وسائل إعلامية عالمية، وأمريكية، نشرت، أمس، خبر استيلاء مسلحي جماعة الحوثي على سيارات وأسلحة حراسة السفارة الأمريكية بصنعاء. مع ذلك، أطلق الحوثيون على هذه الأخبار اسم "أخبار الإصلاح"!
لا يعقل أن تمتد سلطة وسيطرة تجمع الإصلاح إلى حد السيطرة على وسائل الإعلام العالمية، والأمريكية. لكن الإخوة الحوثيين يعتمدون إكليشة واحدة في نفي الجرائم والفضائح التي يرتكبها بعضهم، أو ترتكب باسمهم، وهي إكليشة أصبحت مفضوحة، وممجوجة، ومثيرة للسخرية والضحك. يحتاج الحوثيون تحديث ذهنيتهم بما يُمكنهم من التعامل مع المتغيرات الجديدة؛ ذلك أنهم لم يعودوا محصورين في مساحة صراع محدودة مع "الإصلاح" و"الدواعش".
المعلومات تؤكد استيلاء الحوثيين على السيارات المصفحة (تقدر بنحو 25 سيارة) التابعة للسفارة الأمريكية، والاستيلاء على أسلحة أفراد حراسة السفير والبعثة الدبلوماسية لبلاده، ومنظومة اتصالات لاسلكية كانت بحوزتهم. جميع المعلومات، وجميع وسائل الإعلام العالمية الكبرى تؤكد ذلك؛ إلا أن الحوثيين ينفون، عبر استدعاء "الإصلاح" لإقحامه في القضية، ورمي الآخرين بالكذب!
حاول الحوثيون تلوين الخبر بتحميل تجمع الإصلاح مسؤولية نشره. طيب تعالوا شوفوا إيش قال حسين العزي، القيادي في الجماعة. هو اعترف، بشكل واضح، باستيلاء مسلحي جماعته على سيارات السفارة، مع ذلك يستمر "الأتباع المخلصين" في النفي، ورمي الآخرين بالكذب وسوء الكلام.
تذاكى العزي، فقال إن "مقاعد الطائرات التي أقلت موظفي السفارة الأمريكية (...) مخصصة للركاب فقط"، لهذا "كان من الطبيعي أن يتركوا سياراتهم؛ لأن شناطهم وطائراتهم لا تتسع لها". يا سلام والمنطق!
لم يحدث أن أخذ السفراء سيارات سفاراتهم على مقاعد الطائرات التي يغادرون عليها؛ لكن العزي ذكي، يريد أن ينفي الجريمة بشيء من الظرافة المأساوية، التي لا تفعل شيئاً غير استغباء الناس والضحك عليهم.
عندما تُغادر بعثة دبلوماسية ما دولة ما تترك سياراتها وممتلكاتها في مبناها، حتى تعود إليها أو شحنها، أو تصفيتها عبر بيعها. وهذا ما كان يفترض أن يجري بالنسبة لسيارات وأسلحة حراسة السفارة الأمريكية؛ إلا أن الحوثيين حالوا دون ذلك، وفضلوا نهب السيارات والأسلحة على أن تعود إلى مقر السفارة.
الجميع يعرف أن مسلحي الحوثي يسيطرون على مطار صنعاء؛ بيد أن العزي حمل "سلطات المطار"، وسائقي سيارات السفارة الأمريكية مسؤولية عملية السرقة والنهب هذه؛ إذ قال إن "سلطات المطار عملت على حفظها وحمايتها [السيارات]، خصوصا بعد أن ظهرت مؤشرات الاختلاف والطمع حولها بين بعض سائقيها ممن هم عاملين وموظفين لدى السفارة نفسها"!
لا تتدخل سلطات أي مطار في العالم لحجز سيارات المسافرين؛ تحت أي حجة وذريعة. بيد أن العزي ابتكر لـ"سلطات مطار صنعاء" مهمة ملاحية جديدة ليس لها وجود في عالم الطيران والملاحة الجوية.
ثم إن العزي لم يقل لنا كيف "ظهرت مؤشرات الاختلاف والطمع" بين سائقي سيارات السفارة الأمريكية. هل قاموا، مثلاً، يتضاربوا على السيارات في بوابة المطار فخرجت "سلطات المطار"، وتدخلت مقررة "احتجاز" السيارات؟ لكن جميعنا يعرف أنه لا يحق لـ"سلطات المطار" القيام بذلك، فضلاً عن أن أمراً كهذا ليس من اختصاصاتها. مع هذا لا يعقل أن يوصل سائقو سيارات السفارة مسؤولي السفارة إلى أمام صالة التشريفات ويقوموا يختلفوا أمامها من أجل الاستيلاء على السيارات. وإذا ما افترضنا أن السائقين كانوا يعتزمون السيطرة على السيارات، فمن غير المعقول أن يختلفوا حول تقاسم السيارات في المطار. كان سيعود كل منهم بالسيارة التي يقودها دون حاجة للخلاف مع الآخرين حول السيارات الأخرى. بالتأكيد لم يحدث شيء من ذلك؛ لكن العزي تذاكى ولم يجد غير اتهام سائقي السفارة بجريمة لم يرتكبوها.
هذه سيارات هي في عهدة موظفين يعملون لسنوات طويلة مع السفارة الأمريكية ولا يعقل أن يفكروا بفقدان وظيفتهم التي يتقاضون فيها مبالغ جيدة، مقابل نهب سيارات لن يتمكنوا من بيعها. مع ذلك، تفيد المعلومات بأن مسلحي الجماعة أخذوا هذه السيارات واتجهوا بها إلى أماكن بعيدة عن المطار.
ما حدث فضيحة وجريمة كبيرة تؤكد أن جماعة الحوثي لا تتعامل بمسؤولية مع السلطة التي منحتها إياها قوة السلاح؛ ذلك أن جريمة كهذه لا تسيء لجماعة الحوثي فحسب، بل لليمنيين جميعاً، وهي مقدمة للضرر الفادح الذي يُمكن أن تلحقه الجماعة باليمن وسمعتها. الأهم هو أن هذه الجريمة تظهر جماعة الحوثي محكومة بعقلية عصابة للنهب والفيد.
وبسبب فداحة الجريمة، نفت الجماعة حدوثها، وأبدى حسين العزي استعداد جماعته لتسليم هذه السيارات المنهوبة. هو قال: "ولعل سلطات المطار جاهزة لتسليمها لأي جهة موثوقة، كالأمم المتحدة؛ مع أن التحفظ على السيارات المدرعة حق قانوني لسلطات الدولة أصلا" (لا أدري أي قانون يعطيها ذلك الحق!!). يا اخي لا يحتاج الأمر "جهة موثوقة"؛ فقط أعيدوا السيارات إلى السفارة، ولن يستطيع أحد الاستيلاء عليها إلا أنتم ومسلحيكم.
كان بإمكان الجماعة الاعتراف بما جرى، والإعلان أن ذلك تم من قبل مسلحين تم إحالتهم للتحقيق، أو شيء من هذا القبيل. لكن أن يتم نفي المؤكد بهذه الطريقة الهزيلة فهذا أمر لا يقول إلا أن عملية نهب هذه السيارات جرت بتوجيه من قيادة الجماعة، وهذا يعني أن من يتحكم الآن باليمن هم مجرد عصابة. ولا يمكن لمن يعمل بذهنية عصابة أن يكون لديه مشروع وطني، أو يهتم بالشعب ويراعي مصالحه.
ننتظر من الجماعة إعادة هذه السيارات إلى السفارة، فكرهنا لأمريكا لا يُبرر لنا نهب وسرقة ممتلكاتها.