شهية الحرب مفتوحة على مصراعيها في اليمن، هذه المرة تبدو غيمة الموت محلقة فوق سماء مأرب ، فلدينا جماعات عنف تعتقد ان المحافظة المتخمة بالغاز والفقراء لا يجب استثناؤها من موجة الصراع المشتعل في اكثر من محافظة ، وعلى مأرب ان تستعد الآن لدفع فاتورة الحاجة الملحة لتعميق مشهد الدم ، وفتح آفاق جديدة لرائحة غبار المعارك وأدخنة البارود !.
غلبة الحاجة القهرية لجماعات العنف لخوض الحروب تشكل عمق مأساة هذه البلاد ، ورهاننا على البقاء على ظهر هذه الارض يكمن في مضاعفة جهودنا من اجل لجم هذه الحاجة ، وفتح آفاق أخرى لعلاقات الالوان السياسية والمجتمعية والمذهبية ترتكز على قيم الحب والتعايش والسلام .
مأرب حالة خاصة جدا ويفترض ان يفهم الجميع ذلك ، دينامو الحياة وعصب الاقتصاد الوطني يجب ان تظل في منأى عن اي صراعات من المحتمل ان اقحامها فيها لن يفضي سوى الى مشهد كارثي مفزع على شاكلة أزمات خانقة يلحقها انهيار شامل للدولة القائمة من الاساس على المنح الخارجية ، وغاز مأرب !
تقع محافظة مأرب الى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء ، وفيها ترتكز كل الثروات التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني ، تلتحف المحافظة الفقر وتنام في العراء ..تتجلى وحشية الأقدار في كونها خلقت كل شيء في مأرب ، الغاز ، البترول ..والفقر ايضاً !
المأربي انسان متدين يتصف بشراسة الطباع التي تشكلها بداوة المكان ، وجلافة الجغرافيا ..ويتميز ايضاً بالجود والكرم كقيم ظل ابناء القبيلة يتوارثونها جيلاً بعد آخر متحررين من تداعيات تباين الأزمنة وضغط الظروف .
سينتشي صديقي علي الشريف وهو يقرأ ما اكتب عن مأرب ، علي الشريف شاب مثقف من طينة مأرب الاصيلة ..غادر عالم البداوة الى صنعاء وتشكلت لديه قناعات شتى ، انخرط في مشاريع علمية ومدنية ومارس أنشطة سياسية غير ان سحنته الماربية تتجلى من كلامه ومواقفه وطيبة قلبه على نحو غزير .
يصرخ علي من على جسر النيل في القاهرة الآن : انقذوا مأرب من جائحة الموت التي يجري التحضير لها بوتيرة مخيفة .
معبد الشمس يلوح بذراعيه طالباً النجدة ، أما المدفعية فلا تكترث لما يحدث ولا تنصت لأي صوت خارج ضجيج ماسورتها ، وبين ثنايا الحشد والاستعداد للمعركة يتعثر السؤال الذي مابرح يحاول اجتياز الألغام لإيصال صوته على بعد 200 كيلومتر مربع: أين أجهزة الدولة من كل ما يجري على تخوم محافظة الثروة ، السد والمعبد وادي رغوان وآبار الغاز ؟.
تندب مارب حظها في معركة يمكن الرهان على انها ستكون الاقسى والاكثر دموية ، طيلة عامين تعايشنا مع حروب بالجملة بدت كما لو انها نتاج لمزاج سياسي ناقم ، لكن القدر لا يبدو متصالحاً مع مأرب ، فهناك مئات الدبابات والآليات العسكرية تحتشد في مهمة سحق مأرب الارض والانسان بذرائع تصلح لاستخراج ألف نكتة من بين ثناياها .
اما نحن الذين لا ننتمي الى زمن المعارك العبثية، فسوف نظل هنا على فيس بوك نرفع اصواتنا عالياً ، ونصرخ بكل حبالنا الصوتية : لا لخيار الحرب ، نعم لدولة قوية تؤسس لخيارات السلام وتضم تحت لواء خيرها كل الالوان السياسية والمذهبية في البلاد.