عظمة الحياة في الحرية والحرية العنصر الأول لصنع تاريخ المستقبل، والإنسان الحر يشكل الروح التي تنتج ثمار التقدم والبناء والتطور. ولكن لا يمكن لهذا الإنسان ان يبدأ حركته الكمالية المتصاعدة ما لم يبدأ عملية تحرره الداخلي والنفسي ويحس بالحرية إحساسا واقعيا واعيا وشاعرا بها، وما فائدة مساحة الحرية أذا كان داخل الإنسان مكبلا بالرعب والخوف والجهل والاستعباد فلا يمكن: أن تجد الحرية عدوا أكثر دهاء وبطشا من إحساس الناس بالجمود أو العجز في تغيير الواقع وتكيفه ليلبي طموحاتهم وأمالهم فالذين ذاقوا طعم الحرية لا يمكن ان يفرطوا فيها أذا تنبهوا للخطر الذي يحيط بهم والمصيبة الكبرى أذا تركز ضعفهم في عدم قدرتهم على اختراق القناع الذي يتظاهر به أعداؤها فلقد تعودوا على الطاعة ولم يتعلموا كيف يقرؤون دروس الحركة التاريخية .
ونحن في هذا البلد الذي يسعى منذ زمن للتحرر وكلما تحرر جزئيا واقتربنا من التحرر الكامل يأتي من يكبلنا ومصيبتنا ان صراعنا لا ينصب نحوا التحرر بل نحوا تبادل الأدوار من سجين لسجان من كان سجينا بالأمس يقبل ان يكون سجانا اليوم .
وهذه ثقافة الأمس ثقافة الإنسان الأول الذي كان يعيش حياة الغاب وتلك دلاله واضحة للتخلف والجهل الذي أعاق تطور ونهوض ذلك المجتمع التي تنبعث منه هذه الثقافة اسبابها قديمة انغلاق هذا المجتمع على نفسه وحصاره السياسي والثقافي والفكري الذي كان مفروض عليه كون لديه هذه الشخصية المفرغة من كل جديد المليئة بالعنف والحقد والضغينة للأخر وحب السيطرة وهو مسلسل ثقافي وفكري تراكمي كان نظام الأمس سببا رئيسا في تركيب هذا المجتمع اليوم للأسف ان هذا النظام يدرك جيدا ما غرسه في الوسط الاجتماعي يستفيد منها ليستمر ينتج مزيدا من سمومه بل يفرض علينا استبداده ويعيق تحررنا من التخلف والجهل الذي عززه ثقافة وسلوك هنا وهناك .
فعندما يسيطر العجز والانعزال واللامبالاة على حياة الناس تصبح الحرية لا معنى لها وألعوبة بيد أصحاب المصالح ويفقد المجتمع تدريجيا القدرة على النمو والتطور، وهذا الأمر خطير لأنه يؤدي تدريجيا إلى تسلط الاستبداد وإلغاء الحرية. وبعبارة أخرى فان الحرية تسير في طريق الاندثار عندما يموت إحساس الفرد بحريته ووعيه وإدراكه لحقيقة فعله ومسئوليته، فالنشاط الحقيقي للمجتمع يبدأ من عقل الفرد ووعيه.
وكان لابد ان تتولد قناعات التعايش وفق التنوع في كل المجتمعات، سواء كان تنوعاً منسجماً ام غير منسجم، يمثل حقيقة قائمة. وفي مجتمعنا، على غرار كل المجتمعات المتنوعة في العالم كان ولا يزال التنوع بحاجة إلى نظام ينقل حقيقة التنوع غير المنسجم بسبب الدكتاتورية والإرهاب، الى تنوع منسجم عن طريق نظام ديمقراطي حقيقي، وفي مجتمعنا أيضا كان ولا يزال التنوع يمثل حقيقة وطنية، والانتماء إلى كل التنوعات معاً، القومية والدينية والمذهبية والعشائرية، من دون تمييز هو حقيقة الوطنية والمواطنة في اليمن وان التفكيك الايجابي لهذه الحقيقة تتوالد منه منظومة حقائق، فالتنوع الديني والمذهبي المترتب عليه وعنه يمثل حقيقة قائمة لا يمكن تجاهلها او قمعها بل البحث كيفا لها ان تتعايش .
حتى هذا التنوع استغله أصحاب المصالح ونافذين وفاسدين الأمس ليشقوا منه الصف الوطني ليعيشون ويتسيدوا المجتمع عابثين بمقدراته وأمنه واستقراره واليوم تشعر ان الطائفة والمذهب يتصدر المواقف حتى وان لا نرى احتفاءً بالطائفية، ليس لأنها بغيضة فقط ومدعاةُ تفرقةٍ، و لأنها لم يعلن عنها صراحة و لم تُقَلْ إلا في معرض اتهام أو دفاع. هي دعوى ونفيٍ يتناوب دائماً الجميعُ ليتنصّلا منها من يتِّهِم فإنما يفعل ذلك ليلقيها على سواه ويتخلّص من عبئها، ومن ينفي فهو لا يفعل شيئاً سوى التنزّه عنها لكنها تمارس عملا وسلوكا وتستعيد روحها في أوساطنا .
بدأ الحديث اليوم عن السادة والهاشميين والسنة والشيعة كانت بالأمس ألقاب لا لها أي معنى عرفنا اليوم في تعز وعدن والحديدة وغيرها من مناطق اليمن منهم السادة وبدأ الناس يتناولون الزيدية والشافعية في خطابهم بدأت التعيينات في مراكز السلطة تأخذ معيار القرابة للأسرة ثم العرق والطائفة ان ابتعدت تصل للمذهب بدلا من الكفاءة والمؤهل والأولوية والمضحك أنهم يبررون ذلك من حقهم فقد مارس ذلك خصومهم وزجوا بأنصارهم في المؤسسات فيما مضى يبرهنون أنهم لا يختلفون كثيرا عن خصومهم بل يتبادلون الأدوار للهيمنة والسيطرة علينا وسلبنا حريتنا وحقوقنا بل بعضهم يؤكد انه حفاظهم على مملكة أجدادهم المقدسة .
لا تراهنوا على من يلبس رداء الإسلام في ملعب السياسة ولا تراهنوا على من يستخدم شعارات الدين ويرفع المصحف الكريم ويدعي انه حامي المسلمين ليحقق هدف سياسي لعين لا تراهنوا على من كان مظلوما ومنتهك وعندما تمكن استكبر وتكبر وتحول من مظلوم لظالم ومن منتهك مكسور الى منتهك جبار طاغية.
لا تراهنوا على من يدعي انه يساري قومي حقوقي او حتى علماني يحمل القيم الإنسانية التي تنتصر للمظلومين والفقراء والمحتاجين والبسطاء ثم يصطف مع كمبرادور الجهل والتخلف مع العنف مع المذهب مع العرق والطائفة ينتهك حقوق الناس في الشارع يروج للقتل والتنكيل أنها لعنة القدر تكشفهم حيثما كانوا حتى وان كان على منبر يلعلع كلاما جميلا منمق أعماله المشينة تفضحه سريعا
أنها لعنة الماضي التي تطاردنا لن نخلص منها بغير تجفيف منابع هذا التخلف والفتن والسموم الذي مصدرها رأس الأفعى اللعينة التي تغير جلدها في كل مرحله .