لا احد يكترث لما يحدث حاليا في البلاد ، لا الأحزاب ولا السفارات ولا الرعاة الدوليين ولا العالم بأسره ..يجري دفن اخر الاحلام الشائبة لليمنيين في بناء الدولة والانتقال الى اوضاع سياسية واقتصادية وأمنية اكثر تقدما في الوقت الذي يحدث حالة من التجريف الخطير لفكرة الدولة الجامعة لحساب كيانات طائفية ضيقة بلا افق ولا خيال وطني او انساني .
نحن اكثر تعقلا الان من ان نستغرق في أحلام تأخذ لون المستحيل ، بينما يصرخ أهالي حي منطقة الرئاسة مطالبين بالنجدة من جائحة الموت والقتال، ويختفي مدير مكتب رئاسة الجمهورية في دهاليز مليشيا مسلحة وفي حوزته مسودة الدستور الذي اشتغل عليه نخبة من فقهاء وقانوني البلد لاكثر من عام حتى سال العرق من تحت أظافر اقدامهم ، ثم يستقيل الرئيس وحكومته بعد ذلك مشرعا قلوب الملايين للقلق والهواجس الكئيبة .
ليست هذه حالة وليدة اللحظة وان كانت تداعياتها المتجاوزة لكافة التوقعات والقراءات قد اشاعت صدمة عنيفة في ارواحنا فقبل عام من الان كان مشروع الحوار الوطني يختتم اعماله ، فيما صوت ضجيج المدفعية يدوي في اكثر من منطقة في شمال البلاد ، ثمة جماعات عنف مسلحة ارسلت مندوبين لها الى موفمبيك للانخراط في مشروع الحوار الوطني وفي الوقت نفسه دفعت بمقاتليها الى القرى وشوارع المدن في عملية كانت تستهدف على المدى القريب جميع ماسوف يخرج به مشروع الحوار من مقررات وحلول للقضايا الوطنية الشائكة .
نحن ضحايا ميليشيا قذرة، واحزاب نخرتها الانانية والمصالح وذوت بعيدا في الاشتغال على النكاية وتبادل الاتهامات تاركة البلد لقمة سائغة لغول الموت وجماعات العنف، انتهت فكرة الثورة على يد نخبة سياسية انتهازية فاسدة وفي ظرف عام واحد فقط صارت نفوس اليمنيين تحفل ببؤس مضاعف بعد ان فتحت انتفاضة الشباب المغتالة الباب على مصراعيه امام اليمنيين للانخراط في احلام شاهقة وتكييف المستقبل في أذهانهم وفقا لمقتضيات هذه الاحلام .
صارت الاحلام رمادا الان أما النخب السياسية والمكونات فلا تزال على مشارف المشهد تمارس النكاية وتلقي باللوم على بعضها البعض وفي احسن الاحوال ترمي به على مؤخرة مجهول خطير وقاهر ثم تطلق المناشدات بحثا عن ممكنات الانقاذ !
يحدث كل هذا في ظل ترد شامل للأوضاع الاقتصادية واختناق عام بأزمات غذائية ونفطية تشهدها مدن ومحافظات البلاد ، يزدحم الان الاف اليمنيين امام المحطات في طوابيرة طويلة ، دون ان تخطر على بالهم فكرة ان هذه الطوابير بامكانها ان تشكل النواة الاولى على طريق خلق ضغط قوي يفضي الى الانتفاضة ضد حالة تغييب الدولة وكنس هذه الجماعات والنخب السياسية والحزبية الفاسدة الى المزابل .
الشعب سيد قراره لكنه حتى اللحظة " منشغل " في طوابير طويلة بحثا عن البترول والغاز ، وهو أمر يفسح الطريق للمزيد من الانسداد وايغال هذه النخب والجماعات في تدمير البلد وضرب فكرة الدولة .