى صرنا كأمنا صنعاء نتصبر على كل المواجع... صنعاء التي صبرت على ظلم وطغيان الأئمة مئات السنين، وقبلهم الأحباش وبعدهم الأتراك، هي صنعاء القادرة على البقاء والصمود في وجوه المحن.. صنعاء تاريخ طويل من ملاحم الصمود في وجوه أمراء الحرب، ومليشيات الارتزاق، وفرق الموت... صنعاء لا تموت.. صنعاء تقاوم الحرب بالسلام، والكره بالحب، والحقد بالتسامح، صنعاء لا تستطيع العيش إلا حاضنة للجميع، ومحبة للجميع... لأنها نشأت في بدايتها الأولى على أيدي الجميع، لذا لا غرابة من تلك الهبة الشعبية الكبيرة التي تداعى لها أبناء تعز و إب والبيضاء والحديدة للدفاع عن صنعاء إبان حصارها سبعين يوماً في 1968 من قبل مرتزقة الملكية، بعد الإطاحة بالكهنوتية الإمامية بست سنوات.. رحلوا جميعاً وبقيت صنعاء “بعينيها تقاتل”، وبقلبها الكبير تسامح... لم تطرد أحداً، أو تشكو من طعناته الخبيئة والخبيثة... كانت كبيرة على الجراح.. صنعاء قد تستكين، قد تتوجع، لكنها أبداً لا تستسلم، ولا تقبل صيغة واحدة للعيش فيها، فهي مدينة للتعايش بين كل الفرق والأحزاب والمذاهب والأفكار والمعتقدات، صنعاء لم تطرد من أرضها غير الظلمة والمستبدين والطغاة... وحتماً عما قريب ستطرد الخونة والمتآمرين، وتجار الحروب، والطائفيين والسلاليين... صنعاء عاصمة للسلام.