عدن زمان و بقرة نعمان

2014/11/15 الساعة 01:40 مساءً

يحكى ان بقره يملكها الحاج نعمان يتركها ترعى و تجول في شوارع منطقة التواهي من مدينة عدن في خمسينات من القرن المنصرم وذات يوم وهي ماره بجانب المحكمة الجزائية أطلقت خوارا مزعج وحينها كان القاضي الانجليزي مستر{ويكم Wecam } في جلسة مقاضاة لبعض المتهمين فصاح بالجندي المرابط أمام باب القاعة ما هذا أيها الجندي رد الجندي أنها بقرة حضرة القاضي وأمر الجنود بحجزها واستدعى صاحبها للمحكمة وذهب احد الجنود لإحضار الحاج نعمان المعروف لدى الجميع في منطقة التواهي وقدمه للقاضي الانجليزي { ويكم } وهو مستاء من صوت البقرة المزعج وسال القاضي الحاج نعمان هل هذه بقرتك فقال نعم ولماذا تتركها في الشارع فقال لترعى وغضب القاضي أيوجد لديك زريبة وبها من الأعلاف ما يكفيها أم تملك بقرة وأنت غير قادر على كفالتها وضبطها من إزعاج المارة والساكنين فكان رد الحاج نعمان أنها بقرة يا سيادة القاضي بهيمة لا تدرك ماذا تعمل فصرخ في القاضي في وجهه أذا كانت هي بهيمة فأنت مسئول عنها وتدرك مخاطرها على المارة في الشارع ومهمتك رعايتها ومسئولا عن ما ينتج عنها من أضرار وحكمنا عليك بغرامة 15 شلن وعلى أن تعرض البقرة على طبيب بيطري للكشف عنها طبيا وأعداد تقرير بذلك عن أسباب خوارها المستمر في غضون 24 ساعة .
وفي اليوم التالي كان التقرير جاهزا على مكتب القاضي الذي أمر بإدخال الحاج نعمان وفتح القاضي التقرير وقال للحاج نعمان تعرف السبب أنها بحاجة للتزاوج وتحتاج لذكر {ثور} ليشبعها جنسيا وأمرناك ان تلبي رغبتها خلال 24 ساعة ما لم يتم ذلك فالسجن أسبوع وإرسال البقرة إلى اقرب مزرعة لتعيش فيها بحرية كاملة وحرمناك من ملكيتها .
أنها قصة تدلل على الدور الريادي للقضاء وتفاعله مع هموم ومعانات الشارع وانه معني في الاختلال السلوكي والأخلاقي للمشهد اليومي لحركة الشارع وكبح جماح المخالفين والغير مبالين الالتزام بالنظم والقوانين السارية وتفعيل دورها كعقد اجتماعي ملزم للجميع التقيد بها هكذا كان العدل يحدد المسئول عن أي ضرر مادي أو معنوي يحدث للعامة كانت تحدد المسئولية بدقة بالغة ومن هو المحرض و الموسوس للقيام بأفعال عنيفة ومتنوعة، والكامن كوكر يتربص شراً بالآخرين عند أول فرصة تتاح له و ينشط معها سلبياً، بحيث تنبع منه المحرضات على العنف الفردي والجماعي الفاتك بالمجتمع والآمنين في ارض المسلمين ارسوا فيها العدل غير المسلمين وعندما حكمها المسلمون ارسوا الظلم والاستبداد وداسوا على النظم والقوانين وحولها إلى سوط يجلدون به البسطاء والصغار أم النافذين هم فوق القانون والنظام وتحولوا لعصابات تعبث بالوطن وتعكر صفوة المواطن ويقتلون الأبرياء كأمان والخطيب على قارعة الطريق ولم يجعلوا العدل يأخذ مجراه فالعدل يطال غيرهم وحرام أن يطال أبنائهم أين هم من الإسلام وعدالة السماء .
و من هم المسئولين عن بناء الإنسان وخلق الفرد الفاعل والنفس السوية القادر على البناء والنهوض والتطور بالمجتمع والوطن هل نخلص ونهتم في مراقبة سلوك الطالب في المدرسة وتعامله مع زملائه من هنا يبدأ دق ناقوس الخطر في الاختلال السلوكي والثقافي ومعالجة هذه الاختلال بأسس علمية و وجود مؤسسات تربوية وإصلاحية لتقويم السلوك والاختلالات النفسية والسلوكية حتى لا تتفاقم وتتراكم المشكلات وتكبر وتنموا مع نمو الفرد ثم نأتي متأخرين في حلها ومعالجتها وتكون قد تأصلت وتعمقت في الوسط الاجتماعي وهكذا التعامل مع الأضرار الاجتماعية ومصادرها مسبباتها وأدوات تنفيذها وفق نظام وقانون يسري على الجميع دون تمايز أو حصانه .
هل سمعنا يوما عن ورشة عمل في السلوك لمخربي المنشئات والمصالح العامة تبدأ من التخريب في المبنى المدرسي وملحقاته وتنتهي بالتخريب لأبراج الكهرباء وأنابيب النفط والعبث بالشبكة العامة للاتصالات وهل استطاعت الدولة تقويم سلوكيات هولا البشر المختلين سلوكيا وفكريا او المحاولة لدراسة الأسباب والدوافع وفرض سلطة القانون عليهم .
وماذا عن السجون اليوم في بلدنا وأهداف إنشائها كدور تربية و إصلاح وتقويم قبل ان تكون دار عقوبة لا يمكن وصفها اليوم بغير إسطبلات للحيوانات ويتعامل فيها الإنسان أسوا المعاملات يخرج منها دون تقويم لسلوكه بل يزداد حقدا وحدة في التعامل مع المجتمع ويكتسب من تواجده داخل السجن المزيد من الآفات الاجتماعية والأمراض السلوكية .
ماذا أحدثك عن إصلاحية سجن المنصورة بين الأمس واليوم من ورشة عمل لإنتاج كل متطلبات الأسرة من ورش نجارة وحدادة وأعمال يدوية وحرفية ومدارس وعيادات نفسية وصحية اليوم حالها لا يوصف بغير إسطبل للحيوانات والتعامل مع النزلاء بالمثل وحالاتهم نزداد سو والنتيجة مجتمع ملي بالسوء والأمراض السلوكية والنفسية ما هو ممنوع على الفرد خارج السجن متاح داخله ما تشتهيه النفس المريضة والمدمنة .
لهذا مشاكلنا تتراكم وآفاتنا تنموا وأمراضنا تتفاقم ونحن نصرف أموال في الهواء ونعالج الداء بمزيد من الداء لان المصداقية معدومة والوطنية وسيلة للمصلحة والمجرم الحقيقي محصن واستبدلوا بأبرياء فنحولهم لمجرمين حقيقيين وكم رجل قهروه فتحول إلى إرهابي وكم حاضنة للإرهاب رعوها فأنتجت إرهابيين وبالعنف يعالجون ابسط المشاكل فيزيد من تناميها .
أي أننا لا نتعامل مع المشكلات والأزمات بشكل حازم وجاد وموضوعي فتتراكم وتزداد تعقيدا وهذا هو حالنا اليوم أكثر من ثلاثون عاما نربي لنا أفاءت ومجرمين وأمراض نفسيين حتى صار المجتمع ملي بهم ولازلنا نسير على نفس المنوال ولن يصلح حال البلد دون مصداقية وجدية و وطنية وعدالة وحرية والقانون سيف قاطع لكل مخل ومتخاذل ومتهاون والمسئولية جماعية وجادة
احمد ناصر حميدان