مع قرار الرئيس السابق باندلاع الحرب الأولى مع الحوثيين؛ كانت التهمة الجاهزة لمن ينتقد إجراءات التوريث التي دشّنت حينها على أعلى المستويات بأنه إمامي “مع أنك ضد توريث الجمهورية؛ فكيف تكون مع التوريث المدعم بهرطقات الاصطفاء..؟!” ثم سريعاً ما صارت التهمة بأنك مع حميد المنافس لأحمد “مع أن حميد يقع في ذات السياق الذي يقع فيه أحمد جرّاء سلطة والده الاستغلالية للجمهورية وتكريس النفوذ؛ وهي ذات السلطة الاستغلالية التي اتبعها صالح أيضاً في تكريس نفوذه وإفراغ كل القيم الوطنية الكبرى من مضامينها...إلخ” أما طيلة سنوات ما بعد 2011م فكونك تنتقد «محسن وحميد» فالتهمة الجاهزة بأنك عفاشي والعكس، كذلك اليوم يبدو من ينتقد الحوثي ليس سوى داعشي، إخواني، تكفيري... إلخ.
وهكذا للأسف، حتى «المشترك» الذي كان أملاً ليتسق مع أحلام الشعب ويتمثّلها كما ينبغي؛ سريعاً ما انحرف ومنح الناس الخيبة والخذلان، بل لطالما قام بتخوين أصحاب الرأي والضمير بكل استسهال وبمزايدة شديدة الفجاجة خصوصاً المقرّبين منه والمناصرين له والمحسوبين على أحزاب فيه لمجرد توجيه الانتقادات لتدهوراته وانفصاماته واستمرار آلياته في الضمور في ظل عدم المراجعة الحقيقية لمساره والاعتراف بالأخطاء والقيام بالتصويب أو يبقى من البديهي فض التكتل لتعرف الجماهير أين الخلل بالضبط، كما ليثبت كل كيان سياسي على حدة قدرته على إثبات مشروعه في الواقع واتضاح حالة المكاشفة التي يمكن على إثرها معرفة “من نحن، وأين نقف وماذا نريد..؟!” كأفراد وككيانات سياسية وكشعب وكدولة أيضاً.
المهم إن هذه البلاد ستظل مريضة بعجرفة وغباوة من يستمر في حصر خياراتك أيها المختلّف وغايته استلابك فقط، ما لم فالتدليس ضد نزاهة مواقفك وهمومك وترهيبك واتهامك بكونك من الطرف الآخر للطرف الذي تنتقده أو تخوينك واتهامك بكل ما تيسّر من العمالة للمناطقية والطائفية.... إلخ، وكل هذا؛ طبعاً دون أدنى اعتبار لحقك في أن تكون ضد الطرفين بل ضد كل الأطراف مثلاً، كما لك مجمل الحق الأصيل في التعبير عن رؤيتك الوطنية الحرّة التي ستظل تعتز بها وتدافع عنها حتى آخر رمق.
والحاصل هو أنه من المستحيل لأي مركز هيمنة وضع مخالفيه في الزاوية التي يريدها؛ هكذا علمنا التاريخ، لكن الأنكى هو أن غالب تلك المراكز تفهم التحالف السياسي والوطني معها بما يعني أن تكون تابعاً لها إلى الحد الذي يجب فيه أن تفرغ مشروعك السياسي لصالح هيمنتها، أو فالتهمة جاهزة والضغينة ستنشب في عضدك.
لهذا السبب ظلّت السياسة في اليمن كما العمل المدني محكومين بالوعي المتخلّف للسياسة والعمل المدني؛ أي بلا تنافس موضوعي حيوي خلّاق يسهم في تنمية السياسة والعمل المدني – كما نتمنّى- لا الإسهام بسبب حالة الركود والبلادة السائدة في إنعاش أوبئة الغلبة والعنف والسلاح والاحتكار وعدم المسؤولية الوطنية كما هو حاصل اليوم.
غير أننا سنظل أحراراً ونرفض كل ما يخالف حلم المواطنة والدمقرطة والتحديث والجيش الوطني والجمهورية غير المخطوفة والدولة المتقدّمة العادلة المكافحة للفساد والمبشّرة بالقانون فضلاً عن الوحدة التي تجعلنا نتباهى ونتشرّف بها وتمنحنا السعادة الوطنية.
باختصار وبصدق عميق مع الذات؛ ليس لليمني سوى التشبُّث بالدفاع عن حلمه لتحقيق يمن النضج يا يمن الطيش، وعلى كل روح وطنية حرّة ألا تستسلم لمنطق المغالطات والتسويغات الأهوج على الإطلاق