بهذا العنوان التقليدي الرتيب، سأكتب، وبه سأتحدّث بلغة هادئة مع بعض مسؤولينا الذين أعرف وأدرك حجم ما نهبوا وتملّكوا وعبثوا بهذا الوطن، أعرف استثمارات بعضهم في داخل وخارج اليمن، أعرف أن بينهم من يتجاوز رصيده المليار دولار؛ نعم المليار دولار نهباً من المال العام وباسم مشاريع وهمية وهبات وقروض ومنح وعمولات ومناقصات، وفيهم نصف الشريف الذي اكتفى ببيتين أو ثلاث وعدد من السيارات واستثمارات صغيرة في الداخل تضمن مستقبلاً كريماً للأولاد، وفيهم الشريف الذي تولّى المنصب وغادره ولايزال حاله كما هو، ولا أدل على هذا النموذج من الرجل العظيم المهندس الراحل فيصل بن شملان.
سأخاطب بعض المسؤولين وأنا أدرك يقيناً أن ليس فيهم من ينتظر إلى الراتب أو يفكّر بمبلغ صغير لبناء مسكن، أو ملحق في مسكن ليسع الأبناء والأحفاد، وأعرف أنه ليس فيهم من يبيت ليله متألماً على وضع الفقراء والمرضى والمسحوقين في بلد تتسع دائرة فقره بالتزامن مع تضخّم مديونيته.
سأخاطب مسؤولينا وأنا أدرك أن ليس فيهم أحد يعيش حالة تقشّف، أو على الأقل يعيش كبقية أبناء الطبقة المتوسطة، وأعرف ألّا أحد منهم فكّر بمصير الطبقة الوسطى عند اتخاذ قرار “الإصلاحات السعرية” ليتسع بعدها عمق الهوّة بين طبقة الأثرياء وطبقة الفقراء، وتُسحق الطبقة الوسطى، وهي محرّكة عجلة الاقتصاد في كل المجتمعات.
بالأمس تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي تقريراً تلفزيونياً عن قناة «السعيدة» يظهر كيف اتجه ملّاك مزارع المانجو في منطقة الجر بتهامة إلى إحراقها، وخمد جذوعها تحت الأرض لكي تتحوّل إلى فحم عالي الجودة، فعلوا ذلك بعد ارتفاع سعر مادة الديزل، وأصبحت النفقات على المانجو أكثر من إيراداته، فأحرقوا أشجاره، وجعلوها فحماً سيحرقه المراهقون أثناء حديثهم عن الحالة المعيشية في اليمن، سيحرقه مسؤولونا في “نرجيلات” جافة كضمائرهم، سيحرقه صبية الخليج ويضعون عليه أجود أنواع العود الكمبودي، سيحرقون فحم المانجو في المباخر مثلما أحرقت الحكومة أعصابنا بقرارات اعتباطية، تعاقب الضحية وتقهقه مع الجلاد.
قلت في الأيام الأولى لقرارات تحرير دعم المشتقات النفطية إنه سيصيب المزارعين خاصة في المحافظات الشمالية بمقتل، سيقضي على طبقة الفلاحين وهم جميع سكان الريف حيث التجمعات السكانية الكبيرة.. ثمة فرصة عظيمة تقف على عتبات الحكومة الجديدة وهي إعادة النظر في أسعار مادة الديزل، فمضخّات المزارعين تعمل بالديزل، وآلات الحصاد بالديزل، وناقلات توزيعه بين المحافظات تعمل بالديزل، أي ارتفاع في سعر البنزين لن يكون له 10 % من تأثير ارتفاع الديزل على حياة الناس.
واعتقادي الدائم أن قرار رفع الأسعار لمنع المهرّبين وتجار السوق السوداء هو منقصة وعيب كبير أخرق بحق الدولة، أين أمننا ومخابراتنا ونياباتنا وقضاؤنا؛ إذا كانت الدولة بكامل أجهزتها ووسائلها ستقف عاجزة أمام خمسة مهرّبين للمشتقات النفطية، فهي أجهزة لا تستحق البقاء ولا تستحق الاحترام، بل لا تستحق الرواتب الشهرية التي يتسلّمها أعضاؤها..!!.
[email protected]