نبعث هذه الرسالة المباشرة دون مقدمات، إلى السيد عبدالرحمن الجفري القائد، ودون الدخول في أي حسابات أو تفاصيل؛ ولكن كمجرد مواطنين جنوبيين لا نتَّبع أي فصيل، أو مكون من المكونات، التي نعترف بأنها دعيَّة لحب الجنوب؛ لكنها لم تحدِّد ما إذا كانت نهاية حبها زواجاً شرعياً يتوِّج مسيرتها.
السيد الجفري.. أتحدّث عن نفسي فقط وقد عايشت، و- الكثير غيري - حرب صيف 94م الظالمة، وكنت "أنت" أحد قادة تلك الحرب؛ بل واحتللت المرتبة (الأولى) في قلوب أبناء الشعب الجنوبي، حينذاك، وسأذكِّرك بحادثة عابرة، لعلك - ربما - لا تزال تتذكّرها عندما زرتَ "دارسعد"، والقصف على أشدِّه، وبالتحديد بجانب بستان "الكمسري"، وبعد مغادرتك بساعاتٍ فقط، هوى صاروخ في نفس موقعك الذي كنت فيه، وهناك شواهد كثيرة لا يكفي الوقت لسردها.
وأيضا، بعد التهجير القسري لمعظم القيادات الجنوبية، كان لك موقف مشرِّف مع معظم المهجّرين، ولا يزال البعض يتذكرها حتى وقتنا هذا.
السيد عبدالرحمن الجفري، منذ عودتك إلى عدن في شهر أكتوبر راودنا حنين 94م، ليس حرباً؛ بل سِلماً وسلام، بتحفيز ذلك الشعب العظيم، الذي شاءت الأقدار أن يظلَّ وحيداً؛ لكنه فضّل أن يبقى وحيداً بجوار الأمل، الذي يظلُّ الخيار الأوحد، لهذا الشعب ذي الهامة المرفوعة، وذلك بالعودة إلى دولته التي فقدها في صيف ذلك العام المشؤوم، وخسر (الوحدة) التي طالما تغنى بها ولها؛ لكن صالح وشياطينه، أطاحوا بكلِّ تلك الأحلام واغتالوا الوحدة في عامها الرابع.
السيد عبدالرحمن الجفري.. لديك نقاط قوّة وهي أنك (القائد الوحيد)، الذي يتواجد على الأرض، وهذا يؤهلك؛ كي تحمل مشعل الثورة، ونثق بقدراتك القيادية، ولا تزال مؤهلاً؛ كي تلمَّ شعث هذا الشتات الكبير، وتجبير ما انكسر، وتحيي ما خمد تحت ركام النفوس؛ ولكنَّ التفاصيل هي المشكلة في الجنوب، منذ الأزل، ولا أقول أنها وليدة اليوم.
السيد الجفري.. لما لم تبدأ من حيث انتهينا، وأقصد 94م، فالأجيال في الساحة، هم السواد الأعظم - وأنت العارف فينا – أنهم يتذكرون هذا التاريخ، أو يسمعون به من آبائهم وأمهاتهم أو أجدادهم، سعادة السيد الجفري، كثُر اللغط والحديث عن مشاريع - ربما - جهوية - تستمع لها الكثير من الآذان، وتعشقها بالمقابل الكثير من الآذان، وأنتم بدوركم، ربما رسَّبتم في العقل هذه الشكوك، وتعرفون "أن الشيطان يجري مجرى الدم من ابن آدم"، ولم تعملوا شيئاً أو بالأصح لم تستطيعوا إيصال ما ترمون إليه، لطمأنة الناس في الشارع، ولا يستدلون إلا بحادثة العلم، إن لم يستطع الرجل التصرف بلباقة سياسي مرنٍ، لدحر علم الدولة الجنوبية، ولو بطريقة لا يمكن أن يتسرب الشيطان خلالها، وقد تسرب فعلاً، فكيف يتصرف لبناء دولة بأسرها، أنقل لك حديث الناس لا غير، وأنت لا شكّ العاقل الذي يزن الأمور برويَّة وتأنٍ كبيرين..
"الهوية" قضية لا غبار عليها؛ ولكن هناك المهم والأهم في سلم الأولويات، وباعتقادنا أن الأهم هو استعادة الدولة، التي فقدناها في 94م، عندما انتهى المشروع الوحدوي، وفرض الوحدة بالقوة وبالتالي يصبح النضال الثوري التحرري، الذي انطلق في 2007م، واستشهد في محرابه، خيرة الرجال من أبناء هذا الشعب الفتي، شبابا أو شيبانا، أطفالاً كانوا أو نساءا، ونحن بشخوصنا ربما نقف مع هذا الخيار، الذي نثق أنه سيوصلنا إلى طريق الدولة، وربما الرجوع عنه سيدخلنا في دوامة نحن في غنى عنها، على اعتبار أن المتربصين كُثُرٍ، حين تعدهم.
ومع هذا كله، لا نصادر حق الآخرين - مطلقاً - بحرِّ اختيارهم، وكلٌّ يختار، بحسابات الواقع ومعطياته، حتى وإن كانت هنالك نقاط قوة، لمصلحة ما تدعو إليه، ففي تلك الآلية - أيضاً – تنشأُ مساوئ ربما هي من جنس إيجابيات الحلول المقترحة من قبلكم، لحلحلة الواقع المأزوم، الذي نمارس رياضة التَّوهان فيه، منذ ما يزيد عن العشرين عاماً، دون تحقيق شيء لأولئك الرجال البسطاء، المغدورين حتى يومنا هذا تحت كل شارع وفي كل زقاق، يطاردون كالفئران، لا كأصحاب قضية، وهذا ما يجعلنا نتحسر على أنفسنا، جراء هذا كله.
الحبيب الجفري.. أتمنى أن تنظر بعين الحاضر، لترى المستقبل بعين العقل، لهذه الأجيال الشابة والفتيَّة، التي ستدعوا لك كل وقت وحين، وستحملك درعاً بين ثنايا صدرها، تفتخر وتباهي به بين العالمين، وإن اقتضى الحال فلتتنازل لصالح شعبٍ أرهقته الانقسامات والبيع بالتجزئة.
مرة أخرى، "هوية" الجنوب العربي، أمرٌ لا غبار عليه، وسيتم ترتيب (البيت الجنوبي) بعد استعادة دولتنا المهزومة، وربما لا يمكن العودة إلى الرأي الواحد أو الحزب الأوحد، كما أن استعادة الدولة هدف لا يمكن التزحزح عنه مهما تعددت المسببات، ومهما كانت التضحيات، وجنوبنا نراه يلوح في الأفق، وهو بانتظار الفارس الهمام، الذي سيستحق كل التقدير والاحترام في حياته وبعد مماته.
وأختم رسالتي بأبيات للشاعر العراقي:
اللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه
واللي مفارق محب يبكي سنة ويسناه
بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه..؟!!